التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4831 5123 - حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عراك بن مالك ، أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته ، أن أم حبيبة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنا قد تحدثنا أنك ناكح درة بنت أبي سلمة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أعلى أم سلمة ؟ لو لم أنكح أم سلمة ما حلت لي ، إن أباها أخي من الرضاعة " . [انظر : 5101 - مسلم: 1449 - فتح: 9 \ 176 ] .


ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في عرض عمر حفصة -لما تأيمت من خنيس بن حذافة ، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي بالمدينة - على عثمان ثم الصديق ثم خطبها - صلى الله عليه وسلم - ، وقد سلف في المغازي ، ويأتي .

[ ص: 373 ] وحديث أم حبيبة : إنا قد تحدثنا أنك تنكح درة بنت أبي سلمة . . الحديث ، وقد سلف .

وحديث ابن عمر ذكره الحميدي وأبو مسعود في مسند أبي بكر ، لما انفرد به معمر عن الزهري ، من قول أبي بكر لعمر : إني علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها ، وذكره خلف وابن عساكر في مسند عمر لقوله : خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنكحتها إياه .

ولما أخرجه الطرقي في مسند أبي بكر قال : قد أخرجت الأئمة أصحاب المسانيد هذا الحديث من عهد أحمد بن حنبل إلى زماننا في "مسنده " ، لقوله السالف أنه ذكرها ، وذكر الدارقطني أن حفصة تأيمها من ابن حذافة أنه طلقها .

وذكر أبو عمر وغيره أنه توفي عنها من جراحة أصابته بأحد ، وعلى هذين القولين يحمل قول من قال : تزوج حفصة بعد ثلاثين شهرا من الهجرة .

ورواية من روى بعد سنتين في عقب بدر ، ورواية من روى توفي زوجها بعد خمسة وعشرين شهرا .

وخنيس بضم الخاء المعجمة ثم نون مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة ، وقال ابن طاهر : قال يونس ، عن الزهري : بفتح الخاء وكسر النون . وكان معمر بن راشد يقوله : بفتح الحاء المهملة ثم باء موحدة مكسورة ثم مثناة تحت ثم شين معجمة .

[ ص: 374 ] قال الجياني : وروي أن معمرا كان يصحف في هذا الاسم فيقول : حبيش بن حذافة ، فرد عليه : خنيس فقال : لا بل هو حبيش .

قال الدارقطني : وقد اختلف على عبد الرزاق عن معمر ، فروي عنه خنيس بالسين المهملة على الصواب ، وروي عنه : حبيش أو خنيس بالشك ، وذكره البخاري وجماعات بالمهملة ، والخاء على الصواب .

أما فقه الباب فهو ظاهر لما ترجم له من عرض الرجل وليته ابنته وغيرها على الرجل الصالح ولا نقص عليه في ذلك .

وفيه : أن من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار ، وعليه أن يخبر بعد ذلك بما عنده ; لئلا يمنعها من غيره ; لقول عثمان بعد ليال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا .

وفيه : الاعتذار اقتداء بعثمان في مقالته هذه ، ولم يقل أبو بكر : لا أريد التزويج ، وقد كان يريده حين قال : لو تركها لنكحتها ، ولم يقل : نعم ، ولا لا .

وفيه : الرخصة أن يجد الرجل على صديقه في الشيء ، ويسأله ، فلا يجيب إليه ، ولا يعتذر بما يعذر به ; لأن النفوس جبلت على ذلك ، لا سيما إذا عرض عليه ما فيه الغبطة له .

وقوله : (وكنت أوجد عليه -يعني على الصديق - من عثمان ) سببه أن الصديق لم يرد عليه الجواب ، بل تركه على الرقيب ; ولأنه أخص بعمر منه بعثمان ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - آخى بينهما ، فكانت موجدته عليه أكثر ; لثقته به ، وإخلاصه له .

[ ص: 375 ] وفي بعض الروايات أن عمر شكى عثمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "ينكح حفصة خير من عثمان ، وينكح عثمان خيرا من حفصة " فكان كذلك .

وفيه : كتمان السر ، فإن أظهره الله أو أظهره صاحبه جاز للذي أسر إليه إظهاره ، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أظهر تزويجها أعلم أبو بكر بما كان أسر إليه منه ، وكذلك فعلته فاطمة - رضي الله عنها - في مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسر إليها أنها أول أهله لحاقا به فكتمته حين توفي ، وأسر - صلى الله عليه وسلم - إلى حفصة تحريم مارية ، فأخبرت حفصة عائشة بذلك ، ولم يكن الشارع أظهره ، فذم الله فعل حفصة ، وقبول عائشة لذلك فقال : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما . أي : مالت ، وعدلت عن الحق .

وفي قول أبي بكر لعمر بعد تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها ، لعلك وجدت علي ، دليل على أن الرجل إذا أتى إلى أخيه بما لا يصلح أن يؤتى إليه من سوء المعاشرة ، أن يعتذر ويعترف ، وأن الرجل إذا وجب عليه الاعتذار من شيء وطمع بشيء يقوي حجته أن يؤخر ذلك حتى يظفر ببغيته ليكون أبرأ له عند من يعتذر إليه .

وفي قول عمر - رضي الله عنه - له دليل على أن الإنسان يحتج بالحق على نفسه وإن كان عليه فيه شيء .

والمعنى الذي أسر أبو بكر عن عمر ما أخبره به الشارع هو أنه خشي أبو بكر أن يذكر ذلك لعمر ثم يبدو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[الإعراض ] عن نكاحها ، فيقع في قلب عمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما وقع في قلبه من الصديق .

[ ص: 376 ] وفي قول أبي بكر لعمر : كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها . فيه دلالة أنه جائز للرجل أن يذكر لأصحابه ، ولمن يثق به أنه يخطب امرأة قبل أن يظهر خطبتها ، وقول الصديق : لم أكن لأفشي سره ، يدل أنه من ذكر امرأة قبل أن يظهر خطبتها ، فإن ذكره في معنى السر ، وإن إفشاء السر وغيره في النكاح أو غيره من المباح لا يجوز ، وكان إسراره - صلى الله عليه وسلم - تزويج حفصة للصديق على سبيل المشورة ، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - علم قوة إيمان الصديق وأنه لا يتغير لذلك لكون ابنته عنده ، وكتمان ذلك خشية أن يبدو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاحها أمر فيقع في قلب عمر ما وقع في قلبه لأبي بكر كما سلف .

وفيه : أن الصديق لا يخطب امرأة علم أن صديقه يذكرها لنفسه ، وإن كان لم يركن إليه لما يخاف من القطيعة بينهما ، ولم تخف القطيعة بين غير الإخوان ; لأن الاتصال بينهما ضعيف غير اتصال الصداقة في الله .

وفي قول الصديق : لو تركها تزوجتها ) . دليل على أن الخطبة إنما تجوز بعد أن يتركها الخاطب .

وفيه : الرخصة في تزويج من عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها خطبة ، أو أراد أن يتزوجها . ألا ترى قول الصديق : لو تركها تزوجتها .

وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها النكاح ولم يدخل بها ، وأن الصديق كرهه ورخص فيه عمر .

وروى داود بن أبي هند عن عكرمة قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من كندة يقال لها قتيلة ، فمات ولم يدخل بها ولا حجبها ، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل ، فغضب أبو بكر وقال : تزوجت امرأة من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال عمر : ما هي من نسائه ، ما دخل بها ، ولا حجبها ،

[ ص: 377 ] ولقد ارتدت مع من ارتد . فسكت
.

وفيه : أن الأب تخطب إليه بنته ، والثيب كالبكر ، ولا تخطب إلى نفسها ، وأنه يزوجها ، وفيه فساد قول من قال : إن للمرأة البالغة المالكة أمرها تزويج نفسها ، وعقد النكاح عليها دون وليها ، وإبطال قول من قال : للثيب البالغة إنكاح من أحبت دون وليها ، وسيأتي إيضاحه في باب : لا نكاح إلا بولي ، وفي تركه أن يأمره باستئمارها -ولم يجئ عن عمر أن استأمرها - دليل على أن للرجل أن يزوج ابنته الثيب من غير أن يستأمرها ، إذا علم أنها لا تكره ذلك ، وكان الخاطب لها كفئا ; لأن حفصة لم تكن لترغب عن سيد الأكفاء ، وأغنى علم عمر بها عن استئمارها .

فائدة :

معنى قوله : (تأيمت حفصة ) . صارت غير ذات زوج ، بموت زوجها عنها ، والعرب تدعو كل امرأة لا زوج لها ، وكل رجل لا امرأة له أيما .

التالي السابق


الخدمات العلمية