التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4848 5144 - " ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه ، حتى ينكح ، أو يترك " . [انظر : 2140 - مسلم: 1520 ،1515 ، 1413 - فتح: 9 \ 199 ] .


ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، حتى يترك الخاطب قبله ، أو يأذن له الخاطب .

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يأثره على النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عبادا إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه ، حتى ينكح أو يترك " .

الشرح :

قد أسلف البخاري في البيوع مثله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضا في الخطبة .

[ ص: 438 ] وقد أخرجه مسلم والأربعة .

وسلف حديث ابن عمر في البيع على بيع أخيه ، وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه .

وفسر ابن التين البيع على بيع أخيه بالسوم على سومه ، وقال يزيد : لأنه لو وقع البيع لما سئل عن بيعه بعد ذلك ، وهو عجيب فإنه قد يكون زمن خيار المجلس أو شرط ثم قال هذا بعد التراكن ، وأما في أوله فلو ترك ذلك لأخذه المشتري بما يريد وبياعات المسلمين في أسواقهن يتزايدون فيها ، وكرهه بعض السلف .

فصل :

الخطبة -بكسر الخاء - مصدر خطب المرأة خطبة ، والضم في الوعظ وغيره .

فصل :

أغرب بعضهم فادعى أن هذا النهي منسوخ بخطبة الشارع لأسامة فاطمة بنت قيس على خطبة معاوية وأبي جهم . روي عن الحسن بن علي أنه لا يكاد يبلغه أن رجلا خطب امرأة إلا خطبها . وفقهاء الأمصار على عدم ذلك وأنه باق ، وخطبة الشارع والحسن إنما كان في حالة لم يتناولها النهي ، وذلك قبل الركون دون ما بعده .

[ ص: 439 ] قال ابن المرابط : لا أعلم أحدا ادعى نسخه . واستثنى ابن القاسم من النهي ما إذا كان الخاطب فاسقا ، وهو مذهب الأوزاعي وابن المنذر فيما إذا كان الأول كافرا ، وهو خلاف قول الجمهور .

والحديث خرج على الغالب فلا مفهوم .

وقال ابن نافع : يخطب وإن رضيت بالأول حتى يتفقا على صداق .

وخطأه ابن حبيب يريد لأن نكاح التفويض صحيح وإن لم يسميا فيه مهرا . وعندنا أنه إنما يحرم إذا صرح بالإجابة فإن لم يجب ولم يرد فلا تحريم ، وكذا إذا أذن ، وعند المالكية ثلاثة أقوال بعد الركون .

ثالثها : يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويؤدب ويحلل ، وعند أبي حنيفة والشافعي : لا فسخ مطلقا مع التحريم .

فصل :

أغرب أبو سليمان فقال : إن هذا النهي للتأديب لا للتحريم .

ونقل عن أكثر العلماء أنه لا يبطل ، وعند داود بطلان نكاح الثاني ، ونحى ابن حزم إليه حيث قال : لا يحل لأحد أن يخطب على خطبة مسلم ، سواء ركنا وتعارفا أو لم يكن شيء من ذلك ، إلا أن يكون أفضل لها في دينه وحسن صحبته ، فله حينئذ أن يخطب على خطبة غيره .

قلت : يرده حديث قدامة بن مظعون أنه زوج ابن عمر ابنة أخيه

[ ص: 440 ] عثمان ، فخطبها المغيرة بن شعبة ، فركنت هي وأمها في المغيرة ، ففرق - عليه السلام - بينها وبين ابن عمر وزوجها المغيرة .

والأحاديث دالة على إطلاق التحريم ، وقد أخرج مسلم من حديث عقبة بن عامر أنه - عليه السلام - قال : "لا يحل لمؤمن أن يخطب على خطبة أخيه حتى يذر ، ولا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه حتى يذر " .

وهو قول ابن عمر وعقبة بن عامر وابن هرمز .

وعبارة ابن العربي : اختلف علماؤنا هل الحق فيه لله أو للخاطب ، فقيل بالأول فيتحلل ، فإن لم يفعل فارقها ، قاله ابن وهب .

وقيل : إن النهي في حال رضي المرأة وركونها إليها ، وقد فسره في "الموطأ " دون ما إذا لم تركن ولم يتفقا على صداق . قال أبو عبيد : وهو وجه الحديث ، وبه يقول أهل المدينة وأهل العراق أو أكثرهم .

حجة الشافعي (وغيره ) خطبته - عليه السلام - لأسامة كما سلف ، وكنا بينا أن تلك الحالة غير النهي كما سلف .

فصل :

من قال بالفسخ تعلق بالنهي وأنه يقتضي بالفساد ، فلا تحصل به الاستباحة ، وأجاب من لم يره بأن النهي لأمر خارج عنه فصار كالبيع على بيع أخيه .

[ ص: 441 ] فصل :

قوله : ("إياكم والظن" ) يريد أن تحقيق الظن قد يوقع في الإثم ، وقد قال تعالى : إن بعض الظن إثم [الحجرات : 12 ] .

وقوله : ("أكذب الحديث" ) يريد : بعضه .

فصل :

والتجسس بالجيم والحاء معناهما واحد عند جماعة وهو : التطلب لمعرفة الأخبار ، قاله الحربي ، وقال ابن الأنباري : إنما نسق أحدهما على الآخر ; كقولهم : بعدا وسحقا . وقيل : بالجيم : البحث عن عورات الناس ، وبالحاء : الاستماع للحديث ، وقيل : الأول في الخير والثاني في الشر ، قال تعالى : اذهبوا فتحسسوا [يوسف : 87 ] وقيل : أكثر التجسس في الشر ، بالجيم . وقال ابن حبيب بالحاء : أن تسمع ما يقول أخوك فيك ، وبالجيم : أن ترسل من (قيل لك ) عما يقال لك في أخيك من السوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية