التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4803 5091 - حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل قال : مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما تقولون في هذا ؟ " . قالوا : حري إن خطب

[ ص: 244 ] أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ،
وإن قال أن يستمع . قال : ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال : " ما تقولون في هذا ؟ " . قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يستمع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا خير من ملء الأرض مثل هذا " .
[ 6447 - فتح: 9 \ 132 ] .


ذكر فيه أربعة أحاديث :

أحدها :

حديث أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تبنى سالما ، وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى النبي - صلى الله عليه وسلم - زيدا ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه ، حتى أنزل الله : ادعوهم لآبائهم إلى قوله : ومواليكم [الأحزاب : 5 ] فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين ، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري -وامرأة أبي حذيفة - النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : يا رسول الله ، إنا نرى سالما ولدا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت . فذكر الحديث .

ثانيها :

حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة بنت الزبير فقال لها : "لعلك أردت الحج " . قالت : والله لا أجدني إلا وجعة . فقال لها : "حجي واشترطي ، قولي : اللهم محلي حيث حبستني " . وكانت تحت المقداد بن الأسود .

[ ص: 245 ] ثالثها :

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تنكح المرأة : لمالها ، ولحسبها وجمالها ، ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " .

رابعها :

حديث سهل قال : مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "ما تقولون في هذا ؟ " . قالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يستمع . قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين ، فقال : "ما تقولون في هذا ؟ " . قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يستمع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا " .

ورواه النسائي من حديث أبي اليمان بإسناده مختصرا ، ومن حديث يحيى بن سعيد ، عن الزهري ، عن عروة وابن عبد الله بن ربيعة ، عن عائشة . قال الذهلي في هذا الحديث : ورواه عقيل ، عن الزهري ، عن عروة وابن عبد الله بن ربيعة ، عن عائشة .

ورواه شعيب عن الزهري ، عن عروة وابن عبد الله بن ربيعة ، عن عائشة وأم سلمة ، ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن الزهري ، عن عروة وابن عبد الله بن ربيعة ، عن عائشة وأم سلمة .

[ ص: 246 ] ورواه يونس ، عن الزهري ، عن عروة وابن عبد الله بن ربيعة في قصة سالم مولى أبي حذيفة وسهلة بنت سهيل .

قال : ورواه عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن الزهري ، عن عروة وعمرة ، عن عائشة .

ورواه معمر عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة . ورواه ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه مثل حديث معمر . ورواه مالك ، عن الزهري ، عن عروة ، لم يذكر عائشة .

قال : وهذه الوجوه عندنا محفوظة (غير ) حديث ابن مسافر ، فإنه لم يتابعه عليه أحد من أصحاب الزهري . غير أني لست أقف على هذا الرجل المقرون مع عروة ، إلا أني أتوهم أنه إبراهيم -وأما أبو (عائذ الله ) فمجهول ليس بمعروف-[بن ] عبد الرحمن بن عبد الله بن ربيعة بن أم كلثوم بنت الصديق ، فإن الزهري قد روى عنه حديثين ، وهو برواية يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد الأنصاري أشبه من حيث قالا : عن ابن عبد الله بن ربيعة ، وهذا عندي (أراد ) -والله أعلم - إبراهيم بن عبد الرحمن الذي ذكرناه .

[ ص: 247 ] الشرح :

هذا الحديث -أعني : الأول - سلف في باب مجرد عقب باب : شهود الملائكة بدرا من حديث عقيل ، عن الزهري . وأخرجه أبو داود من حديث يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنها .

قال الحميدي في "جمعه " : وأخرجه البرقاني في كتابه بطوله من حديث أبي اليمان بسنده بزيادة : فكيف ترى [يا ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : "أرضعيه " فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة ، فبذلك كانت عائشة تأمر بنات أختها وأخيها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها -وإن كان كبيرا - خمس رضعات فيدخل عليها ، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يكون في المهد ، وقلن لعائشة - رضي الله عنها - : والله ما ندري لعله رخصة لسالم دون الناس .

وفي مسلم في حديث القاسم ، عن عائشة : جاءت سهلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم . فقال : "أرضعيه " فقالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم وقال :

[ ص: 248 ] "قد علمت أنه رجل كبير "
. وفي رواية ابن أبي مليكة : "أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في وجه أبي حذيفة " فرجعت وقالت : أرضعته ، فذهب الذي في وجه أبي حذيفة .

ولمالك : "أرضعيه خمس رضعات " ، وهو ترسيخ لحديث أم الفضل الصحيح المرفوع : "لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان " .

وعن أبي هريرة : "لا تحرم المصة ولا المصتان " صححه عبد الحق . وحديث أم الفضل الآخر المرفوع : "يحرم من الرضاعة المصة والمصتان " ضعيف .

فصل :

قولها : (وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد ) وقع في "الموطأ " أن اسمها فاطمة بنت الوليد ، ووهم من ضبطه بضم الهمزة والتاء .

وقوله : (وهو مولى لامرأة من الأنصار ) هي سلمى ، وقيل ثبيتة بنت يعار ، وقال أبو طوالة : عمرة بنت يعار فيما ذكره أبو عمر .

[ ص: 249 ] فصل :

اختلف العلماء في الأكفاء من هم ، فقال مالك : الأكفاء في الدين دون غيرهم ، والمسلمون بعضهم لبعض أكفاء ، ويجوز أن يتزوج العربي والمولى العربية .

روي ذلك عن عمر قال : لست أبالي أي المسلمين نكحت وأيهم أنكحت . وبمثله عن ابن مسعود ، ومن التابعين عن عمر بن عبد العزيز وابن سيرين .

وقال أبو حنيفة : قريش كلهم أكفاء بعضهم لبعض ، والعرب أكفاء بعضهم لبعض ، ولا يكون أحد من العرب كفؤا لقريش ولا أحد من الموالي كفؤا للعرب ، ولا يكون كفؤا من لا يجد المهر والنفقة .

وقال الشافعي : ليس نكاح غير الأكفاء بمحرم (فأرده ) بكل حال ، وإنما هو تقصير بالمتزوجة والأولياء ، فإن تزوجت غير كفؤ فإن رضيت به وجميع الأولياء جاز ، ويكون حقا لهم تركوه ، وإن رضيت به وجميع الأولياء إلا واحدا منهم فله فسخه .

وقال بعضهم : إن رضيت به وجميع الأولياء لم يجز . وكان الثوري يرى التفريق إذا نكح مولى عربية ، ويشدد فيه .

[ ص: 250 ] وقال أحمد : يفرق بينهما .

واحتج الذين جعلوا الكفاءة في النسب والمال ، فقالوا : العار به يدخل على الأولياء والمناسبين ; لأن حق الكفاءة رفع العار عنها وعنهم . قالوا : وقد روي عن ابن عباس أنه قال : قريش بعضهم لبعض كفؤ والموالي بعضهم لبعض كفؤ إلا الحاكة والحجامين .

ورواه نافع عن مولاه مرفوعا . قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : هو حديث منكر ، ورواه هشام الرازي فزاد فيه : أو دباغ قال : فخرج عليه الدباغون ، حتى إن بعض الناس حسن الحديث ، وقال : إنما معناه أو دباب . كذا أراد هؤلاء الذين يتخذون الدباب .

واحتج أهل المقالة الأولى بحديث عائشة الذي في الباب أن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه ، وهي سيدة أيامى قريش ، وسالم مولى لامرأة من الأنصار ، وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[المقداد ] وهو عربي حليف الأسود بن عبد يغوث ، تبناه ونسب إليه ، وهو وجه إيراد البخاري له في الباب ، حيث قال في آخره : (وكانت تحت المقداد بن الأسود ) .

وروى الدارقطني عن حنظلة بن أبي سفيان ، عن أبيه : رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال .

[ ص: 251 ] واحتجوا بحديث الباب : "فاظفر بذات الدين تربت يداك " وهو وجه إيراد البخاري له هنا ، فجعل العمدة ذات الدين ، فينبغي أن يكون العمدة في الرجل مثل ذلك .

ألا ترى قوله في حديث سهل حين فضل الفقير الصالح على الغني ، وجعله خيرا من ملء الأرض منه .

وذكره البخاري أيضا في الرقاق ، وذكره أبو مسعود في "أطرافه " : أن مسلما أخرجه ، وذكره الخليلي وابن الجوزي في المتفق عليه .

واحتجوا أيضا بقوله - عليه السلام - لبني بياضة : "أنكحوا أبا هند " فقالوا : يا رسول الله ، أتزوج بناتنا من موالينا ؟ فنزلت يا أيها الناس الآية [الحجرات : 13 ] رواه أبو داود ، وفي الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا : "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " ثم رواه الليث ، عن ابن عجلان ، عن أبي هريرة مرسلا .

قال محمد : وهو (أشبه ) . وعن أبي حاتم المزني مرفوعا : "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " ثم قال : غريب ، ولا يعلم لأبي حاتم ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيره .

[ ص: 252 ] وأجاب بعضهم عن حديث سالم وغيره أن ذلك كان قبل أن يدعى إلى أبويهما وأنهم كانوا يرون أن من تبنى أحدا فهو ابنه ، وآخر حديث سالم صريح فيه .

وقال المهلب : الأكفاء في الدين هم المتشاكلون ، وإن كان في النسب [تفاضل ] ، فقد نسخ الله ما كان يحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح والدين ، فقال تعالى : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية [الحجرات : 13 ] ، وقد نزع بهذه الآية مالك بن أنس .

وأما دعوى دخول العار عليها وعلى الأولياء فيقال : مع الدين لا عار ، فمعه [يحمل ] كل شيء ، وفي النسب مع عدم الدين كل عار ، وقد تزوج بلال امرأة قرشية كما سلف ، وأسامة بن زيد فاطمة بنت قيس وهي قرشية ، وقد كان عزم عمر بن الخطاب على تزويج ابنته من سلمان الفارسي حتى قال عمرو بن العاصي لسلمان : لقد تواضع لك أمير المؤمنين . فقال سلمان : لمثلي يتواضع ، والله لا أتزوجها أبدا . ولولا أن ذلك جائز ما أراده عمر ولا هم به ; لأنه لا يدخل العار نفسه وعشيرته .

فصل :

قد أسلفنا وجه دخول حديث ضباعة هنا ، وقد أجازه طائفة عملا به -أعني : الاشتراط - ومنهم عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار

[ ص: 253 ] وابن عباس . ومن التابعين سعيد بن المسيب وعروة وعطاء وعلقمة وشريح وعبيدة . ذكره ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ، وهو الأظهر عند الشافعي ، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور .

وأنكر الاشتراط طائفة أخرى وقالوا : هو باطل .

روي ذلك عن ابن عمر وعائشة . وهو قول النخعي والحكم وطاوس وسعيد بن جبير ، وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة ، وقالوا : لا ينفعه اشتراطه ويمضي على إحرامه حتى يتم . وكان ابن عمر ينكر ذلك ويقول : أليس حسبكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يشترط ، فإن حبس أحدكم بحابس عن الحج فليأت البيت فليطف به وبين الصفا والمروة ، ويحلق (و ) يقصر ، وقد حل من كل شيء حتى يحج قابلا ، ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا .

وأنكر ذلك طاوس وسعيد بن جبير ، وهما رويا الحديث عن ابن عباس ، وأنكره الزهري ، وهو راويه عن عروة .

[ ص: 254 ] فهذا كله مما يوهن الاشتراط وادعاء خصوصها وليس بظاهر . وادعى ابن المرابط أن عدم ذكره لهذا الحديث في كتاب الحج دلالة على أن الاشتراط عنده لا يصح ، وهو عجيب .

وفيه دليل على أن الإحصار لا يقع إلا بعذر مانع ، وأن المرض وسائر العوائق لا يقع بها الإحلال ، وإلا لما احتاجت إلى هذا الشرط .

وهو قول ابن عباس ، قال : لا حصر إلا حصر العدو ، وروي معناه عن ابن عمر .

وقولها : (محلي حيث حبستني ) فيه دليل على أن المحصر يحل حيث يحبس ، وينحر بدنة هناك ، حراما كان أو حلالا .

فصل :

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "تنكح المرأة لأربع " إلى آخره . هو إخبار عن عادة الناس في ذلك .

قال المهلب : وهو دال على أن للزوج الاستمتاع بمالها ، فإنه يقصد لذلك ، فإن طابت به نفسا فهو له حلال ، وإن منعت فإنما له من ذلك بقدر ما بذل من صداق ، واختلفوا إذا أصدقها وامتنعت الزوجة أن تشتري شيئا من الجهاز ، فقال مالك : ليس لها أن تقضي به دينها ، وأن تنفق منه في غير ما يصلحها ، إلا أن يكون الصداق شيئا كثيرا فتنفق منه شيئا يسيرا في دينها .

[ ص: 255 ] وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي : لا تجبر على شراء ما لا تريد ، والمهر لها تفعل فيه ما شاءت ، واحتجوا بأجمعهم بأنها لو ماتت والصداق بحاله أن حكمه حكم سائر مالها .

والحديث دال على أن للزوج الاستمتاع بمالها والارتفاق بمتاعها ، ولولا ذلك لم يفدنا قوله : "تنكح المرأة لمالها " فائدة ، ولساوت العبد الفقير في الرغبة فيها ، فقول مالك أشبه بدليل الحديث .

فائدة :

زاد الزمخشري في "ربيعه " في الحديث مرفوعا : "فمن نكح للجمال عاقبه الله بالغيرة ، ومن نكح للنسب عاقبه الله بالذل ، فلا يخرج من الدنيا حتى يكثر حبسه ويخرق ثيابه ويشج وجهه ، ومن نكح للمال لم يخرج من الدنيا حتى يبتليه الله بمالها ، ثم يقسو عليها فلا تعطيه شيئا ، ومن نكح للدين أعطاه الله المال والجمال والنسب وخير الدنيا والآخرة " .

فصل :

ترب معناه : افتقر ، وقيل : استغنى ولم يدع بالفقر ، وإنما هي حكمة جرت على ألسنتهم من غير قصد لمعناها كعقرى حلقى ونحوه . وسيأتي أيضا في الأدب .

فصل :

وحديث سهل في الباب هو ابن سعد .

وذكره الحميدي وأبو مسعود وابن الجوزي في المتفق من مسند سهل ، وأبى ذلك الطرقي وخلف فعزياه إلى مسلم ، و (حري ) بالحاء معناه : حقيق .

[ ص: 256 ] فصل :

يتعلق بما ذكرناه من تتمة الحديث الأول . ذكر البخاري قريبا في باب : لا رضاع بعد حولين ، من حديث عائشة السالف في الشهادات : "فإنما الرضاعة من المجاعة " .

وقد اتفق جمهور العلماء على أن رضاع الكبير لا يحرم .

وفيه حديث في الدارقطني من حديث أبي هريرة ، وفي آخره : "لا رضاع بعد فطام ، وإنما يحرم من الرضاع ما في المهد " .

وعند مالك ، عن ابن دينار ، عن ابن عمر : إنما الرضاعة رضاعة الصغير .

وعن نافع ، عن ابن عمر : لا رضاعة لكبير ولا رضاعة إلا ما أرضع في الصغر .

وعن أم سلمة قالت : لا رضاع بعد فطام

وقال ابن مسعود : الرضاع ما أنبت اللحم والعظم .

ومن حديث جويبر ، عن الضحاك ، عن النزال ، عن علي : لا رضاع بعد الفصال . وعن عمرو بن دينار ، عمن سمع ابن عباس رضي الله عنهما : لا رضاع بعد الفطام ، وكذا قاله الحسن والزهري وقتادة وعكرمة .

[ ص: 257 ] وروى هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أم سلمة مرفوعا : "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " . ولابن عدي عن ابن عباس مرفوعا : "لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين " ، وشذ الليث وأهل الظاهر فقالوا : يحرم .

وحكاه عبد الرزاق ، عن علي بن أبي طالب وعطاء ; ذهابا إلى حديث سالم .

وجوابه أنه منسوخ ، أو خاص ، كما قالت أمهات المؤمنين ، كما نبه عليه ابن بطال وغيره .

فإن وقع ذلك لم يلزم بها حكم لا في النكاح ولا في الحجاب .

وقال داود : يرفع تحريم الحجاب لا غير .

وقال ابن المواز : لو أخذ هذا في الحجاب لم أعبه ، وتركه أحب إلي ، وما علمت أخذ به هنا إلا عائشة .

وقد انعقد الإجماع على خلاف التحريم برضاعة الكبير ; لأن الخلاف كان أولا ثم انقطع ، وما حكاه عن عائشة فيه نظر ; لأن نص

[ ص: 258 ] حديث "الموطأ " عنها أنها كانت تأخذ بذلك في الحجاب خاصة ، وقد اعتمد الجمهور على الخصوصية بأمور منها :

أن ذلك مخالف للقواعد : منها : قاعدة الرضاع ; فإن الله تعالى قال بعد حولين كاملين : لمن أراد أن يتم الرضاعة [البقرة : 233 ] فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليها عادة ، فما زاد عليها بمدة مؤثرة فغير محتاج إليها عادة ولا يعتبر شرعا لندورها ، والنادر لا يسلم له .

ومنها : تحريم الاطلاع على العورة ، فلا خلاف أن ثدي الحرة عورة ، وأنه لا يجوز الاطلاع عليه ، ويبعد الإرضاع من غير اطلاع ، ونفس الالتقام اطلاع .

ومنها : أنه مخالف لحديث أم سلمة من عند الترمذي صحيحا : "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الطعام " ، وقد سلف .

وللحديث السالف : "إنما الرضاعة من المجاعة " وهو دال على أن الرضاعة المعتبرة إنما هي في الزمان الذي يغني فيه عن الطعام ، وذلك إنما يكون في الحولين عند الشافعي وما قاربها من الأيام اليسيرة بعدها عند مالك ، وقد اضطرب أصحابه في تحديدها ، فالكثير

[ ص: 259 ] يقول : شهر ، وكان مالك يشير إلى أنه لا يفطم الصبي دفعة واحدة في يوم واحد ، بل في أيام وعلى التدريج ، قليل الأيام التي تخاذل فيها فطامه حكمها حكم الحولين ; لقضاء العادة بمعاودة الرضاع فيها ، وجمهور العلماء -كما قال ابن بطال - أن ما كان بعد الحولين لا يحرم .

روي عن ابن مسعود وابن عباس ، وعليه الشعبي وابن شبرمة ، وهو قول الثوري والأوزاعي ومحمد وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وهو قول مالك في "الموطأ " .

وفيه قول آخر : روى الوليد بن مسلم ، عن مالك : ما كان بعد الحولين شهرا وشهرين يحرم .

وقول آخر عن أبي حنيفة : ما كان بعدها بستة أشهر فإنه يحرم .

وقول آخر : قال زفر بن الهذيل : ما دام يجتزئ باللبن ولم يطعم ، وإن أتى عليه ثلاث سنين فهو رضاع وقال الأوزاعي فيما نقله ابن حزم : إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه ، ثم رجع في الحولين لم

[ ص: 260 ] يحرم هذا الرضاع الثاني شيئا وإن تمادى رضاعه .

وجمع ابن التين خمسة أقوال في "المدونة " : الرضاع حولان وشهر وشهران ، وفي "المجموعة " : الأيام اليسيرة .

وقال عبد الملك : الشهر ونحوه ، وعنده في "المبسوط " تعتد بنقص [و ] زيادة الشهور .

وقاله سحنون عن أبيه . وقال محمد بن عبد الحكم ، عن مالك : لا يحرم ما زاد على الحولين . وذكر الداودي عنه : يحرم بعد سنتين ونصف .

التالي السابق


الخدمات العلمية