التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4808 5096 - حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، عن سليمان التيمي قال : سمعت أبا عثمان النهدي عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما ، - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " . [مسلم : 2740 - فتح: 9 \ 137 ] .


ذكر فيه أحاديث :

أحدها :

حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "الشؤم في المرأة والدار والفرس " .

وفي لفظ عن ابن عمر ذكروا الشؤم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس " .

[ ص: 267 ] ثانيها :

حديث سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن " . وقد سلفا في الجهاد .

وفي إسناد الثاني -من حديث ابن عمر - عمر بن محمد العسقلاني ، وهو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ، أخو واقد وعاصم وزيد وأبي بكر ، مدني ، نزل عسقلان ومات بها مرابطا بعد أخيه أبي بكر بقليل ، ومات أبو بكر بعد خروج محمد بن عبد الله ، وخرج سنة خمس وأربعين ومائة ، وقيل : سنة خمسين .

وقد أسلفناه في الجهاد الكلام على ذلك وأنه حقيقة .

وأنه قول مالك ، ويؤيده قوله : الشؤم في كذا - أو إنما الشؤم في كذا ، وإن منهم من قال : إنه ليس حقيقة .

يؤيده رواية : "إن كان الشؤم في شيء " والآية التي ذكرها البخاري نزلت في نساء أهل مكة يمنعن أزواجهن وأولادهن من الهجرة وتعلقن بهم فنزلت الآية .

قال أبو عبد الملك : ويجوز أن يكون على الحقيقة ، وأن الشيطان يلقي على الرجل ما يشغله عن الطاعة في بعض الأوقات ويدله على المعصية ، وقد يعقه فيرتكب كبيرة ، ولما كان الشؤم من قبل الزوجة كان الحديث مطابقا لما بوب عليه .

[ ص: 268 ] وعن البخاري : شؤم الفرس إذا كان حرونا ، وشؤم المرأة سوء خلقها ، وشؤم الدار جارها . وعن ابن عباس مرفوعا : "شؤم الفرس صعوبة رأسه ، ومنع جانبه ، وشؤم المرأة كثرة حداثها وسوء خلقها ، وشؤم الدار سوء جوارها وضيق فنائها " .

الحديث الثالث :

حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .

هذا الحديث أخرجه عن آدم ، ثنا شعبة ، عن سليمان التيمي قال : سمعت أبا عثمان النهدي عن أسامة به .

وأخرجه مسلم في الدعوات والترمذي في الاستئذان من حديث المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عثمان ، عن أسامة وسعيد بن زيد ، قال الترمذي : رواه غير واحد من الثقات ، عن سليمان ولم يذكروا سعيد بن زيد ، ولا نعلم أحدا قال : عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل غير المعتمر .

وقال الدارقطني : أسامة وحده أحب إلي ، وأخرجه النسائي في عشرة النساء ، وابن ماجه في الفتن من حديث سليمان التيمي أيضا .

وفيه : أن فتنة النساء : أعظم مخافة على العباد ; لأنه - عليه السلام - عم جميع

[ ص: 269 ] الفتن بقوله : "ما تركت بعدي . . " إلى آخره .

ويشهد لصحته قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات الآية [آل عمران : 14 ] ، فقدم النساء على جميع الشهوات ، وقد روي عن بعض أمهات المؤمنين أنها قالت : من سيئاتنا قدمنا على جميع الشهوات .

فالمحنة بالنساء أعظم المحن على قدر الفتنة بهن ، وقد أخبر تعالى مع ذلك أن منهن لنا عدوا فينبغي للمؤمنين الاعتصام به والرغبة إليه في النجاة من فتنتهن ، والسلامة من شرهن .

وقد روي في الحديث : "لما خلق الله المرأة فرح لها الشيطان فرحا عظيما ، هذه حبالتي التي لا يكاد يخطئني من نصبتها له " وفي الحديث : "النساء حبائل الشيطان " وفي "ربيع الأبرار " قال - عليه السلام - : "استعيذوا بالله من شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر " وفي حديث آخر : "اتق سلاح إبليس النساء " ، و"لقي عيسى - عليه السلام - إبليس وهو يسوق خمسة أحمر عليها أحمال ، فسأله ، فقال : أحمل تجارة وأطلب مشترين ، أحدهما الكيد قال : من يشتريه ؟ قال : النساء : . . " الحديث ، وقال علي : النساء شر كلهن وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن ، وفي رواية : قالوا : يا رسول الله ، ما فتنتهن ؟ قال : "إذا لبسن ريط الشام ، وحلل العراق ، وعصب اليمن ، وملن كما تميل أسنمة البخت ، فإذا فعلن ذلك كلفن المعسر ما ليس عنده " .

[ ص: 270 ] فصل :

سيأتي إن شاء الله تعالى في الطب في باب : الطيرة رد على من زعم أن أحاديث الشؤم تعارضها .

وقد أسلفناه في الجهاد أيضا . وذكر أبو محمد القاسم بن عساكر في "تحقيقه " أن الإمام أحمد لما سئل عن حديث ابن مسعود مرفوعا : "الطيرة شرك وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل " وأصله في الترمذي مصححا فقال : قوله : "وما منا " . من كلام ابن مسعود ليس مرفوعا ، يقصد : وما منا إلا ويقع في قلبه شيء على ما جرت به العادة ومضت به التجارب ، لكنه لا يقر فيه ، (بل يحسن اعتاده إن لامه رسول الله ) ، فيسأله الخير ويستعيذ به من الشر ويمضي لوجهه متوكلا على الله ، كما رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأيت من الطيرة ما تكره فقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك " من طريق منقطعة .

ولأبي داود من حديث ابن أبي وقاص مرفوعا : "إن كانت الطيرة في شيء ففي المرأة والدابة والدار " وعن أبي سعيد من حديث عطية عنه مثله ، وكذا روته أم سلمة وسهل بن سعد .

[ ص: 271 ] وعن ابن عمر : "لا عدوى ولا طيرة " وعن ابن عباس مثله .

أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد ، وكذا عن أبي قتادة وجابر وأبي الدرداء والسائب بن يزيد وبريدة وأنس وأبي أمامة وعبد الله بن زيد وحابس التميمي وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة بأسانيد جيدة .

قال الحليمي في "منهاجه " : والتطير قبل الإسلام كان من وجوه منها : زجر الطير ، وصوت الغراب ، ومرور الظبي ، والعجم ينفرون برؤية ظبي يذهب به إلى المعلم ويتمنون برجوعه ، وكذا يتشاءمون برؤية السقاء على ظهره قربة مملوءة مشدودة ، والحمال المثقل الحمل ، وهذا كله باطل ، وقد نهينا عن الباطل .

وحديث : "الشؤم في ثلاث " ليس من التطير في شيء كما سلف .

وقوله : "فر من المجذوم فرارك من الأسد " هو من باب تجنب المضار ; لأن الجذام معد ومنفر -أعني : يعدي من شخص إلى شخص ، ويوجد في النسل ، والمعدي الجرب والجدري والحصبة والبخر والرمد ، والمرض الوبائي ، والمنفسة البرص والدق والمالتموليا والصداع والنقرس .

فالأمر بالفرار من المجذوم لهذا لا للتطير .

وأما أكله مع المجذوم فيحتمل أن يكون ذلك استشفاء له بالإصابة

[ ص: 272 ] من طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتماع يده في القصعة مع يده ثقة بالله وتوكلا عليه ، وأما نهيه عن تسمية الغلام يسارا وشبهه فإنما هو لئلا يقال : ليس هنا وشبهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية