التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4845 5139 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا يزيد ، أخبرنا يحيى ، أن القاسم بن محمد حدثه ، أن عبد الرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد حدثاه أن رجلا يدعى خذاما أنكح ابنة له . [انظر : 5138 - فتح: 9 \ 194 ] .


حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية ، عن خنساء بنت خذام الأنصارية ، أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فرد نكاحه .

حدثنا إسحاق ، ثنا يزيد ، أنا يحيى ، أن القاسم بن محمد حدثه ، أن عبد الرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد حدثاه أن رجلا يدعى خذاما أنكح ابنة له . نحوه .

الشرح : .

هذا الحديث من أفراده ، وقد ذكره أيضا في ترك الحيل والإكراه ، بل لم يخرج مسلم عن خنساء في "صحيحه " شيئا ، ومن أوهام ابن القطان عزوه إلى مسلم ، فاحذره .

[ ص: 426 ] وإسحاق هذا هو ابن منصور ، كما صرح به في باب شهود الملائكة بدرا ، نبه عليه الجياني بعد أن قال : لم أجده منسوبا لأحد .

وخنساء ، بالخاء المعجمة والمد ، واسمها زينب بنت خذام -بالخاء والذال المعجمتين - بن خالد ، ولقبه مطروف بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، كانت تحب أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد مطروف ، قتل عنها يوم أحد ، وقد كان شهد بدرا ، زوجها أبوها رجلا فخطبت إلى أبي لبابة بشير بن عبد المنذر بن رفاعة بن زنبر -بفتح الزاي وجزم النون - بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف ، فكرهت الرجل وتزوجت أبا لبابة ، فولد له السائب ، روى ذلك ابن إسحاق عن الحجاج بن السائب ، عن أبيه ، عن جدته خنساء .

وجاء في رواية لأبي موسى المديني في كتابه تسميتها ربعة بدل خنساء ، واستغربه . وفي رواية : أم ربعة ، ولها كنية . وكان خذام من أهل مسجد الضرار ، ومن داره أخرج ، والذي بنى المسجد ، وكان رأس أهله هو جارية -بالجيم - بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف ، وكان معه ولده مجمع وزيد ويزيد وبكير ، وابن أخيه بجاد بن عثمان بن عامر ، وعبد الله بن نبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة وعبد الرحمن بن يزيد بن حارثة أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه جميلة بنت ثابت ، أخت عاصم بن ثابت بن أبي الأفلج قيس بن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة حمي الدبر ولد لهما في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وولى عمر بن

[ ص: 427 ] عبد العزيز
عبد الرحمن بن يزيد قضاء المدينة في إمرته عليها .

روى له الترمذي والنسائي ، وروى لأخيه مجمع بن يزيد البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وروى لابن أخيها مجمع بن يحيى بن يزيد بن جارية مسلم والنسائي ، ومن عقب يزيد بن جارية أيضا أبو زيد محمد بن زيد بن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية ، ولي قضاء المدينة .

ومنهم : مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية ، كان فقيها ، وأم بني عمرو بن عوف نحوا من ثلاثين سنة حتى مات .

روى له أبو داود والنسائي .

وروى لأبيه يعقوب أبو داود أيضا .

وروى لابن عمه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد مسلم والنسائي ، وابنه عبد الرحمن بن مجمع .

ومنهم : إسماعيل بن ثابت بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد ، كان في صحابة المهدي والرشيد حتى مات ، وعاصم بن سويد بن عامر بن يزيد بن جارية ، كان له فضل وشرف وكان إمام بني عمرو بعد مجمع بن يعقوب .

ومن بني ضبيعة أيضا أبو حنيفة بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة من أهل مسجد الضرار .

[ ص: 428 ] فصل :

روى ابن ماجه هذا الحديث ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد ، عن يحيى كما سلف ، لكن بلفظ : فكرهت نكاح أبيها ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له ، فرد عليها نكاح أبيها ، فنكحت أبا لبابة بن عبد المنذر .

وقال الإسماعيلي : رواه شعبة ، عن يحيى ، عن القاسم مرسلا قال : فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أبي زوجني وأنا كارهة ، وأنا أريد أن أتزوج عم ولدي . قال : فنزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتزوجت عم ولدها .

قال يحيى : وهي خنساء بنت خذام ، قال : وكذلك قال معمر وابن عيينة : وهي ثيب . فأرسلوه . وعند أحمد من حديث ابن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر أن جدته أم السائب خناس بنت خذام بن خالد كانت (تحت ) رجل قبل أبي لبابة ، وأبى أبوها إلا أن يلزمها العوفي حتى ارتفع أمرها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "هي أولى بأمرها " فألحقها بهواها فانتزعت من العوفي وتزوجت أبا لبابة ، فولدت له أبا السائب .

وقال أبو عمر : روى مالك هذا الحديث فقال فيه : وهي ثيب ، في (درج ) [الحديث ] .

[ ص: 429 ] ورواه غيره فجعله من بلاغ يحيى بن سعيد ، كذا ذكره ابن أبي شيبة . وروى ابن عيينة هذا الحديث فلم يذكر فيه : وكانت ثيبا .

رواه الحميدي وغيره عنه ولم يقم إسناده وقال فيه : قال بعض أصحاب عبد الرحمن : إنها كانت ثيبا . وحديث ابن إسحاق يدل على صحة رواية مالك .

قال أبو عمر : وكانت خنساء هذه تحت أنس بن قتادة -ويقال : أنيس ، وهو أصح - وقتل عنها شهيدا ، كما سلف قال : وكانت أسدية .

قلت : أهل النسب ذكروها في الأنصار ، اللهم إلا أن يذكرونها أسدية ساكنة السين فيوافق .

ورواه كرواية مالك ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عند الدارقطني .

ومن رواية شجاع بن مخلد ، عن هشيم ، ثنا عمرو بن أبي سلمة ، ثنا أبو سلمة أن خنساء زوجها أبوها وهي ثيب . قال هشام : وثنا عمر ، عن أبيه ، عن أبي هريرة به .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم ، عن شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي هريرة أن رجلا أنكح ابنته على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثيبا وكرهت ذلك ، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : " (كنت ) نهيتيه أن يزوجك ؟ " قالت : نعم . فجعل أمرها بيدها ، فردته . فقال أبي : لا يوصلون هذا الحديث يقولون : أبو سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل ، وهو أشبه .

[ ص: 430 ] قال أبو عمر : وإذا كانت ثيبا كان حديثا مجتمعا على صحته والقول به ; لأن القائلين : لا نكاح إلا بولي ، يقولون : إن الثيب لا يزوجها أبوها ولا غيره من أوليائها إلا بإذنها . ومن قال : ليس للولي مع الثيب أمر . فهو أحرى باستعمال هذا الحديث . وكذلك الذين أجازوا عقد النكاح بغير ولي .

وروى النسائي من حديث الثوري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن يزيد ، عن خنساء بنت خذام قالت : أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "لا تنكحها وهي كارهة " .

وعزاها عبد الحق إلى أبي داود أيضا ، وليس كذلك فالذي فيه كما في البخاري ، وقد يجاب عن هذه الرواية بأنه يجوز أن يكون الراوي أخبر بما شاهد من العقد عليها وأخبرت هي بحقيقة الأمر ، وهو عدم الدخول بها .

فصل :

جاء في رواية أنها قالت : يا رسول الله (إن ) عم ولدي أحب إلي منه -يعني : أبا لبابة - وذلك مجاز ; لأنها إذا نكحت عمهم جمعت شملهم .

[ ص: 431 ] فصل :

قد جاءت أحاديث بمثل حديث خنساء :

منها : حديث عطاء ، عن جابر أن رجلا زوج ابنته بكرا ولم يستأذنها ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففرق بينهما . خرجه النسائي وقال : والصحيح إرساله ، والأول وهم ، وأفهمه كلام الإمام أحمد فيما حكاه الأثرم عنه .

ومنها : أن ابن عمر تزوج ابنة خاله ، وأن عمها هو الذي زوجها . الحديث . وفيه : فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فرد نكاحها . أخرجها الدارقطني وقال : لا يثبت عن ابن أبي ذئب ، عن نافع ، والصواب حديث ابن أبي ذئب ، عن عمر بن حسين .

ومنها : حديث ابن عباس أن جارية بكرا أنكحها أبوها وهي كارهة ، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين ، قال أبو داود : والصحيح مرسل . وقال أبو حاتم : رفعه خطأ . وأما ابن القطان فصححه . وقال ابن حزم : إسناده صحيح في غاية الصحة ، ولا معارض له .

ومنها : حديث عائشة - رضي الله عنها - أخرجه الدارقطني .

[ ص: 432 ] وذكره النسائي في باب : البكر يزوجها أبوها .

فصل :

اتفق أئمة الفتوى بالأمصار على أن الأب إذا زوج ابنته الثيب بغير رضاها أنه لا يجوز ويرد ; احتجاجا بحديث خنساء وغيره ، وشذ الحسن البصري والنخعي فخالفا الجماعة ، فقال الحسن : نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا كرهت أو لم تكره .

وقال النخعي : إن كانت الثيب في عياله زوجها ولم يستأمرها ، وإن لم تكن في عياله أو كانت نائية عنه أستأمرها . ولم يلتفت أحد من الأئمة إلى هذين القولين ; لمخالفتهما للسنة الثابتة في خنساء وغيرها ، وما خالفها فمردود .

واختلف الأئمة القائلون بحديث خنساء إن زوجها بغير إذنها ثم بلغها فأجازت : فقال إسماعيل القاضي : أصل قول مالك لا يجوز وإن أجازته ، إلا أن يكون بالقرب ، كأنها في فور ، ويبطل إذا بعد ; لأن عقده عليها بغير أمرها ليس بعقد ، ولا يقع فيه طلاق .

وقال الكوفيون : إذا أجازته جاز ، وإذا أبطلته بطل .

وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور : إذا زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت ; لأنه - عليه السلام - رد نكاح خنساء ولم يقل : إلا أن تجيزه ، واستدل به الشافعي على إبطال النكاح الموقوف على إجازة من له الإجازة ، وهو أحد قولي مالك ، وقد يقال : محله إذا رضيت دون ما إذا كرهت .

[ ص: 433 ] واستدل الخطابي به على أبي حنيفة في قوله : لا تزوج البكر البالغ إلا برضاها ; وذلك أن الثيوبة إنما ذكرت ليعلم علة الحكم ، فدل أن حكم البكر بخلاف ذلك ، وهذا يأتي في رواية أنها ثيب ، دون رواية أنها بكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية