التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4829 5121 - حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان قال : حدثني أبو حازم ، عن سهل أن امرأة عرضت نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له رجل : يا رسول الله ، زوجنيها . فقال : " ما عندك ؟ " . قال : ما عندي شيء . قال : " اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئا ، ولا خاتما من حديد ، ولكن هذا إزاري ولها نصفه -قال سهل : وما له رداء -فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وما تصنع بإزارك ، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء " . فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه أو دعي له فقال : " ماذا معك من القرآن ؟ " . فقال معي سورة كذا وسورة كذا -لسور يعددها - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أملكناكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 175 ] .


ذكر فيه حديث سهل بن سعد في الواهبة ، وقد سلف ، وقال في آخره : "أملكتكها بما معك من القرآن " .

وفي نسخة : " أملكناكها " .

رواه عنه أبو حازم ، واسمه : سلمة بن دينار -مولى الأسود بن سفيان المخزومي ، وقيل : مولى لبني ليث - القاص ، من عباد أهل

[ ص: 370 ] المدينة وزهادهم ، مات سنة ثلاث أو خمس وثلاثين ومائة ، وقيل سنة أربعين .

ذكر فيه أيضا حديث مرحوم -وهو العطاء بن عبد العزيز بن مهران البصري ، مولى آل معاوية بن أبي سفيان - سمعت ثابتا البناني قال : كنت عند أنس وعنده ابنة له ، قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرض عليه نفسها ، فقالت : يا رسول الله ، ألك في حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه ! قال : هي خير منك ، رغبت في النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضت عليه نفسها .

ويأتي في الأدب ، وأخرجه النسائي هنا ، وفي "التفسير " أيضا ، وابن ماجه هنا ، وهما ظاهران على ما ترجم له ، وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ، وتعريفها رغبتها فيه ; لصلاحه وفضله ، أو لعلمه وشرفه ، أو لخصلة من خصال الدين ، وأنه لا عار عليها في ذلك ولا غضاضة ، بل ذلك زائد في فضلها ، لقول أنس لابنته : هي خير منك .

وفيه : أن الرجل الذي تعرض المرأة نفسها عليه لا ينكحها ، إلا إذا وجد في نفسه رغبة فيها .

وكذلك صوب الشارع النظر فيها وصعده ، فلما لم يجد في نفسه رغبة فيها سكت عن إجابتها .

[ ص: 371 ] وفيه : جواز سكوت العالم ومن سئل حاجة ، إذا لم يرد الإسعاف ولا الإجابة في المسألة ، فإن ذلك أدب في الرد بالكلام وألين في صرف السائل .

وفيه : أن سكوت المرأة في الجماعات لازم لها ، إذا لم يقم الدليل على أن سكوتها كان لحياء أو لحشمة ، لأنه كان للمرأة أن تقول : يا رسول الله ، أنا أرغب فيك ، ولا أرغب في غيرك .

وكذلك يجب أن يكون سكوت كل من عقد عليه عقد في جماعة ، ولم يمنعه من الإنكار خوف ولا حياء ، ولا آفة في سمع ولا فهم أن ذلك العقد لازم له .

وفيه : دليل على جواز استمتاع الرجل بشورة المرأة ، وبما يشترى لها من صداقها لقوله : "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ؟ " مع علمه بأن النصف لها ، فلم يمنعه من الاستمتاع بنصفه الذي جوز لها وجوز له لبسه أجمع ، وإنما منع من ذلك ; لأنه لم يكن له ثوب غيره ، فخشي أن تحتاج إليه المرأة فيبقى عاريا .

التالي السابق


الخدمات العلمية