التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4837 5130 - حدثنا أحمد بن أبي عمرو قال : حدثني أبي قال : حدثني إبراهيم عن يونس عن الحسن : فلا تعضلوهن [البقرة : 232 ] . قال : حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ، قال : زوجت أختا لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك وفرشتك وأكرمتك ، فطلقتها ، ثم جئت تخطبها ، لا والله لا تعود إليك أبدا ، وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله هذه الآية : فلا تعضلوهن [البقرة : 232 ] فقلت الآن : أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . [انظر : 4539 - فتح: 9 \ 183 ] .


وقال يحيى بن سليمان : ثنا ابن وهب ، عن يونس . وحدثنا أحمد بن صالح ، ثنا عنبسة ، ثنا يونس ، عن ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها - أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء . . الحديث .

[ ص: 395 ] وأخرجه أبو داود ، ثم ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها - وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن إلى آخره ، وقد سلف .

وحديث عمر - رضي الله عنه - حين تأيمت حفصة ، وقد سلف

وحديث معقل بن يسار في قوله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232 ] [البقرة : 232 ] أنها نزلت فيه ، قال : زوجت أختا لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك وفرشتك وأكرمتك ، فطلقتها ، ثم جئت تخطبها ، لا والله لا تعود إليك أبدا . وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله هذه الآية : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232 ] فقلت الآن : أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . وسلف في تفسير سورة البقرة .

الشرح :

تلا البخاري الآية الأولى ; ليوقف النكاح على الولي ، فعاتب الرب جل جلاله معقلا عند امتناع ردها إلى زوجها ، فلو كان لها أن تزوج نفسها أو تعقد النكاح ، لم يعاتب أخاها على الامتناع منه ، ولا أمره الشارع بالحنث ، فدل على أن النكاح كان إليه دونها .

والعضل : المنع من التزويج ، فمنعوا من عدم تزويجهن ، كما وعظ أولياء اليتامى أن يعضلوهن إذا رغبوا في أموالهن ، فلو كان العقد إليهن لم يكن ممنوعات .

[ ص: 396 ] وأما الآية الثانية فوجه الدلالة منها أن الله تعالى خاطب الأولياء ونهاهم عن إنكاح المشركين ولياتهن المسلمات ; من أجل أن الولد تبع الأب في دينه ; لقوله تعالى : أولئك يدعون إلى النار [البقرة : 221 ] ولا مدعو في نفس الاعتبار يمكنه الإجابة إلا الولد إذ هو تبع لأبيه في الدين ، ولذلك نهى الله تعالى عن إنكاح الإماء المشركات ; لأن الذي يتزوجها يتسبب أن يولدها ، فيبيعها سيدها حاملا من مشرك ; إذ أولاد الإماء تبع (لأمهاتهم ) في الرق ، فيئول ذلك إلى تمليك أولاد المسلمين ، فيحملونهم على الكفر ، فنهى الله عن ذلك وحرمه في كتابه ، وجوز لمن لم يستطع طولا (لحرة ) إذا خشي العنت أن ينكح الأمة المسلمة في ملك المسلم لامتناع تمليكهن المشركين ، وأباح له استرقاق ولده واستعباده لأخيه المسلم ; من أجل أنه فداء من أن يحمله على غير دين الإسلام ، والدليل على جواز إرقاق الرجل بنيه قوله - صلى الله عليه وسلم - في جنين المرأة عبدا أو وليدة ، فلما جعل - صلى الله عليه وسلم - عوض الجنين الحر عبدا وأقامه مقامه ، وجوز لأبيه ملكه واسترقاقه عوضا من ابنه . علمنا أن للرجل أن ينكح من النساء من يسترق ولده منها .

إذا عرفت ذلك ; فاتفق جمهور العلماء على أنه لا يجوز نكاح إلا بولي إما مناسبة أو وصي -على من يراه -أو سلطان ، ولا يجوز عقد المرأة على نفسها بحال .

روي عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة ، وروي

[ ص: 397 ] عن شريح وابن المسيب والحسن وابن أبي ليلى ، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وأبي عبيد ، وحكى ابن المنذر عن الشعبي والزهري أنه إذا تزوجت بغير إذن وليها كفؤا ، فهو جائز .

وقال مالك في المعتقة والمسكينة التي لا خطب لها فإنها تستخلف على نفسها من يزوجها ، ويجوز ذلك ، وكذلك المرأة يكفلها الرجل أن تزويجه عليها جائز ، وأما كل امرأة لها قدر وغنى فلا يزوجها إلا الأولياء أو السلطان .

قال أبو حنيفة : إذا كانت بالغة عاقلة زالت ولاية الولي عنها ، فإن عقدت بنفسها جاز ، وإن ولت رجلا حتى عقد جاز .

(ووافق ) أنها إذا وضعت نفسها بغير كفؤ كان للولي فسخه .

وشذ أهل الظاهر أيضا فقالوا : إن كانت بكرا فلابد من ولي ، وإن كانت ثيبا لم تحتج إلى ولي ، وهذا خلاف الجماعة ، وقد سلف دليل الجمهور .

قال ابن المنذر : روينا عن علي وابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وإسحاق بن راهويه وأبي يوسف القاضي أنهم قالوا : أن الولي السلطان إذا أجازه جاز وإن كان عقد بغير ولي .

[ ص: 398 ] وقال محمد بن الحسن : إذا تزوجت بغير أمر الولي فالنكاح موقوف حتى يجيزه الولي أو القاضي . وكان أبو يوسف يقول : بضع المرأة إليها والولاية في عقد النكاح لنفسها دون وليها ، وليس للولي أن يعترض عليها في نقصان ما تزوجت عليه من مهر مثلها . ثم رجع عن قوله هذا كله إلى قول من قال : لا نكاح إلا بولي . وقوله الثاني هو قول محمد .

فصل :

ادعى المهلب أن في الحديث دلالة على أن الرجل إذا عضل وليته (لا يفتات ) عليه السلطان فيزوجها بغير أن يأمره بالعقد لها ، ويرده عن (العضل ) . كما رد الشارع معقلا عن ذلك إلى العقد ، ولم يعقده بل دعاه إلى العقد والحنث في يمينه ، إذ عقده لأخته من تحبه خير من إبرار اليمين ، وأيضا فقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا [البقرة : 221 ] وقوله : وأنكحوا الأيامى منكم [النور : 32 ] فلم يخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال ، ولو كان إلى النساء لذكرن في ذلك .

وعندنا السلطان يزوج عند العضل ; لأنه امتنع من حق واجب عليه فقام مقامه .

فصل :

في عقد عمر على حفصة - رضي الله عنهما - دونها دال على أنه ليس للبالغة تزويج نفسها دون وليها ، ولو كان ذلك لها لم يكن الشارع يدع

[ ص: 399 ] خطبة حفصة إلى نفسها ; إذ كانت أولى بنفسها من أبيها ، ويخطبها إلى من لا يملك أمرها ولا العقد عليها .

وفيه : بيان قوله - عليه السلام - : "الأيم أحق بنفسها من وليها " معناه : أنها أحق بنفسها في أنه لا يعقد عليها إلا برضاها ، لا أنها أحق بنفسها في أن تعقد عليها عقدة نكاح دون وليها . قال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا من الصحابة ثبت عنه خلاف ما قلناه .

فصل :

قول عائشة : (إن النكاح كان على أربعة أنحاء . . فنكاح الناس اليوم : يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته ) ، حجة في أن سنة عقد النكاح إلى الأولياء . وما روى مالك عنها أنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن وهو غائب ، فلما قدم قال : مثلي يفتات عليه في بناته . وهو دال على أنه لا يفتقر إلى ولي ، فمعناه الخطبة .

والكلام في الرضا والصداق دون العقد ، توضحه رواية ابن جريج ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي ، عن أبيه ، عنها أنها أنكحت [رجلا ] من بني أختها امرأة من بني أخيها ، فضربت بينهم بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد ، أمرت رجلا فأنكح ، ثم قالت : ليس إلى النساء نكاح .

[ ص: 400 ] وفي رواية : يا فلان زوج فإن النساء لا يزوجن .

قال ابن المنذر : وأما تفريق مالك بين المولاة والمسكينة ، وبين من لها منهن قدر وغنى ، فليس ذلك مما يجوز أن يفرق به ; إذ قد سوى الشارع بين الناس جميعا فقال : "المسلمون تتكافأ دماؤهم " . فسوى بين الجميع في الدماء ، فوجب أن يكون حكمهم فيما دون الدماء سواء .

فصل :

قال الداودي : بقي على عائشة - رضي الله عنها - نحو لم تذكره وذكره الله تعالى في كتابه ، قوله : ولا متخذات أخدان [النساء : 25 ] كانوا يقولون : ما استتر فلا بأس به ، وفيما ظهر فهو لوم . ونكاح المتعة أيضا أهملته .

وفي الدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : كان البدل في الجاهلية أن يقول (الرجل ) للرجل : تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك .

ومرادها : بالأنحاء : الضروب . والاستبضاع : استفعال من البضع وهو النكاح ، ويطلق أيضا على العقد والجماع ، وعلى الفرج .

[ ص: 401 ] فصل :

ودعوا لهم القافة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به . وفي نسخة : بالذي يرون فإذا لحقه فالتاطه ودعي ابنه . ومعنى التاطه : استلحقه ، وأصل اللوط : اللصوق ، ومنه قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما : والولد ألوط . أي : ألصق بالقلب .

وقول معقل : (زوجتك وفرشتك ) . أي : جعلتها لك فراشا ، يقال : فرشته وفرشت له . مثل : وزنته ووزنت له ، وكلته وكلت له .

وقوله : (وكان رجلا لا بأس به ) . يعني : صالحا ، وهو مما غيرته العامة ، فكنوا به عمن لا خير فيه ، وحقيقة اللفظ أنه كان جيدا . وسلف حديث معقل أيضا في تفسير سورة البقرة .

فصل :

في أفراد مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها " وفي رواية : "الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر ، وإذنها سكوتها " وفي أخرى له : "البكر يستأذنها أبوها في نفسها ، وإذنها صماتها " وربما قال : "وصمتها إقرارها " .

[ ص: 402 ] ولأبي داود والنسائي على شرط الشيخين : "ليس للولي مع الثيب أمر ، واليتيمة تستأمر ، وصمتها إقرارها " .

وفي رواية لأحمد في حديث خنساء فقال - عليه السلام - : "هي أولى بأمرها " فانتزعت من الذي زوجها أبوها وتزوجت من أرادت . وله عن بريدة : جاءت امرأة فقالت : زوجني أبي ابن أخيه ، فجعل - عليه السلام - الأمر إليها ، فقالت : أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء . وكلها دالة على اعتبار الولي .

فصل :

وقوله : (وقال يحيى بن سليمان ) إلى آخره . فيه رد على ابن خزيمة على ما نقله عنه الدارقطني : لم يروه إلا ابن وهب ، فقد رواه عنبسة أيضا كما ساقه البخاري .

فصل :

في اعتبار الولي أحاديث :

أحدها :

حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " أخرجه ابن حبان في "صحيحه " وقال : لا يصح في ذكر الشاهدين غيره .

[ ص: 403 ] وأخرجه الحاكم وصححه ، وابن الجارود في "منتقاه " . وفي كتاب "من حدث ونسي " للخطيب ، عن يحيى بن معين أن يحيى بن أكثم كتب : قد اتضح عندك هذا الحديث ، فصححه ثم أوضحه . وصححه أحمد في "سؤالات المروزي " له .

ثانيها :

حديث أبي موسى مرفوعا : "لا نكاح إلا بولي " . خرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحاكم ، وصححه أيضا البخاري والترمذي .

ثالثها :

حديث أبي هريرة مرفوعا : "لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها " وكنا نقول : التي تزوج نفسها هي الزانية . أخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الصحيح .

[ ص: 404 ] رابعها :

حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات - فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ، وحسنه وصححه ابن حبان ، والحاكم على شرط الشيخين ، وقال ابن معين : إنه أصح ما في الباب .

وفي الباب أيضا عن ابن عباس ، أخرجه أبو الشيخ ، وجابر أخرجه أبو يعلى وأبي سعيد أخرجه الدارقطني .

قال الحاكم : وفي الباب -يعني مرفوعا - عن علي ، ومعاذ بن جبل ، والمسور بن مخرمة ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عمرو بن العاصي ، وأبي ذر والمقداد بن الأسود ، وأنس ، وابن عباس ، وجابر ، وأم سلمة وزينب زوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأكثرها صحيح .

قلت : وتأويل "فنكاحها باطل " أي : سيبطل باعتراض الولي ، بعيد . وتأول الطحاوي حديث : "لا نكاح إلا بولي " على أنه يحتمل أن يريد أقرب عصبة أو يكون من توليه المرأة ذلك من الرجال ، وإن كان بعيدا ، أو أن يكون هو الذي إليه ولاية الوضع من والد الصغيرة أو مولى الأمة ، أو أن يريد امرأة حرة بالغة بنفسها ، فيكون ذلك على أنه ليس لأحد أن يعقد نكاحا على بضع إلا ولي ذلك البضع ، قال :

[ ص: 405 ] وذلك أمر جائز في اللغة ، قال تعالى : فليملل وليه بالعدل [البقرة : 282 ] قيل : يريد ولي الحق ، وهو الذي له الحق ، فلا يتعين لأحدهما إلا بدليل .

ثم ذكر حديث تزويج عمر أمه أم سلمة وهو صغير ، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمره سبع سنين .

وجوابه : أن نكاحه - عليه السلام - لا يحتاج إلى ولي .

وقد ذكر ابن سعد أن الذي زوجها له سلمة بن أبي سلمة ، وكان أكبر من أخيه عمر ، وسيأتي في باب السلطان ولي المراد بالأول .

فصل :

البخاري روى حديث معقل عن أحمد بن أبي عمرو -هو أبو علي ، وأبو عمرو وهو حفص - بن عبد الله بن راشد السلمي مولاهم النيسابوري ، قاضيها ، مات في المحرم سنة ثمان وخمسين ومائتين بعد محمد بن يحيى بستة أشهر ، وقيل : توفي سنة ستين .

وإبراهيم شيخ والده هو ابن طهمان الهروي أبو سعيد ، سكن نيسابور ، ثم سكن مكة ، ومات بها سنة ثلاث وستين ومائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية