التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 500 ] 64 - باب: الهدية للعروس

5163 - وقال إبراهيم : عن أبي عثمان -واسمه الجعد - عن أنس بن مالك ، قال : مر بنا في مسجد بني رفاعة ، فسمعته يقول : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها . ثم قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسا بزينب ، فقالت لي أم سليم : لو أهدينا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية فقلت لها : افعلي . فعمدت إلى تمر وسمن وأقط ، فاتخذت حيسة في برمة ، فأرسلت بها معي إليه ، فانطلقت بها إليه ، فقال لي : " ضعها " . ثم أمرني فقال : " ادع لي رجالا -سماهم - وادع لي من لقيت " . قال : ففعلت الذي أمرني ، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يديه على تلك الحيسة ، وتكلم بها ما شاء الله ، ثم جعل يدعو عشرة عشرة ، يأكلون منه ، ويقول لهم : " اذكروا اسم الله ، وليأكل كل رجل مما يليه " . قال : حتى تصدعوا كلهم عنها ، فخرج منهم من خرج ، وبقي نفر يتحدثون قال وجعلت أغتم ، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو الحجرات ، وخرجت في إثره فقلت : إنهم قد ذهبوا . فرجع فدخل البيت ، وأرخى الستر ، وإني لفي الحجرة ، وهو يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق [الأحزاب : 53 ] . قال أبو عثمان قال أنس إنه خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين . [انظر : 4791 - مسلم: 1428 - فتح: 9 \ 226 ] .


وقال إبراهيم -يعني : ابن طهمان - : عن أبي عثمان - واسمه الجعد - عن أنس بن مالك ، قال : مر بنا في مسجد بني رفاعة ، فسمعته يقول : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها . ثم قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسا بزينب ، فقالت لي أم سليم : لو أهدينا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية فقلت لها : افعلي . فعمدت إلى تمر وسمن وأقط ، فاتخذت حيسة في برمة ، فأرسلت بها معي . . الحديث .

[ ص: 501 ] هذا أخرجه هنا معلقا ، ثم وصله مرة بقوله : حدثنا الصلت بن محمد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن الجعد بن عثمان ، عن هشام ، عن محمد بن سنان بن ربيعة ، عن أنس ، ورواه مسلم عن قتيبة ، عن جعفر بن سليمان ، عن الجعد ، وعن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن معمر عن الجعد ، به . ورواه الترمذي في التفسير عن قتيبة بإسناده نحوه . وقال : حسن صحيح . ورواه النسائي ، عن أحمد بن حفص بن عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن أبي عثمان ، به ، وأخرجه هنا في موضعين ، والتفسير .

وفيه : ما ترجم له ، وهو الهدية للعرس ; من أجل أنه مشغول بأهله ، ومانع لها عن تهيئة الطعام واستعماله ; فلذلك استحب أن يهدى لهم طعام ; من أجل انشغالهم عنه بأول اللقاء ، كما كان هذا المعنى في الجنائز ; لاشتغالهم بالحزن حتى تسمى ذلك الطعام تعزية ، وكان الناس قديما يصنعونها ، فأقرها الإسلام .

وفيه : قبول الهدية .

وفيه : أن من سنة العروس إذا فضل عنده طعام أن يدعوا له من حضر إليه من إخوانه ; فيكون زيادة في الإعلان بالنكاح ; وسببا إلى صالح دعاء

[ ص: 502 ] الأكالين ; ورجاء البركة بأكلهم .

وفيه : علم من أعلام النبوة ، وهو أكل القوم الكثير من الطعام القليل . وفي مسلم : كانوا زهاء ثلاثمائة .

وفيه : أنه لا بأس بالصبر على الأذى من الصديق والجار ، والمعرفة والاستحياء منه ، لا سيما إذا لم يقصد الأذى ، وإنما كان عن جهل أو غفلة ، فهو أولى أن يستحيى منه لذلك .

وفيه : الهدية ولو قلت ; لأن المودة إذا صحت سقط التكليف وإن كانت قليلة ، فحال أم سليم أقل ، وقد شرع الباري تعالى قبول القليل من عباده على كثير نعمه عليهم .

وفيه : اتخاذ الوليمة بعد الدخول كما قال ابن العربي وابن التين ، وهي إنما كانت قبله عند إرادته .

وفيه : دعاء الناس إلى الوليمة بغير تسمية ولا تكلف ، وهي السنة ، لا بالوجوه . وفي الحديث : "ادع لي رجالا -سماهم - وادع من لقيت " .

وفيه : خروجه - عليه السلام - ودخوله ، ولم يقل لمن كان جالسا : اخرج . وهو دال على حسن المعاملة في المجالسة حتى يفطن الجليس لما يراد منه بالكناية دون التصريح ; لفرط حيائه - عليه السلام - .

وفيه : إذن في تكلم المرأة في الحاجة دون الحجاب ، وليس كلامها عورة في هذا المقدار بل رخصة من الله .

وفيه : التسمية على الأكل .

[ ص: 503 ] فصل :

معنى : (مر بجنبات أم سليم ) أي : نواحيها ، والجنبات : النواحي ، ويحتمل أن يكون مأخوذا من الجناب ، وهو الفناء ، وكأنه يقول : إذا مر بفنائها . وقوله : (وهو غاص بأهله ) . أي : ممتلئ . وقوله : (فبقي نفر يتحدثون ) . النفر من الثلاثة إلى العشرة . وفي رواية : أنهم ثلاثة . وفي أخرى : اثنان . وقول أنس : إنهم قد ذهبوا . وقال قبل هذا : إنهما رجلان . ولا أدري آخبرته أم أخبر بخروجهما ، ويحتمل أن يكون حدث على الشك بعد ذلك ، أو حدث أنه هو المخبر ثم طوى عليه الشك .

وفي الترمذي : وجلس طوائف يتحدثون في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله : ( ناظرين إناه ) . أي : إدراكه ونضجه .

وقوله : وقال أنس : إنه خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين . قلت : وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن عشرين ، مات سنة ثلاث أو اثنين وتسعين . وقد نيف على المائة بزيادة سنتين أو ثلاث . وجاء في باب الوليمة حق : فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشيت معه ، حتى جاء عتبة حجرة عائشة .

العتبة : -بفتح التاء - أسكفة الباب . وسلف الخلاف في وجوب الوليمة ، وأن الأظهر عند الشافعية أنها سنة ، وفي قول أو وجه : واجبة ، وهو مذهب أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية