التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4799 [ ص: 235 ] 14 - باب: تزويج المعسر لقوله تعالى : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [النور : 32 ]

5087 - حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، جئت أهب لك نفسي قال : فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر فيها وصوبه ، ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله ، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها . فقال : " وهل عندك من شيء ؟ " . قال : لا والله يا رسول الله . فقال : " اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انظر ولو خاتما من حديد " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ، ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري -قال سهل : ما له رداء - فلها نصفه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما تصنع بإزارك ؟ ! إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء " . فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام ، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : موليا فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : " ماذا معك من القرآن ؟ " . قال : معي سورة كذا وسورة كذا عددها . فقال : " تقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ " . قال : نعم . قال : " اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن " . [انظر : 3310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 131 ] .


ذكر فيه حديث سهل في قصة الواهبة ، وفي آخره : "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن " . وقد سلف بالترجمة المذكورة ، وذكره في اللباس والوكالة وفضائل القرآن وأخرجه مسلم ، وهو دال على جواز نكاح المعسر ، وأن الكفاءة إنما هي في الدين لا في المال ، فإذا استجازت المرأة أو الولي التقصير في المال جاز النكاح ،

[ ص: 236 ] والأصح عندنا : أن المال ليس شرطا في الكفاءة ، وقد روي عن - عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ابتغوا الغناء في النكاح ، ما رأيت من قعد بعد هذه الآية إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [النور : 32 ] وفي "مستدرك الحاكم " من حديث عائشة مرفوعا : "تزوجوا النساء : فإنهن يأتينكم بالمال " ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، وصح أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ثلاثة حق على الله أن يعينهم : المجاهد في سبيل الله والناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء " وقال ابن الجلاب : إذا علمت المرأة بفقره عند النكاح فلا مقام لها .

فصل :

في حديث سهل جواز خطبة المرأة الرجل لنفسها إذا كان صالحا ولا عار عليها في ذلك .

وفيه : أن النساء : يخطبن إلى الأولياء ، فإن لم يكن ولي فالسلطان ولي من لا ولي له .

وفيه : إجازة النكاح بلفظ الهبة من قولها : جئت أهب نفسي لك . وكذا البيع وكل لفظ يقتضي التأبيد دون التأقيت ، قاله القاضيان : ابن القصار وابن بكير .

[ ص: 237 ] وذكر أبو حامد عن مالك (إن ) ذكر المهر مع هذا اللفظ صح وجاز العقد وإلا لم يجز ، ولم ينعقد النكاح .

وكذا قوله : "ملكتكها " .

وقال المغيرة والشافعي : لا ينعقد النكاح إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح .

والأول من خواصه ، كما أن له أن يتزوج بغير مهر وولي ، ولأن المخاطب لا يدخل في الخطاب إلا فيما كان من أمر الله كما قاله القاضي أبو بكر والجمهور كما حكاه ابن التين خلافا لبعض أصحابنا ، وليس منعنا أن يتزوج بلفظ الهبة منعا للشارع ، وكذلك الولاية في النكاح ; لأنه تزوج أم سلمة بغير ولي ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم .

وادعى ابن حبيب أن حديث سهل هذا منسوخ بقوله "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " .

ورواية : "ملكتكها " الصحيح رواية : "زوجتكها " بإجماع أهل الحديث ، والأولى وهم من معمر ، لكن البخاري ذكرها عن غيره ، ولأنها قضية عين ، فليس الاحتجاج بأحدهما أولى من الآخر .

[ ص: 238 ] فصل :

(وصعد النظر فيها وصوبه ) فيه جواز النظر إلى المرأة إذا أراد نكاحها . وهو قول الأئمة مالك والشافعي وأحمد .

وعن بعض المتأخرين منعه .

فصل :

وقوله : (ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه ) . هو حشمة منه وحياء ولم يواجهها إني لا أتزوجك ، وإن ذكر في باب : إذا قال الخاطب للولي : زوجني فلانة فقال : "ما لي اليوم في النساء حاجة " .

فصل :

فيه أن الشارع له الاجتهاد . وهو ظاهر .

فصل :

قوله : ("ولو خاتما من حديد" ) فيه كما قال ابن المنذر أن أقل المهر لا توقيت فيه ; إذ الخاتم من حديد لا يساوي عشرة كقول أبي حنيفة ، ولا ربع دينار (مالك ) ، أو ثلاثة دراهم .

قال الشافعي : ما جاز أن يكون ثمنا أو أجرة جاز أن يكون صداقا .

[ ص: 239 ] وقال ربيعة وابن وهب عند ابن حبيب ; يجوز كالدرهم والسوط والنعلين أخذا بظاهر هذا الحديث .

وروي عن ربيعة : نصف درهم . وقيل : ما يساوي ثلاثة دراهم .

وقال النخعي : أقله أربعون درهما . وقال سعيد بن جبير : خمسون . ولا وجه لهما .

فصل :

فإن كان الشيء حقيرا فسدت التسمية عندنا ، ورجع إلى مهر المثل . وعند ابن القاسم : إذا تزوج على أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم ، إن لم يدخل خير بين أن يتم لها ثلاثة دراهم أو يفرق بينهما ، وإن دخل أجبر على أن يتم ربع دينار ، وإن طلق قبل البناء كان لها نصف الدرهمين ; لأنه صداق مختلف فيه .

وقال غيره : يفسخ قبل ويثبت بعد ولها صداق المثل .

واختلف إذا لم يتم قبل البناء ربع دينار وفرق بينهما ، فقال محمد : لها نصف ما كان أصدقها .

وقال ابن حبيب : لا شيء لها ، وهو أبين كما قال ابن التين ، واختار الشيخ أبو الحسن بن القابسي قول محمد ، وأجاب الأبهري وأجاب عن الخاتم بأنه خاص بذلك الرجل ، ولا دليل يشهد له .

[ ص: 240 ] وقال ابن القصار : يحتمل أن يكون أراد منه تعجيل شيء يقدمه من الصداق ; لأنه لم يقل : أن ذلك الشيء إذا أتى به يكون جميع الصداق . وهو بعيد أيضا .

فصل :

[فيه ] دلالة على أنه إذا قال : زوجني . فقال : زوجتك . أنه لا يحتاج أن يقول ثانيا : قبلت نكاحها .

وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي كالبيع خلافا لأبي حنيفة ، حيث قال : لابد أن يقول : قبلت . وهو أحد التأويلات في قوله في "المدونة " : بعني سلعتك . أن المشتري لا يلزمه ، وأول بعضهم بعني ، أي : تبيعني .

فصل :

قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد : قوله : ("بما معك من القرآن" ) هذا خاص بذلك الرجل . قلت : لا .

قال : والدليل على ذلك أنه زوجها من ذلك الرجل ولم يستأمرها في تزويجه . وليس في الحديث ما يدل أنها أرادت غيره . قلت : هو ولي المؤمنين .

قال : وأيضا فلم يعلم ما معه من السور .

وظاهر الحديث أي : زوجتك لأن فيك قرآنا .

قلت : قد أسلفنا في باب : تزويج المعسر : "قم فعلمها عشرين آية ، وهي امرأتك " .

[ ص: 241 ] وقال الشافعي : زوجها منه ليعلمها السور ، وكذلك احتج به القاضي عبد الوهاب على صحة العقد في النكاح بالإجارة .

قال : وفي كتاب مسلم : "انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن " .

وقد اختلف في النكاح بالإجارة على ثلاثة أقوال : فقال مالك -وهو عند محمد - : هو مكروه . وقال أصبغ : هو جائز . وقال ابن القاسم : هو ممنوع ويفسخ قبل البناء .

وقيل : معنى : "بما معك " أي : لأجل فضيلة القرآن ، ورد عليه بأن قيل : لو كان كذلك لقال : لما معك ; لأن الباء إنما هي للبدل والعوض ، كقولك : بعتك ذا بكذا ، ولأنه سأله عما يصدقها ولم يطلب فضله ، أو لو قصده لسأله عن نسبه ، وهل هو قرشي أو غيره ، وإنما قصد المهر ، فإن قيل : فقد لا تتعلم فينقض بجواز تعليمها الكتاب ، وقد (لا ) تتعلم ، وعند المالكية خلاف في حذق المتعلم ، واشترطه ابن سحنون .

فصل :

وفي الحديث دلالة على صحة النكاح ، وإن لم يتقدمه خطبة -بالضم - وخالف فيه داود .

[ ص: 242 ] وفيه : أن المراد إذا زوجها الولي فرضيت بالقرب جاز ، وفيه اختلاف عن مالك .

قال مرة : لا أحب المقام عليه . وقال : لا يجوز إذا رضيت ، فلم يفرق بين قرب وبعد ، وأجازه مرة إذا قرب ، ومنعه إذا بعد . حكاه أصبغ .

فصل :

وفيه : جواز القراءة عن ظهر قلب ، وقد بوب البخاري لذلك فيما سلف قريبا .

فصل :

وفيه : أن المؤمنين ليس عليهم أن يصدق بعضهم عن بعض كمواساة الأكل والشرب .

وفيه : ابتغاء الجمال .

وفيه : أن السلطان ولي من لا ولي له ، وكذا ترجم عليه البخاري .

وفيه : المراوضة في الصداق .

وفيه : خطبة الرجل لنفسه .

وفيه : أن الزوج يقدم شيئا من الصداق ، وقد قال عيسى عن ابن القاسم : وإن أهدى إليها فلا يدخل حتى يقدم ربع دينار . وأجازه بعضهم ، وما أحب ذلك حتى يقدمه .

وفيه : أن النكاح لا يكون إلا بصداق .

التالي السابق


الخدمات العلمية