التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4842 [ ص: 414 ] 40 - باب: السلطان ولي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "زوجناكها بما معك من القرآن "

5135 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني وهبت من نفسي . فقامت طويلا ، فقال رجل : زوجنيها ، إن لم تكن لك بها حاجة . قال : " هل عندك من شيء تصدقها ؟ " . قال : ما عندي إلا إزاري . فقال : " إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " . فقال : ما أجد شيئا . فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " . فلم يجد ، فقال : " أمعك من القرآن شيء ؟ " . قال : نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها . فقال : " زوجناكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 190 ] .


ثم ساقه من حديث سهل بن سعد باللفظ المذكور وقد سلف .

وقام الإجماع على ما ترجمه وهو أنه ولي من لا ولي له ، وأجمعوا أيضا على أنه يزوج المرأة إذا أرادت النكاح ودعت إلى كفؤ وامتنع (الولي ) أن يزوجها .

واختلفوا إذا غاب عن البكر أبوها وعمي خبره وضربت فيه الآجال من يزوجها ؟ فقال أبو حنيفة ومالك : يزوجها أخوها بإذنها .

وقال الشافعي : يزوجها السلطان دون باقي الأولياء ، وكذلك الثيب إذا غاب أقرب أوليائها .

[ ص: 415 ] حجة الأولين أن الأخ عصبة يجوز أن يزوجها بإذن مع عدم أبيها بالموت ; لتعذر التزويج من قبله ، وكذا مع حياته إذا تعذر التزويج من جهته ، دليل ذلك أن فسق الأب وجنونه ينقل الولاية إلى غيره ، ألا ترى أن الأب إذا مات كان الأخ أولى من السلطان . واحتج الشافعي بأن السلطان يستوفي حقوقها وينظر في مالها إذا فقد أبوها ; فلذلك هو أحق بالتزويج من أخيها .

واختلفوا في الولي من هو ؟ فقال مالك والليث والثوري والشافعي : هو العصبة الذي يرث دون الخال والجد للأم والأخ -عند مالك في النكاح وكذا عندنا - وقال محمد بن الحسن : كل من لزمه اسم الولي فهو ولي يزوج ، وبه قال أبو ثور .

حجة الأول أن الولاء لما كان مستحقا بالتعصيب لم يكن للأخ فيه مدخل ; لعدم التعصيب ، كذلك عقد النكاح ; لأن ذلك لولاية التعصيب . قال ابن المنذر : وقوله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232 ] دليل على أن الأولياء من العصب ; لأن معقلا لما منع أخته من التزويج نزلت فيه هذه الآية ، فتلاها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

واختلفوا من أولى بالنكاح الولي أو الوصي ؟ فقال ربيعة ومالك والثوري : الوصي أولى . وقال الشافعي : الولي أولى ، ولا ولاية للوصي على الصغير ، وهو قول أبي حنيفة وأبي سليمان وأصحابهم .

[ ص: 416 ] حجة الأول أن الأب لو جعل ذلك إلى رجل بعينه في حياته لم يكن لسائر الأولياء الاعتراض عليه مع بقاء الأب . فكذلك بعد موته ، إلا أن مالكا قال : لا يزوج الوصي اليتيمة قبل البلوغ ، إلا أن يكون أبوها أوصى إليه أن يزوجها قبل البلوغ من رجل بعينه ، فيجوز وينقطع عنها ما لها من المشورة عند بلوغها .

وذكر ابن القصار أن من أصحابنا من قال : إن الموصي إذا قال : زوج بناتي ممن رأيت . فإنه يقوم مقام الأب في تزويج الصغيرة وفي تزويج البكر البالغ بغير إذنها . وهو يتخرج على مذهب مالك ، وهو إذا قالت الثيب لوليها : زوجني ممن رأيت . فزوجها ممن اختار أو من نفسه ولم يعلمها بعين الرجل قبل العقد فإنه يلزمها ذلك .

وقال ابن حزم : لا إذن للوصي في إنكاح أصلا لرجل ولا لامرأة ، صغيرين كانا أو كبيرين . أما الصغيرين فقد أسلفنا الكلام فيهما ، وأن البكر لا يزوجها إلا الأب وحده ، وأما الذكر فلا يزوجه أحد إلا نفسه ، وأما الكبيران فلا يخلو من أن يكونا مجنونين فلا ينكحهما أب ولا غيره ، أو عاقلين فلا ولي عليهما ، فإن موه مموه بخبر وكيع ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، عن جده ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من منع يتيما له النكاح فزنى فالإثم بينهما " قلنا : هذا مرسل ، ولا حجة في مرسل ، وأيضا يحيى ضعيف ، وليس فيه للوصي ذكر ، وقد يكون أراد سيد العشيرة يمنع يتيما من قومه النكاح ظلما .

التالي السابق


الخدمات العلمية