التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4852 [ ص: 451 ] 48 - باب: ضرب الدف في النكاح والوليمة

5147 - حدثنا مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان قال : قالت الربيع بنت معوذ ابن عفراء : جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل حين بني علي ، فجلس على فراشي كمجلسك مني ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : " دعي هذه ، وقولي بالذي كنت تقولين " . [انظر : 4001 - فتح: 9 \ 202 ] .


ذكر فيه حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء : جاء النبي - عليه السلام - فدخل علي حين بني علي ، فجلس على فراشي كمجلسك مني ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : "دعي هذا ، وقولي بالذي كنت تقولين " .

سلف في المغازي .

ولابن ماجه : "أما هذا فلا تقولوه ، ما يعلم ما في غد إلا الله "

وقوله : (يوم بدر ) كذا هنا ، وذكر الكلبي يوم بعاث ، وقال ابن التين عن النسائي : حديث حسن ، وإنما هو من قتل من آبائي يوم أحد . وفي بعض روايات البخاري : من قتل آبائي بإسقاط (من ) .

والندب : ذكر النادبة الميت بحسن الثناء والافتخار .

قال ابن العربي : وكانوا كفارا فلم يكن في ذكرهم بحضرة الشارع حرج بما يذكرون به ، ولو كانوا مسلمين لم ينبغ أن يندبوا بمدح ; لأن ذلك مما يوجب لهم عذابا ، وإنما يندبون بترحم ودعاء .

[ ص: 452 ] قلت : عندنا لا يعذب به إلا إذا أوصى

فصل :

في الحديث فوائد : تشريف الربيع بدخول سيد الخلق عليها وجلوسه أمامها حيث يجلس الرأس ، والضرب بالدف في العرس بحضرة شارع الملة ، ومبين الحل من الحرمة ، وإعلان النكاح بالدف والغناء المباح فرقا بينه وبين ما يستتر به من السفاح ، وإقبال العالم والإمام إلى العروس . وإن كان لعب ولهو مباح ، فإنه يورث الألفة والانشراح . وليس الامتناع من ذلك من الحياء الممنوع بل فعله هو الممدوح المشروع ، وجواز مدح الرجل في وجهه بما فيه ، فالمكروه من ذلك مدحه بما ليس فيه .

فصل :

قولها : (حين بني علي ) هذه اللغة الفصيحة ، وأصله أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل عليها فيها . وأنكر غير واحد من النحويين : بنى بي . وقد وردت في أحاديث صحيحة .

فصل :

الدف داله مضمومة على الأفصح وقد تفتح ، وهو الذي بوجه واحد ، واختلف في الضرب بالوجه من الوجهين جميعا كما قال ابن التين .

وقوله : ("دعي هذا" ) أي : أن الغيب لا يعلمه إلا الله وقد سلف .

فصل :

ومن أحاديث الباب على شرط الصحيح :

[ ص: 453 ] حديث محمد بن حاطب رفعه : "فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف " أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال : حسن . وصححه ابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد .

وقال ابن طاهر : ألزم الدارقطني مسلما إخراجه ، وهو صحيح .

وفي رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل عن غير أبيه من حديث عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف ، ويقول : "أتيناكم أتيناكم ، فحيونا نحييكم " .

وحديث بريدة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من بعض مغازيه جاءته جارية سوداء فقالت : يا رسول الله ، إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى ، فقال لها : "إن كنت نذرت فأوفي نذرك " .

رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، ونازعه ابن القطان .

ورواه ابن حبان في "صحيحه " بطريق جيد . وفيه : فقعد - عليه السلام - وضربت بالدف .

[ ص: 454 ] وهذه الأمة هي سديسة مولاة حفصة كما أفاده ابن طاهر في "إيضاح الأشكال " .

وسيأتي في البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال - صلى الله عليه وسلم - : "يا عائشة ، ما كان معكم لهو ، فإن الأنصار يعجبهم اللهو " .

فصل :

ومن ضعيفه حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها أنكحت ذا قرابة لها من الأنصار ، فقال - عليه السلام - : "أهديتم الفتاة ؟ " قالوا : نعم . قال : "أرسلتم معها من يغني ؟ " قالت : قلت : لا . فقال : "إنالأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم ، فحيانا وحياكم " أفرده ابن ماجه . وقال أحمد : حديث منكر .

ولابن أبي حاتم : "أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال " .

[ ص: 455 ] وللترمذي مضعفا : "واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " .

ولابن الأثير من الصحابة ، من حديث عبد الحميد بن مهدي : ثنا المعافى ، ثنا محمد بن سلمة ، عن الفزاري ، عن عبد الله بن هبار بن الأسود بن المطلب ، عن أبيه أنه زوج بنتا له فضرب في عرسها بالكبر . فلما سمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "هذا النكاح لا السفاح " .

وللنسائي من حديث عامر بن سعد ، عن قطر بن كعب وأبي مسعود قالا "رخص لنا في اللهو عند العرس " زاد ابن أبي شيبة : ثابت بن وديعة .

وروى الطبري عن السائب بن يزيد : لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جواري يغنين ، يقلن : حيونا نحييكم ، فقال : "لا تقولوا هكذا ، ولكن قولوا : حيانا وحياكم " فقال رجل : يا رسول الله ، ترخص للناس في هذا ؟ فقال : "نعم ، إنه نكاح لا سفاح " .

فصل :

ترجم البخاري النكاح والوليمة وذكر ما يدل للوليمة فقط ، لأنه قاس النكاح عليها ; ولأن البناء نكاح ، وعندنا الضرب به في العرس والختان جائز ، العرس نصا والختان قياسا ، وفي غيرهما وجهان ، أصحهما

[ ص: 456 ] الجواز وإن كان فيه جلاجل ، لإطلاق الأدلة ، ومن ادعى أنها لم تكن بجلاجل فعليه الإثبات .

وقد أوضحت الكلام على الدف في "شرح المنهاج " ، ولابد لك من الوقوف عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية