التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4814 [ ص: 295 ] 21 - باب: من قال : لا رضاع بعد حولين

لقوله -عز وجل - : حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [البقرة : 233 ] . وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره .

5102 - حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن الأشعث ، عن أبيه ، عن مسروق ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل ، فكأنه تغير وجهه ، كأنه كره ذلك ، فقالت : إنه أخي . فقال : " انظرن ما إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة " . [انظر : 2647 - مسلم: 1455 - فتح: 9 \ 146 ] .


ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل ، فكأنه تغير وجهه ، كأنه كره ذلك ، فقالت : إنه أخي . فقال : "انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة " . قد سلف في آخر باب : الأكفاء في الدين الكلام على ذلك واضحا وهو ظاهر لما ترجم له ، وأخذ أيضا منه أن المصة تحرم وهو قول مالك ، واحتج بعضهم له بقوله لعائشة : "ائذني له " وهذا رضاع لا توقيت فيه ، واحتج له بعضهم بحديث المرأة السوداء الآتية قريبا .

وقولها : (قد أرضعتكما ) . واعتبر الشافعي خمس رضعات متفرقات ، وحكي عن إسحاق أيضا وقيل : عشر ، وقيل : تسع ، وحجة الجمهور ما ذكر في الآية ظاهر ، أعني : في اعتبار الحولين أنه تعالى أخبر أن تمام الرضاعة حولان فعلم أن ما بعدهما ليس برضاع ، إذ لو كان ما بعد رضاعا لم يكن كمال الرضاع حولين ،

[ ص: 296 ] ويشهد لهذا قوله : "إنما الرضاعة من المجاعة " وهذا المعنى لا يقع برضاع الكبير .

وقوله : ("انظرن من إخوانكن" ) أي : حققوا صحة الرضاعة ووقتها فإن الحرمة إنما تثبت إذا وقعت على شرطها وفي وقتها .

قال المهلب : أي : ما سبب أخوته ؟ فإن حرمة الرضاع إنما هو في الصغر حتى يشب ، الرضاعة من المجاعة لا حين يكون الغذاء بغير الرضاع في حال الكبر ، قال ابن بطال : والقول قول من قال بالحولين بشهادة الكتاب والسنة .

وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس مرفوعا : "لا رضاع إلا ما كان في الحولين " ، وقد سلف من رواية ابن عدي أيضا ، وأيضا فقد قال الله تعالى : وفصاله في عامين [لقمان : 14 ] فعلم أن ما جاء بعدهما خلافهما ، قال ابن المنذر : والذي يعتمد عليه في ذلك الآية السالفة وليس لما بعد التمام حكم .

فصل :

اختلف في مقدار الرضاع الذي تثبت به الحرمة ، كما ذكرناه قريبا .

قال ابن المنذر : قالت طائفة : يحرم قليله وكثيره ، وهو قول علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس ، وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء ومكحول وطاوس والحكم ، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والثوري والكوفيين لإطلاق الآية ، وقالت طائفة : إنما

[ ص: 297 ] يحرم ثلاث ، روي عن عائشة وابن الزبير ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وأبو ثور وأبو عبيد ، واحتجوا بالحديث السالف : "لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان " .

وقالت طائفة : لا يقع إلا بخمس متفرقات ; احتجاجا بقول عائشة : كان فيما نزل في القرآن : (عشر رضعات يحرمن ) ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما نقرأ في القرآن ، وروي عنها أيضا أنه لا يحرم إلا بسبع ، وروي : بعشر ، أمرت أختها أم كلثوم أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات ليدخل عليها ، وروي مثله عن حفصة أم المؤمنين .

وقيل : إن أحاديثها في الرضاع اضطربت فوجب تركها والرجوع إلى الإطلاق ، نقله ابن بطال عن العلماء ، قال الطحاوي : فكيف يجوز أن تأمر عائشة بعشر وهي منسوخة وتركت أن تأخذ بالخمس الناسخة ، وحديث الإملاجة لا يثبت ; لأنه مرة يرويه ابن الزبير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومرة عن أبيه ، ومرة عن عائشة - رضي الله عنها - ، ومثل هذا الاضطراب يسقطه . قلت : لا .

قال الطحاوي : وأكثر في ذلك أنا رأينا الذي يحرم لا عدد فيه ، ويحرم قليله وكثيره ، ألا ترى لو أن رجلا جامع امرأته بنكاح أو ملك

[ ص: 298 ] مرة واحدة أن ذلك يوجب حرمتها على أبيه وابنه وحرمة أمها وابنتها عليه ، فكذلك الرضاع .

قلت : لا ; فالعدد هنا ثابت .

التالي السابق


الخدمات العلمية