التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4821 5111 - لأن عروة حدثني ، عن عائشة قالت : حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب . [انظر : 2644 - مسلم: 1445 - فتح: 9 \ 160 ] .


حدثنا (عبدان) ، أنا عبد الله ، أنا عاصم ، عن الشعبي ، سمع جابرا - رضي الله عنه - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها .

وقال داود وابن عون عن الشعبي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها " . أخرجه مسلم والنسائي .

[ ص: 327 ] حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله قال : أخبرني يونس ، عن الزهري : حدثني قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على عمتها والمرأة وخالتها . فنرى خالة أبيها بتلك المنزلة . لأن عروة حدثني ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب .

الشرح :

قال الترمذي في "علله " : حدثنا محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن عاصم قال : قرأت على الشعبي كتابا فيه : عن جابر يرفعه : نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها . فقال الشعبي : سمعت هذا من جابر وسألت محمدا عنه فقال : يحدث الشعبي عن صحيفة جابر ، ولم يعرف محمد حديث أبي داود عن شعبة .

والتعليق عن داود أخرجه مسلم عن محرز بن عون ، عن علي بن مسهر عنه ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة .

وقال (الترمذي ) : ثنا الحسن بن علي ، عن يزيد بن هارون ، عن داود ، عن الشعبي ، ورواه أبو داود ، عن النفيلي ، عن زهير ، والنسائي عن إسحاق بن (إبراهيم ) ، عن المعتمر بن سليمان ، كلاهما عن داود عن الشعبي به بلفظ : "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا تنكح العمة على بنت أخيها ، ولا الخالة على بنت أختها ،

[ ص: 328 ] ولا تتزوج الصغرى على الكبرى ، ولا الكبرى على الصغرى " .

والتعليق عن ابن عون ، أخرجه النسائي موقوفا عن محمد بن عبد الأعلى ، ثنا خالد بن الحارث ، ثنا ابن عون ، وأخرجه البيهقي أيضا كذلك من طريق ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة بلفظ : نهى أن يتزوج على ابنة أخيها ، أو ابنة أختها .

ورواه عن أبي هريرة أيضا من غير ذكر البخاري جماعة : منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن وعراك بن مالك عند مسلم ، وعبد الملك بن يسار عند النسائي ، وسعيد بن المسيب ، وأبو العالية عند ابن أبي حاتم في "علله " ، ومحمد بن سيرين عند ابن ماجه .

ولما خرجه الترمذي من حديث الأعمش ، عن أبي صالح في "علله " قال : كأن محمدا لم يعرفه من هذا الوجه .

وقال ابن عبد البر : طرق حديث أبي هريرة متواترة ، ورواه عنه جماعة

قال الشافعي : لم يرو هذا من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة ، وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث .

[ ص: 329 ] قال البيهقي : هو كما قال الشافعي . وقد روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن عمرو وأبي سعيد وأنس وعائشة كلهم مرفوعا ، زاد الترمذي وأبا أمامة وسمرة .

قال البيهقي : إلا أن شيئا من هذه الروايات ليس من شرط الشيخين ، وإنما اتفقا ومن قبلهما ومن بعدهما من الحفاظ على إثبات حديث أبي هريرة في هذا الباب والاعتماد عليه دون غيره .

وقد أخرج البخاري رواية عاصم ، عن الشعبي ، عن جابر ، والحفاظ يرون أنها خطأ ، وأن الصحيح رواية ابن عون وداود .

قلت : قد روى النسائي في كتابه "الكبير " عن إبراهيم بن الحسن ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي (الزبير ) ، عن جابر .

وقال أبو عمر : زعم بعض الناس أن هذا الحديث لم يرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث أبي هريرة .

وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - القائل فيه الترمذي : حسن صحيح . يرفعه : نهى أن تتزوج المرأة على عمتها أو على خالتها .

وعند أبي داود مرفوعا : أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة ، وبين الخالتين والعمتين .

[ ص: 330 ] وقد صح : "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم " وفي "مراسيل أبي داود " ، عن عيسى بن طلحة : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة .

وفي حديث أبي سعيد : نهى عن نكاحين : أن يجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها . أخرجه ابن ماجه .

وقال الترمذي : سألت محمدا عنه فقال : رواه بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الملك بن يسار -أخيه - عن أبي هريرة ، ورواه زيد بن أسلم ، عن أبي سعيد مرسلا .

وفي ابن ماجه من حديث أبي موسى : "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها " .

ولابن عبد البر من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : "لا (تقدمن ) على عمتها ، ولا على خالتها " وأخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد إلى عمرو أنه قال ذلك يوم فتح مكة ، وفي رواية أن عمرو بن العاص ضرب رجلا تزوج بامرأة على خالتها ، وفرق بينهما .

[ ص: 331 ] وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث ابن عمر فقال : هو خطأ ، إنما رواه جعفر بن برقان ، عن رجل ، عن الزهري ، عن سالم ، عنه . وليس هذا من صحيح حديث الزهري .

وقال الترمذي في "علله " : سألت محمدا عنه ، فقال : غلط إنما هو عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبي هريرة .

وقال أحمد في رواية مهنا : ليس هذا الحديث صحيحا ، هو باطل ، وحديث جعفر مضطرب ، وإنما يرويه قبيصة عن أبي هريرة ليس فيه شيء غير هذا . قالوا : ولم يسمع جعفر من الزهري .

ولأبي عبيد من حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن رجل من السكاسك ، عن أبي الدرداء ، ولابن أبي شيبة من حديث أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن يحيى ، عن مسروق ، عن عبد الله موقوفا .

إذا تقرر ذلك فقام الإجماع على أنه لا يجوز الجمع بين المرأة وأختها وإن علت ، ولا بين المرأة وخالتها وإن علت ، ولا يجوز نكاح المرأة على ابنة أخيها ، ولا على بنت أختها وإن سفلت . كما سلف .

قال ابن المنذر : لست أعلم في ذلك خلافا ، إلا عن فرقة من الخوارج ، ولا يلتفت إلى خلافهم مع الإجماع والسنة .

وذكر ابن حزم أن عثمان البتي أباحه ، وذكر الإسفراييني أنه قول طائفة من الشيعة محتجين بقوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم

[ ص: 332 ] [النساء : 24 ] قال أبو عبيد : فيقال لهم : لم يقل تعالى إني لست أحرم عليكم شيئا بعد ، وقد فرض الله تعالى على العباد طاعة رسوله في الأمر والنهي ، وكان مما نهى عن ذلك ، وهي سنة بإجماع .

قال ابن شهاب : لا يجمع بين المرأة وخالة أمها ، ولا بينها وبين خالة أبيها ، ولا بين المرأة وعمة أبيها ، ولا بينها وعمة أمها .

وعقد ربيعة ومالك في هذا أصلا فقالا : كل امرأتين لو قدرت إحداهما ذكرا لم يحل له نكاح الأخرى ، فلا يجوز له الجمع بينهما ، (وإنما جاز الجمع بين المرأة وربيبتها ، لا فحرام ذلك لأنا لو جعلنا موضع الربيبة ذكرا لم يحل له زوجة أبيه ، وإذا جعلنا موضع الزوجة رجلا لم يحرم أن يتزوج ابنة رجل أجنبي ) .

وعبارة عبد الملك بن حبيب : لا يجمع بين المرأة وعمتها ، وعمة أبيها ، وخالة أمها ، وكذلك المرأة وخالتها ، وخالة خالتها ، وخالة أبيها ، وعمة أبيها .

فأما خالة عمتها فقال ابن الماجشون : قال لي : إن تكن أم العمة وأم الأب واحدة ، فهي كالخالة ; لأنها خالة أبيها ، وإن تكن أمها غير أم الأب ، فلا بأس بالجمع بينهما ، إنما هي امرأة أجنبية ، ألا ترى أن أباها ينكحها .

وقال غيره : إنما ينكح خالة العمة أخو العمة ; لأنها أخت لأب ، والخئولة إنما تحرم من قبل الأم ، فإذا كانت من قبل الأب فلا حرمة

[ ص: 333 ] لها ، كرجل له أخ لأب (كذلك الأخ له أخت لأم ) وأخت لأب ; لأنهما لا يجتمعان ، لا إلى أب ولا إلى أم .

قال ابن الماجشون : وأما عمة خالتها فإن تك خالتها أخت أمها لأبيها ، فإن عمة خالتها عمة أمها فلا يجتمعان ، ألا ترى أنه لو كان في موضعها رجل لم تحل له ، وإن كانت خالتها أخت أمها لأمها دون أبيها ، فلا بأس أن يجمع بينها وبين عمة خالتها ; لأنها منها أجنبية ، لو كانت إحداهما رجلا حلت له الأخرى .

وورد في حديث آخر أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجمع بين عمتين أو بين خالتين ، قيل في العمتين : أن تكون كل واحدة عمة الأخرى ، وذلك أن يتزوج الرجلان كل واحد منهما أم الآخر ، فيولد لهما ابنتان ، فابنة كل واحد منهما عمة الأخرى ، والخالتان أن يتزوج كل واحد ابنة الآخر فابنة كل واحد منهما خالة الأخرى .

وأما قول الزهري فنرى خالة أبيها بتلك المنزلة ; لأن عروة حدثني عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب . فهذا استدلال غير صحيح من الزهري ; لأنه استدل على تحريم من حرمت بالنسب فلا حاجة إلى نسبها بما حرم من الرضاع .

قال ابن المنذر : ويدخل في معنى هذا الحديث تحريم نكاح الرجل المرأة على عمتها من الرضاعة ، وخالتها منها ; لأنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب .

[ ص: 334 ] قال ابن عبد البر : شغبت فرقة ، فقالوا : لم يجمع العلماء على تحريم الجمع بين المرأة والعمة لحديث أبي هريرة ، وإنما أجمعوا على ذلك بمعنى نص القرآن في النهي عن الجمع بين الأختين ، والمعنى في ذلك أن الله حرم نكاح الأخوات فلا يحل لأحد نكاح أخته من أي وجه كانت ، فكان المعنى في ذلك أن كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى ، لم يحل لأحد الجمع بينهما .

قلت : وهذا رواه معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة ، عن أبي حريز ، عن الشعبي قال : كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج أخرى ، والجمع بينهما حرام ، قلت له : عمن ؟ قال : عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

قال ابن عبد البر : وهذه الفرقة تنطعت وتكلفت استخراج علة لمعنى الإجماع ؟ وهذا لا معنى له ; لأن الله تعالى لما حرم على عباده من هذه الأمة اتباع غير سبيل المؤمنين ، واستحال ذلك أن يكون في غير الإجماع ; لأن الاختلاف لا يكون اتباع سبيل المؤمنين ، فبان بهذا أن من اتبع غير سبيلهم ، وما أجمع عليه المؤمنون فقد فارق جماعتهم وخلع ربقة الإسلام من عنقه ، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا ، ووضح بهذا أن متى صح الإجماع وجب الاتباع ، ولم يحتج إلى علة تستخرج برأي لا يجمع عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية