التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4840 [ ص: 408 ] 38 - باب: إنكاح الرجل ولده الصغار

لقوله تعالى : واللائي لم يحضن [الطلاق : 4 ] فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ .

5133 - حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي بنت تسع ، ومكثت عنده تسعا . [انظر : 3894 - مسلم: 1422 - فتح: 9 \ 190 ] .


ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي بنت تسع ، ومكثت عنده تسعا .

كأن البخاري أراد بهذه الترجمة الرد على ابن شبرمة ، فإنه حكي عنه أن تزويج الآباء الصغار لا يجوز ، ولهن الخيار إذا بلغن .

قال الطحاوي : ولم يقل به أحد من الفقهاء غيره ولا يلتفت إليه ، لشذوذه ، ومخالفته دليل الكتاب والسنة ، وإنما اختلفوا في الأولياء غير الآباء إذا زوج الصغيرة كما سلف .

ونقل المهلب الإجماع على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ; لعموم الآية ، ويجوز نكاح من لم تحض من أول ما تخلق .

وأغرب ابن حزم فقال : لا يجوز للأب ولا لغيره نكاح الصغير الذكر حتى يبلغ ، فإن فعل فهو مفسوخ أبدا . واختاره قوم ، ولا حجة لهم إلا قياسه على الصغيرة ، ولو كان القياس حقا لكان قد عارض هذا

[ ص: 409 ] قياس مثله ، وهو أنهم أجمعوا أن الذكر إذا بلغ لم يكن لأبيه ولا لغيره مدخل في إنكاحه ، بخلاف الأنثى الذي له فيه مدخل إما بإنكاح أو بإذن ; فلذا يجب أن يكون حكمهما مختلفين .

قال أبو عبيد : الفرق بين الأب وغيره أنه ليس لأحد من الأولياء معه ولاية ما لم يأت منه عضل ، فيكون هو المخرج لنفسه من ولايتها .

وفيه : دلالة على جواز (نكاح من لا وطء ) لعلة بأحد الزوجين ، لصغر أو آفة أو غير إرب في الجماع ، بل بحسن العشرة ، والتعاون على الدهر ، وكفاية المؤنة والخدمة ، بخلاف من يقول : لا يجوز نكاح لا وطء فيه . ويؤيد هذا حديث سودة حيث وهبت يومها لعائشة وقالت : ما لي في الرجال من إرب .

واختلف العلماء في الوقت الذي تدخل فيه المرأة على زوجها إذا اختلف الزوج وأهلها في ذلك ، فقالت طائفة : تدخل عليه وهي بنت تسع ، اتباعا لحديث عائشة - رضي الله عنها - ، وهو قول أحمد وأبي عبيد .

وقال أبو حنيفة : نأخذ بالتسع غير أنا نقول : إن بلغتها ولم تقدر على الجماع كان لأهلها منعها ، وإن لم تبلغ التسع وقويت على الرجال لم يكن لهم منعها من زوجها .

[ ص: 410 ] وكان مالك يقول : لا نفقة لصغيرة حتى تدرك أو تطيق الرجال .

وقال الشافعي : إذا قاربت البلوغ وكانت جسيمة تحتمل الجماع فلزوجها أن يدخل بها ، وإلا منعها أهلها حتى تحتمله .

فصل :

اختلف على هشام بن عروة في سن عائشة - رضي الله عنها - حين العقد ، فروى عنه سفيان بن سعيد ، وعلي بن مسهر ، وأبو أسامة ، وأبو معاوية ، وعباد بن عباد ، وعبدة : ست سنين .

ورواه الزهري عنه وحماد بن زيد وجعفر بن سليمان فقالوا : سبع سنين . وطريق الجمع أنه كان لها ست سنين وكسر ، ففي رواية : أسقط ، وفي أخرى أثبت بدخولها في السبع ، أو أنها قالته تقريبا .

[ ص: 411 ] ويؤيد الثاني ما رواه أبو عبيدة عن أبيه من طريق ابن ماجه : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي بنت سبع سنين .

فصل :

حكى الداودي عن ابن أبي ليلى : لا يزوج الأب ابنته الصغيرة إلا برضاها . وعن أحمد : توكل بنت تسع من يزوجها . وعن طاوس أنها تخير إذا بلغت ، وما ذكره البخاري يرد عليهم .

وعندنا أن للأب وكذا الجد عند عدمه يزوج البكر صغيرة وكبيرة بغير إذنها ، ويستحب استئذان الكبيرة ، وهو مذهب مالك في الأب .

وعن أبي حنيفة : لا يجوز له ذلك حتى يستأذنها إذا بلغت ، فإن لم تفعل وكرهته فسخ ، دليلنا قوله - عليه السلام - : "والبكر يزوجها أبوها " .

التالي السابق


الخدمات العلمية