التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4846 [ ص: 434 ] 43 - باب: تزويج اليتيمة

لقوله : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا [النساء : 3 ] وإذا قال الولي للخاطب : زوجني فلانة . فسكت ساعة أو قال : ما معك ؟ قال : معي كذا وكذا . أو لبثا ثم قال : زوجتكها . فهو جائز . فيه سهل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

5140 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري . وقال الليث : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضي الله عنها -قال لها يا أمتاه : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى إلى : ما ملكت أيمانكم [النساء : 3 ] قالت عائشة : يا ابن أختي ، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن ينتقص من صداقها ، فنهوا عن نكاحهن . إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء ، قالت عائشة : استفتى الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ، فأنزل الله : ويستفتونك في النساء إلى : وترغبون [النساء : 127 ] فأنزل الله -عز وجل - لهم في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال ، رغبوا في نكاحها ونسبها والصداق ، وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال ، تركوها وأخذوا غيرها من النساء . قالت : فكما يتركونها حين يرغبون عنها ، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها ، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق . [انظر : 2494 - مسلم: 3018 - فتح: 9 \ 197 ] .


ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - في : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا الحديث بطوله ، وقد سلف .

ومعنى هذا الباب أن الولي شرط في النكاح ، فمخاطبة الله الأولياء بإنكاح اليتامى إذا خافوا أن لا يقسطوا فيهن ، واحتج أبو حنيفة

[ ص: 435 ] ومحمد بن الحسن بهذه الآية في أنه يجوز للولي أن يزوج من نفسه اليتيمة التي لم تبلغ -وقد سلف - لأن الله تعالى لما عاتب الأولياء أن (يتزوجوهن ) إذا كن من أهل المال والجمال لا على سنتهن من الصداق ، وعاتبهم على ترك نكاحهن إذا كن قليلات المال والجمال استحال أن يكون ذلك منه فيما لا يجوز نكاحه ; لأنه لا يجوز أن يعاتب أحد على ترك ما هو حرام عليه ، ألا ترى أنه أمر وليها أن يقسط لها في صداقها ، ولو أراد بذلك بالغا لما كان لذكره أعلى سنتها في الصداق معنى ، إذ كان له أن يراضيها على ما شاء ثم يتزوجها على ذلك حلالا .

قال تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا الآية [النساء : 4 ] . فثبت أن الذي أمر أن يبلغ بها أعلى سنتها في الصداق هي التي لا أمر لها في صداقها ، المولي عليه وهي غير بالغ .

ولا يجوز عند مالك والشافعي وجماعة أن تتزوج اليتيمة التي لا أب لها قبل البلوغ ، ويفسخ النكاح عند مالك قبل الدخول وبعده ، وقد سلف الخلاف في باب تزويج الصغار . وكان من حجة من خالف أبا حنيفة في ذلك أنه قد يكون في اليتامى من يجوز حد البلوغ وبعده وهي سفيهة لا يجوز بيعها ولا شيء من أفعالها ، فأمر الله أولياءهن بالإقساط في الصدقات ، فلم تدل الآية على جواز نكاح اليتيمة غير البالغ -كما زعم أبو حنيفة - ، وليس هذا أولى بالتأويل ممن عارضه ، وتأويل الآية في اليتيمة البالغ السفيهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية