التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4822 [ ص: 335 ] 28 - باب: الشغار

5112 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، ليس بينهما صداق . [ 6960 - مسلم: 1415 - فتح: 9 \ 162 ] .


حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الآخر ابنته ، ليس بينهما صداق .

هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة ، أيضا وكما رواه الإسماعيلي من حديث محرز بن عون ، ومعن بن عيسى ، عن مالك به إلى قوله الشغار ، قال محرز : قال مالك : والشغار أن يزوج الرجل ابنته . وقال : قال معن : والشغار أن يزوج (الرجل ) ابنة الرجل .

وفي "الموطآت " للدارقطني : حدثنا أبو علي محمد بن سليمان ، ثنا بندار ، عن ابن مهدي ، عن مالك : نهي عن الشغار ، قال بندار : والشغار تقول : زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي . وفي رواية خالد بن مخلد : قال مالك : سمعت أن الشغار . فذكره . وفي رواية للبخاري ومسلم أيضا من حديث عبيد الله بن عمر ، (عن نافع ) قلت لنافع : ما الشغار ؟

فقال . . الحديث .

[ ص: 336 ] وقال الخطيب : تفسير الشغار ليس مرفوعا وإنما هو من قول مالك وصل بالمتن المرفوع ، بين ذلك القعنبي وابن مهدي ومحرز في روايتهم عن مالك .

قلت : وقد سلف في رواية ابن مهدي أنه من قول بندار ; وكذا تقدم عن معن .

وقال الشافعي : لا أدري تفسير الشغار في الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من ابن عمر أو من نافع أو من مالك .

وفي "صحيح مسلم " : "لا شغار في الإسلام " .

وقد روى هذه السنة -وهي مشهورة - جماعة منهم أبو هريرة : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشغار ، والشغار : أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي ، زوجني أختك وأزوجك أختي . أخرجه مسلم . وجابر مرفوعا : نهي عن الشغار .

قال البيهقي : ورواه نافع بن يزيد ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بزيادة .

والشغار : ينكح هذه بهذه بغير صداق ، بضع هذه صداق هذه ، وبضع هذه صداق هذه ، قال : يشبه إن كانت هذه الرواية صحيحة ، أن يكون هذا التفسير من قول ابن جريج ، أو من فوقه .

[ ص: 337 ] ولما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن نمير وأبي أسامة ، عن عبيد الله بلفظ : نهي عن الشغار . قال : زاد ابن نمير : الشغار : أن يقول الرجل : زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي ، وزوجني أختك حتى أزوجك أختي .

ولأبي داود بإسناد جيد أن العباس بن عبد الله أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته ، وكانا جعلا صداقا ، فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما ، وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله ، زاد أحمد في "مسنده " : وهو خليفة .

قال الأثرم عنه : إذا كانا صداقا فليس بشغار إلا أن الأحاديث كلها ليس كما روى ابن إسحاق في حديث معاوية ، وابن إسحاق ليس ممن يعتمد على حديثه .

ولما ذكره ابن حزم قال : هذا معاوية بحضرة الصحابة ولا يعلم له منهم مخالف يفسخ هذا النكاح ، وفيه ذكر الصداق ، وهو خبر صحيح ، وعبد الرحمن بن هرمز راويه شاهد هذا الحكم بالمدينة لا سيما في هذه القصة .

وللترمذي وقال : صحيح عن الحسن ، عن عمران بن حصين قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا شغار في الإسلام " .

[ ص: 338 ] ورواه أبو الشيخ من حديث حبيب بن أبي فضالة المالكي قال : وقد سمع من عمران .

وللنسائي من حديث حميد ، عن أنس مرفوعا بنحوه ، ثم قال : هذا خطأ والصواب الذي قبله . يعني من حديث عمران ، وأخرجه الترمذي من هذا الوجه ، وصححه ، وأخرجه ابن ماجه من حديث ثابت ، عن أنس ، وصححه ابن حزم ، وأخرجه أبو الشيخ من حديث أبان وقتادة والأعمش عن أنس ، وعند أبي القاسم بن مطير من طريق أم يحيى امرأة وائل بن حجر قال : وفي الكتاب الذي كتبه لي ولقومي : "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى وائل بن حجر والأقيال العباهلة من حضرموت " فذكر حديثا فيه : "ولا شغار في الإسلام " .

[ ص: 339 ] قال البيهقي : ورواه أولاد وائل ، عن آبائهم ، عن وائل مرفوعا .

ولأبي الشيخ في كتاب النكاح بإسناد جيد من حديث أبي الحصين الحميري ، عن أبي ركانة أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المشاغرة . والمشاغرة : أن يقول الزوج : زوج هذا من هذا بلا مهر .

ومن حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده رفعه : "لا شغار في الإسلام " ، ومن حديث محمد بن يعقوب الزهري ، عن عبد الله بن الحارث الحمصي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا بمثله .

فصل :

اختلفوا كما قال ابن المنذر في الرجل يتزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، ويكون مهر كل واحد منهما نكاح الأخرى . فقالت طائفة : النكاح جائز ، ولكل واحدة منهما صداق مثلها .

هذا هو قول عطاء وعمرو بن دينار والزهري والليث ومكحول والثوري والكوفيين ، وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة في قول النعمان ويعقوب .

[ ص: 340 ] وقالت طائفة : عقد النكاح على الشغار باطل ، وهو كالنكاح الفاسد في كل أحكامه . هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

وكان مالك وأبو عبيد يقولان : نكاح الشغار مفسوخ على كل حال ، ووقع في ابن بطال أن بالأول قال أحمد وإسحاق وأبو ثور .

وفيه قول ثالث : وهو أنهما إن كانتا لم يدخل بهما فسخ ، ويستقبل النكاح بالبينة والمهر ، فإن دخل (بهما ) فلهما مهر مثلهما ، وهو قول الأوزاعي .

واختلفوا إذا قال : أزوجك أختي على أن تزوجني أختك ، على أن يسميا لكل واحدة منهما مهرا ، أو سميا لإحداهما ، فقالت طائفة : ليس هذا بالشغار المنهي عنه ، والنكاح ثابت ، والمهر فاسد ، ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن دخل ، أو ماتت ، أو مات عنها ، أو نصفه إن طلقها قبل أن يدخل بها . هذا قول الشافعي وابن القاسم ، وكرهه مالك ، ورآه من باب الشغار ، وبمعناه قال الأوزاعي ، وأجازه الكوفيون ، ولها ما سمي لها .

وقال أحمد بن حنبل : إذا كان في الشغار صداق فليس بشغار .

وحجة الذين قالوا : العقد في الشغار صحيح ، والمهر فاسد ، ويصح بمهر المثل ، إجماع العلماء على أن الخمر والخنزير لا يكون فيها مهر لمسلم ، وكذلك الغرر والمجهول ، وسائر ما نهي عن ملكه أو ملك على غير وجهه وسنته .

[ ص: 341 ] وقام الإجماع على أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول فلا يفسخ بفساد صداقه ، ويكون فيه مهر المثل ، ولو لم يكن نكاحا منعقدا حلالا ما صار نكاحا ، بالدخول والأصل في ذلك أن التزويج يضمن بنفسه لا بالعوض فيه ; بدليل تجويز الله النكاح بغير صداق ; لقوله تعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة [البقرة :236 ] فلما وقع الطلاق دل على صحة النكاح ، دون تسمية صداق ; لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات ، وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية .

وحجة الذين أبطلوا النكاح ظاهر النهي عنه ، والنهي يقتضي تحريم المنهي عنه وفساده . قال ابن المنذر : ودل نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنه على إغفال من زعم أنه (يجعل ) ما أباحه الله في كتابه من عقد النكاح على غير صداق معلوم ، قياسا على ما نهى عنه في الشغار ، ولا يشتبه ما نهى الله عنه بما أباحه ، وهذه غفلة .

فصل :

أصل الشغار في اللغة الرفع ، من قولهم : شغر الكلب برجله : إذا رفعها ليتبول ، فكأن المتناكحين رفعا المهر بينهما ، وقال أبو زيد : رفع رجله بال أو لم يبل .

وعبارة صاحب "العين " : رفع إحدى رجليه ليبول ، وقال أبو زيد : شغرت بالمرأة شغورا رفعت رجليها عند الجماع ، وقيل : لأنه رفع العقد من الأصل ، فارتفع النكاح والعقد معا ، وقيل : من شغر بالمكان : إذا

[ ص: 342 ] خلا ، لخلوه عن الصداق أو عن الشرائط . وفي "الغريبين " كان من أنكحة الجاهلية يقول الرجل للآخر : شاغرني وليتي بوليتك ; لأن كل واحد منهما يشغر إذا نكح .

وعند القرطبي : عاوضني .

قال ابن سيده : هو أن يتزوج الرجل امرأة ما على أن يزوجك أخرى بغير مهر ، وخص بعضهم به القرائب فقال : لا يكون الشغار إلا أن تنكحه وليتك على أن ينكحك وليته .

قال أبو نصر : وهو بكسر الشين ، وهو في الشريعة أن يزوجه على أن يزوجه الآخر ابنته ، ولا صداق بينهما ، وإنما هو البضع بالبضع .

قال ابن قتيبة : وكل منهما يشغر إذا نكح ، وأصل الشغار للكلب كما سلف . فكنى بهذا عن النكاح إذا كان على هذا الوجه ، وجعل له علما .

قال ابن حزم : ولا يحل هذا النكاح وهو أن يتزوج هذا ولية هذا ، سواء ذكرا في ذلك صداقا لكل واحد منهما ، أو لأحدهما دون الآخر ، أو لم يذكرا في شيء من ذلك صداقا ، كل ذلك سواء يفسخ أبدا ، ولا نفقة فيه ، ولا ميراث ولا صداق ولا شيء من أحكام الزوجية ، فإن كان عالما فعليه الحد كاملا ، ولا يلحق به الولد ، وإن كان جاهلا فلا حد عليه ويلحقه الولد ، وكذلك المرأة ، ولذلك إذا قال : أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار فلا خير في ذلك .

[ ص: 343 ] وروينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء التفرقة بين النكاحين بعقد أحدهما بالآخر ، ذكرا صداقا أم لم يذكرا فأبطله ، ومن النكاحين لا يفقد أحدهما بالآخر فأجازه قال : وهو قولنا ، وما نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين خلافا لما ذكرنا عن معاوية بن أبي سفيان -يعني : الحديثين المذكورين قبل - فلو خطب أحدهما إلى الآخر فزوجه ، ثم خطب الآخر إليه فزوجه ، فذلك جائز ما لم يشترط أحدهما على الآخر أن يزوجه .

وقال أبو عمر بن عبد البر : قام إجماع الفقهاء على أن نكاح الشغار مكروه ولا يجوز .

وقال الخطابي لما ذكر حديث معاوية : إذا وقع النكاح على هذه الصفة كان باطلا ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ، وأصل الفروج على الحظر ، والحظر لا يرتفع بالحظر ، وإنما يرتفع بالإباحة ، ولم يختلف الفقهاء أن نهيه عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها على التحريم ، وكذلك نهيه عن نكاح المتعة فكذلك هذا .

وكذا قال ابن التين : لم يختلف الفقهاء في النهي لثبوت هذه الأخبار ، وأن النهي فيه للتحريم ، وإنما اختلفوا فيه إذا نزل ، فقال مالك : يفسخ قبل وبعد . وقال عنه علي بن زياد : يثبت بالدخول ، ولها صداق المثل .

وقال أبو حنيفة : العقد صحيح ، والشرط باطل ، حجتنا الأخبار .

[ ص: 344 ] قالوا : لا يحتج علينا بها ; لأن نكاح الشغار هو الخالي من المهر ، ونحن ولا نخليه منه ; لأن الشرط يسقط ، ويجب المهر فيخرج العقد عن أن يكون شغارا .

وجوابه أن النهي يتناول وقوع العقد على الصفة المذكورة فإسقاطهم المسمى وإيجابهم غيره لا يخرجه على الفساد بمنزلة من باع درهما بدرهمين ، فذكر له نهي الشارع عنه فأسقط أحد الدرهمين ، أن ذلك لا يصح ، كذلك ما نحن فيه وفساده في عقد ، وذلك أنه ملك بضع ابنته لشخصين الرجل وابنته ، وذلك يوجب فساد العقد ; لأن المهر يجب أن يكون ملكا للمنكوحة فصار كما لو قال لرجلين : زوجت ابنتي لكل واحد منكما ; ولا عقد جعل فيه المعقود له معقودا به ، فلم يصح ، أصله إذا قال لعبده : زوجتك ابنتي على أن تكون رقبتك مهرها ; ولأنه عقد شرط فيه المعقود به لغير المعقود له ، فلم يصح ، أصله إذا قال : بعتك عبدي هذا على أن يكون ملكا لزيد .

قال الشيخ أبو الحسن : وإنما اختلف قول مالك في فسخه بعد لاختلاف الناس في تأويل الشغار ; لأن المتفق عليه النهي وباقيه من تفسير نافع .

قلت : وإليه أشار مسلم وأبو داود ، وحسنه الترمذي .

وعلى كل حال إن كان مرفوعا فناهيك ، وإن كان من الصحابي فهو أولى من تفسير غيره ، وكذا من قول الراوي ، والشغار في الأختين كالبنتين .

[ ص: 345 ] كذا فسره أبو داود عن نافع ، وغلط من خصه بالثاني معللا ; بأنه يحتاج إلى رضاها ، وقيل : يفسخ . قيل : ويثبت بعد (على ) الخلاف في ذلك ، فقد جعل مالك في "المدونة " الشغار في المولاتين كالابنتين ، وذكر بعض البغاددة أن فساده في صداقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية