التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4871 [ ص: 506 ] 67 - باب: الوليمة حق

وقال عبد الرحمن بن عوف : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أولم ولو بشاة " [2048 ]

5166 - حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثني الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فخدمته عشر سنين ، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشرين سنة ، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب ابنة جحش ، أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - بها عروسا ، فدعا القوم فأصابوا من الطعام ، ثم خرجوا وبقي رهط منهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطالوا المكث ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا ، فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشيت ، حتى جاء عتبة حجرة عائشة ، ثم ظن أنهم خرجوا ، فرجع ورجعت معه ، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا ، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجعت معه ، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة ، وظن أنهم خرجوا ، فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينه بالستر ، وأنزل الحجاب . [انظر : 4791 - مسلم: 1428 - فتح: 9 \ 230 ] .


(وقال عبد الرحمن بن عوف : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أولم ولو بشاة" ) سلف مسندا غير مرة .

ذكر فيه حديث أنس بن مالك أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فخدمته عشر سنين ، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشرين سنة ، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب ابنة جحش . . الحديث .

[ ص: 507 ] الشرح :

هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البيهقي من حديث أنس مرفوعا : "الوليمة في أول يوم حق ، وفي الثاني معروف ، وفي الثالث رياء وسمعة " ثم قال : ليس بقوي فيه بكر بن خنيس ، تكلموا فيه .

قلت : قال فيه ابن معين مرة : شيخ صالح لا بأس به ، إلا أنه يروي عن ضعفاء ، ويكتب من حديثه الرقاق . وقال العجلي : كوفي ثقة . وقال الجوزجاني : لا بأس به [في ] السير وحسن له الترمذي حديث : "عليكم بقيام الليل " .

وخرج الحاكم حديثه في "مستدركه " ، وذكر ابن أبي حاتم أن مروان بن معاوية الفزاري رواه عن عوف ، عن الحسن ، عن أنس مثله مرفوعا . وقال أبوه : إنما هو الحسن ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مرسل .

[ ص: 508 ] ورواه أبو الشيخ من حديث مجاهد ، عن أبي هريرة مرفوعا : "الوليمة حق وسنة ، فمن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله ، والخرص والعذار والتوكير أنت فيه بالخيار " قال : فقلت : ما أدري ما الخرص . قال : طعام الولادة . والعذار : طعام الختان . والتوكير : الرجل في القوم ، أو يبني الدار ، فيصنع طعاما يدعوهم ، فهو بالخيار ، إن شاء أجاب وإن شاء قعد .

وفي مسند أحمد من حديث الحسن ، عن عثمان بن أبي العاصي ودعي إلى ختان فأبى أن يجيب ، فقيل له ، قال : إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ندعى له .

وروى ابن أبي شيبة ، عن جرير ، عن ليث ، عن نافع : كان ابن عمر يطعم على ختان الصبي ، وروي عن الحسن من وجوه .

قال ابن بطال : وقوله : "الوليمة حق " يعني : أن الزوج يندب إليها وتجب عليه وجوب سنة وفضيلة ، قال : ولا أعلم أحدا أوجبها فرضا ، وإنما هي على قدر الإمكان والوجود لإعلان النكاح .

[ ص: 509 ] وفي حديث آخر عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - أشبع المسلمين خبزا ولحما في وليمة زينب . وقد روى مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه قال : لقد بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم .

وهذه الوليمة كانت على صفية بنت حيي في السفر مرجعه من خيبر ، قيل لأنس : فبأي شيء أولم ؟ قال : بسويق وتمر .

قلت : قوله : (ولا أعلم ) . إلى آخره قد علمه غيره .

فللشافعي قول أنها واجبة ، وقد أسلفناه عن أحمد أيضا ، وهو مشهور مذهب مالك كما قاله القرطبي . وفي حديث ابن بريدة ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يا علي ، لابد للعرس من وليمة " .

وقال ابن حزم : فرض على كل من تزوج أن يولم بما قل أو كثر .

قال : وهو قول أبي سليمان وأصحابنا .

وما أسلفناه عن أحمد ذكره ابن التين .

وأما ابن قدامة فقال في "المغني " : يستحب لمن تزوج أن يولم ولو

[ ص: 510 ] بشاة . ولا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة ، وليس بواجبة في قول أكثر أهل العلم . وقال بعض أصحاب الشافعي : هي واجبة ; لأنه - عليه السلام - أمر بها عبد الرحمن ; ولأن الإجابة إليها واجبة ، فكانت واجبة . ولنا أنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة ، والخبر محمول على الاستحباب ; بدليل ما ذكرنا وكونه أمر بشاة ، (فلا ) خلاف أنها لا تجب ، وما ذكروه من المعنى لا أصل [له ] ، ثم هو باطل .

فرع :

الإجابة إليه فرض عين ، وقيل : كفاية . وقيل : سنة .

قال ابن حزم : فرض على من دعي إلى وليمة أو طعام فليجب ، إلا من عذر ، فإن كان مفطرا ففرض عليه أن يأكل ، فإن كان صائما فليدع الله لهم .

قال : فإن قلت : فقد رويتم من طريق سفيان -يعني الحديث المخرج عند مسلم - عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا : "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك " .

قلت : أبو الزبير لم يذكر في هذا أنه سمعه من جابر ، ولا هو من رواية الليث عنه ; فبطل الاحتجاج به ، ولو صح لكان الخبر الذي فيه إيجاب الأكل زائدا على هذا ، وزيادة العدل مقبولة لا يحل تركها . وعنده أن الأكل واجب .

[ ص: 511 ] وقال عياض : لم يختلف العلماء في وجوب الإجابة في وليمة العرس ، واختلفوا فيما عداها .

قلت : قاله قبله أبو عمر أيضا ، أجمعوا على وجوب الإتيان إلى الوليمة في العرس ، واختلفوا فيما سوى ذلك ، والخلاف ثابت في مذهبنا كما سلف .

قال عياض : ولا خلاف أنه لا حد لأقلها ولا لأكثرها .

وقال المهلب : اختلاف فعله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الولائم المختلفة يدل على أنه يجب على قدر الشأن في ذلك الوقت .

وفي البخاري في باب : من أولم بأقل من شاة أيضا أنه أولم على بعض نسائه بمدين من شعير ، وعلى زينب بشاة ، وعلى صفية فيما ذكره ابن أبي حاتم ، عن جابر : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف تمر عجوة ، فقال : "كلوا من وليمة أمكم " .

وعند أبي الشيخ من حديث علي بن يزيد ، عن أنس - رضي الله عنه - : شهدت عرسات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم أر فيها عرسا أفضل من عرس صفية ، جيء بكبش من الخمس ودقيق شعير ، فأكلنا ، وسائر عرساته يبسط لنا نطع فينثر عليه زبيب أو تمر ، فنأكل .

وقد أسلفنا أن الوليمة على صفية لم يكن فيها لحم ، إنما هو الحيس فيما رواه البخاري وغيره ، وعند ابن حبان : بسويق وتمر .

[ ص: 512 ] وليس في قوله لعبد الرحمن بن عوف : "أولم ولو بشاة " منعا لما دون ذلك ، وإنما جعل الشاة غاية في التقليل ; ليساره وغناه ، وأنها مما يستطاع عليها ولا تجحفه ; ألا ترى أنه أولم على صفية بحيس كما سلف ليس فيها خبز ولا لحم ، وأولم على غيرها بمدين من شعير ، ولو وجد حينئذ شاة لأولم بها ; لأنه كان أجود الناس وأكرمهم .

قلت : ويحتمل أنه قال له ذلك لعسر الصحابة حين هجرتهم ، وكان أول قدومه ، فلما توسعوا بفتح خيبر وشبه ذلك أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحيس وشبهه ; ليبين الجواز . ويؤخذ من حديث ابن عوف الوليمة بعد البناء مطلقا غير مقيدة وقد سلف ويأتي .

فصل :

حقيقة الوليمة : الطعام المتخذ للعرس مشتقة من الولم ، وهو الاجتماع لاجتماع الزوجين ، قاله الأزهري وغيره .

قال ابن الأعرابي : أصلها تمام الشيء واجتماعه ، والفعل منه : أولم .

وفي "المحكم " : هي طعام العرس والإملاك . وقيل : هي كل طعام صنع لعرس ، وغيره . قال الشافعي : كل دعوة دعي إليها رجل ، والختان ، وحادث سرور من تركها لم يبن لي أنه عاص كما تبين في وليمة العرس ، قال : ولا أحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب إلى دعوة في غير وليمة ، ولا أعلمه أولم على غير عرس .

[ ص: 513 ] والوليمة أنواع ذكرتها في "لغات المنهاج " فراجعها .

فصل :

قوله في الحديث : (فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أي : يحملنني ويبعثنني على ملازمة خدمته والمداومة عليها ، وروي بالطاء المهملة والهمز من المواطأة على الشيء على خدمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية