التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4856 [ ص: 476 ] 52 - باب: الشروط في النكاح

وقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط . وقال المسور : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر صهرا له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن ، قال : "حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي " .

5151 - حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا ليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " . [انظر : 2721 - مسلم: 1418 - فتح: 9 \ 217 ] .


ثم ساق حديث أبي الخير -هو مرثد بن عبد الله اليزني - عن عقبة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "أحق ما وفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " .

الشرح :

هذا التعليق أخرجه أبو عبيد ، عن ابن عيينة ، عن يزيد بن يزيد بن حارثة ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن عبد الرحمن بن غنم قال : شهدت عمر - رضي الله عنه - قضى في رجل شرط لامرأته دارها ، فقال : لها شرطها . فقال رجل : إذا يطلقها . فقال : إن مقاطع الحقوق عند الشروط .

وحديث المسور أسنده في الخمس ، وفضائل أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري ، عن علي بن الحسين عنه ،

[ ص: 477 ] وأخرجه أيضا في الشروط ، وحديث عقبة أيضا في الشروط .

واختلف العلماء في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من دارها ، أو لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى ، وشبه ذلك من الشروط المباحة على قولين :

أحدهما : أنه يلزمه الوفاء بذلك ، ذكر عبد الرزاق وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أن رجلا شرط لزوجته أن لا يخرجها ، فقال عمر : لها شرطها ، وقال : المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم .

وقال عمرو بن العاص : أرى أن يفي لها بشرطها .

وروي مثله عن طاوس وجابر بن زيد ، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، قال إسحاق : لقول عمر - رضي الله عنه - : مقاطع الحقوق عند الشروط . وحملوا حديث عقبة على الوجوب .

الثاني : لا يلزمه شيء من هذه الشروط ، روى ابن وهب ، عن الليث ، (و ) عمرو بن الحارث ، عن كثير بن فرقد ، عن ابن السباق أن رجلا تزوج امرأة على عهد عمر - رضي الله عنه - فشرط لها أن لا يخرجها من دارها ، فوضع عنه عمر بن الخطاب الشرط وقال :

[ ص: 478 ] المرأة مع زوجها . زاد أبو عبيد : ولم يلزمها الشرط . وعن علي مثله ، وقال : شرط الله قبل شروطهم . (أخرجه أبو عبيد ، ولم يره شيئا .

قال أبو عبيد : تضارب الرواة عن عمر وعمر بن عبد العزيز ، واختلف فيه التابعون ومن بعدهم ، فقال الأوزاعي : نأخذ بالقول الأول ، ونرى أن لها شرطها . وقال الليث : بالقول الآخر ، ووافقه مالك بن أنس وسفيان بن سعيد حتى بلغ من شدتهما فيه أن قالا : لو كانت نقصته من صداق مثلها ، كان له إخراجها . ولا يلزمه من الصداق أكثر من المسمى .

[ ص: 479 ] وأما الكوفيون فإنهم وافقوهم في الإخراج ، غير أنهم يقولون : لها أن ترجع بما نقصته من الصداق ، وافترقوا فيه فرقتين :

فقالت إحداهما : إن كانت اشترطت عليه أن صداقها في الإقامة ألف وفي الإخراج ألفان ، كان لها إن أخرجها مهر مثلها ، لا ينقص من الألف ، ولا يزاد على الألف .

وقالت الأخرى : بل الشرطان جميعا جائزان .

قال أبو عبيد : والذي عندنا في ذلك نأخذ بقول يجمع المذهبين ، فنأمره بتقوى الله والوفاء بالشرط ، ولا نحكم عليه بذلك حكما ، فإن أبى إلا الخروج لها كان أحق الناس بأهله .

وأجمعت الأمة على أن امرأة لو شرطت على زوجها أنه ليس له أن يغشاها ، أن شرطها باطل ، وله الغشيان ، فكذلك هذه لما أبت عليه بأن تصحبه كانت مانعة لفرجها منه بمنزلة تلك ; فلهذا نرى أن شرطها مردود ، ونرى أن الحكم عليها باتباعه ، ثم لا يكون لها أكثر من صداقها الأول ، كما قال سفيان ومالك ، وليس إتمام صداق نسائها عليه بواجب .

وإلى القول الثاني ذهب عطاء والشعبي وسعيد بن المسيب والنخعي والحسن وابن سيرين وربيعة وأبو الزناد والزهري وقتادة ، وهو قول مالك والليث والثوري وأبي حنيفة والشافعي .

[ ص: 480 ] وقال عطاء : إذا شرطت أنك لا تنكح ، ولا تتسرى ، ولا تذهب ، ولا تخرج ، يبطل الشرط إذا نكحها .

وحملوا حديث عقبة على الندب واستدلوا على ذلك بقوله في صهره : "وعدني فوفى لي " فإنما استحق المدح ; لأنه وفى له متبرعا متطوعا ، لا فيما لزمه الوفاء به على سبيل الفرض .

قال ابن المنذر : وأصح من ذلك قول من أبطل الشرط وأثبت النكاح بحديث بريرة السالف ، حيث أجاز البيع وأبطل الشرط ، فلما أبطل من الشروط ما ليس في كتاب الله كان من اشترط شروطا خلاف كتاب الله أولى أن تبطل .

من ذلك أن الله أباح للرجال النكاح أربعا ووطء ما ملكت يمينه بقوله : إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين [المؤمنون : 6 ] فإذا شرطت تحريم ما أحل الله له بطل الشرط وثبت النكاح ، ولما كان للرجل إذا عقد نكاح امرأة أن ينقلها حيث يصلح أن ينقل إليه مثلها ويسافر بها ، كان اشتراطها عليه ذلك غير أحكام المسلمين في أزواجهم ، وذلك غير لازم للزوج .

وأما معنى : "أحق الشروط " إلى آخره فيحتمل أن يكون معناه المهور التي أجمع أهل العلم على أن للزوج الوفاء بها ، ويحتمل أن يكون ما شرط على الناكح في عقد النكاح ، فيما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وإذا احتمل الحديث معاني كان

[ ص: 481 ] ما وافق ظاهر الكتاب والسنة أولى ، وقد أبطل الشارع كل شرط ليس في كتاب الله ، فهذا أولى معنييه .

قال ابن بطال : وإن كان في هذه الشروط يمين بطلاق أو عتق وجب ذلك عليه ولزمه عند مالك والكوفيين ، وعند كل من يرى الطلاق قبل النكاح بشرط النكاح لازما ، وكذا العتق ، وهو قول عطاء والنخعي والجمهور .

وقال النخعي : كل شرط في نكاح فالنكاح يهدمه ، إلا الطلاق . ولا يلزمه شيء من هذه الأيمان عند الشافعي [لأنه ] لا يرى الطلاق قبل النكاح لازما ولا العتق قبل الملك ، واحتج بقوله : "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " ومعناه : ليس في حكم الله وحكم رسوله لزوم هذه الشروط ; لإباحة الله تعالى أربعا من الحرائر ، وإباحته ما شاء بملك اليمين ، وإباحته أن يخرج بامرأته حيث شاء ، فكل شرط يحظر المباح فهو باطل .

وسئل ابن القاسم عن الشروط التي تبطل النكاح إذا قارنته ، فقال : لا نزيد ، لا حصر لها في العدد ، فأما حصرها بالنفقة فبعضه يفسخ كلا نفقته ، وبعضه لا كأن لا يخرجها من دارها .

التالي السابق


الخدمات العلمية