التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4881 5176 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرسه ، وكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس ، قال سهل : تدرون ما سقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أنقعت له تمرات من الليل ، فلما أكل سقته إياه . [انظر : 5182 ، 5183 ، 5519 ، 5597 ، 6685 - مسلم: 2006 - فتح: 9 \ 240 ] .


ذكر فيه أربعة أحاديث :

[ ص: 522 ] أحدها :

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " . وأخرجه مسلم .

ثانيها :

حديث أبي موسى - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "فكوا العاني ، وأجيبوا الداعي ، وعودوا المريض " .

وسلف في الجهاد في باب فكاك الأسير ; والعاني : الأسير .

ثالثها :

حديث أبي الأحوص ، عن الأشعث ، عن معاوية بن سويد ، قال : قال البراء بن عازب - رضي الله عنهما - : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ، ونهانا عن سبع . . الحديث .

سلف في الجنائز ، وقال فيه : وعن المياثر والقسية . ثم قال : تابعه أبو عوانة والشيباني عن أشعث في إفشاء السلام .

وأبو الأحوص اسمه : سلام بن سليم الحنفي الكوفي ، مات سنة تسع وسبعين ومائة ، وفيها مات مالك ، وحماد بن زيد ، وخالد بن عبد الله الطحان .

والتسميت بالسين المهملة والمعجمة .

والمياثر : [ثياب ] حمر كانت من مراكب العجم ، كما قاله ابن فارس . وقال الداودي : هو ما يغشى به عيدان السرج من الأحمر .

[ ص: 523 ] والقسية : بتشديد السين ، ثياب يؤتى بها من مصر فيها الحرير .

والإستبرق : غليظ الديباج ، وغلط الداودي فقال : هو الحسن من رقته . وقيل : أصله استبره ، ونهى عنه تأكيدا له ، ثم حرم الديباج كله .

رابعها :

حديث سهل بن سعد قال : دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرسه ، وكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس . قال سهل : تدرون ما سقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أنقعت له تمرات من الليل ، فلما أكل سقته إياه .

ويأتي بعده . أخرجه مسلم أيضا .

و (أبو أسيد ) بضم الهمزة اسمه مالك بن ربيعة بن البدن ، وقيل : البدي ، وقيل : اسم البدن : عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ، أخ الأوس ، قيل : إنه آخر من مات من البدريين سنة ستين أو سنة خمس وستين ، له عقب بالمدينة وبغداد .

وأم أسيد هذه هي أم المنذر وأسيد ، واسمها : سلامة بنت وهب بن سلامة بن أمية ، ذكرها أهل النسب ولم يذكرها أحد من جملة الصحابة . وقد صح أن ابنها الذي حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جيء به إليه ; فدل أن لها صحبة لا جرم ذكرها الذهبي فيهم ، ولم يذكر اسمها فقال : أم أسيد الأنصارية امرأة أبي أسيد ، ذكر عرسها سهل بن سعد ، أخرجه البخاري .

[ ص: 524 ] وقولها : (أنقعت ) . قال الجوهري : نقع الماء في الموضع استنقع ، وأنقعني الماء : أرواني ، وأنقعت الشيء في الماء ، ويقال : طال إنقاع الماء واستنقاعه حتى اصفر .

وقوله : (وهي العروس ) . قال صاحب "العين " : رجل عروس في رجال عرس ، وامرأة عروس في نساء عراس ، قال : والعروس نعت استوى فيه المذكر والمؤنث ، ما داما في تعريسهما أياما إذا عرس أحدهما بالآخر ، وأحسن ذلك أن يقال للرجل : معرس ; لأنه قد أعرس ، أي : اتخذ عرسا .

إذا تقرر ذلك ، فالوليمة طعام العرس كما سلف . ونقل ابن بطال اتفاق العلماء على وجوب الإجابة إليها ، وسبقه إليه ابن عبد البر ، والخلاف فيه مشهور عندنا كما سلف ، وله شروط منها : ألا يكون هناك منكر ، وقد رجع (ابن مسعود ) (وابن عمر ) لما رأيا التصاوير -كما سيأتي - ومحل الخوض فيها كتب الفروع .

[ ص: 525 ] والمراد بإجابة الداعي في العرس ، قال مالك : ذلك في العرس خاصة ; لإفشاء النكاح ، وكره لأهل الفضل أن يجيبوا للطعام يدعون إليه ، يريد في غير العرس .

وهو ما اختلف فيه العلماء في غير العرس من الدعوات ، فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه : يجب إتيان وليمة العرس ، ولا يجب إتيان غيرها من الدعوات .

وقال الشافعي : إجابة وليمة العرس واجبة ، ولا أرخص في ترك غيرها مثل : النفاس ، والختان ، وحادث سرور . ومن تركها فليس بعاص .

وقال أهل الظاهر : كل دعوة فيها طعام واجب .

حجتهم حديث أبي موسى والبراء - رضي الله عنهما - ، وهما عامان في كل دعوة ، وتأوله مالك والكوفيون على العرس خاصة ; بدليل حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - قال : "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " . وأخرجه مسلم أيضا .

وفي رواية له : "إذا دعي أحدكم فليجب ، عرسا كان أو نحوه " . وله : "إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا " .

ولابن ماجه : "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " .

[ ص: 526 ] ولأبي الشيخ : "من دعاكم فأجيبوه " . وهو مفسر ، وفيه بيان وتفسير ما أجمل - عليه السلام - في قوله : "أجيبوا الداعي " . والمفسر يقضي على المجمل .

قال ابن حبيب : وقد أبيحت الوليمة أكثر من يوم ، وأولم ابن سيرين ثمانية أيام ، ودعا في بعضها أبي بن كعب ، كذا ذكره ابن بطال : ابن سيرين .

والذي أخرجه البيهقي وغيره : سيرين ، كما ستعلمه .

وكره قوم ذلك أياما وقالوا : اليوم الثاني فضل والثالث سمعة .

وأجاب الحسن رجلا دعاه في اليوم الثاني ، ثم دعاه في الثالث فلم يجبه ، وفعله ابن المسيب وحصب الرسول . أخرجه أبو داود وفي رواية : قال : أهل رياء وسمعة .

وقال ابن مسعود : نهينا أن نجيب من يرائي بطعامه .

وقول من أباحها بغير توقيت أولى ; لقول البخاري : ولم يوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ولا يومين . وذلك يقتضي الإطلاق ومنع التحديد ; إلا بحجة يجب التسليم لها .

ولم يرخص العلماء للصائم في التخلف عن إجابة الوليمة . وقال الشافعي : إذا كان المجيب مفطرا أكل ، وإن كان صائما دعا . واحتج بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

[ ص: 527 ] "إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل " أخرجه مسلم . أي : فليدع .

وفعله ابن عمر ومد يده وقال : بسم الله كلوا ، فلما مد القوم أيديهم ، قال : كلوا فإني صائم .

وقال قوم : ترك الأكل مباح ، وإن لم يصم أجاب الدعوة ، وقد أجاب علي بن أبي طالب ولم يأكل ، وقال مالك : أرى أن يجيبه في العرس وحده إن لم يأكل أو كان (صائما ) . وحجته : حديث جابر السالف .

فصل :

ذكر في الترجمة : الوليمة سبعة أيام . ولم يأت به في الحديث ، وقصد الرد على من أنكر اليوم الثالث ، فاستدل على ذلك بإطلاق إجابة الداعي من غير تقييد ، فاندرج فيه السبعة المدعى أنها ممنوعة ، روى ابن أبي شيبة عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن حفصة قالت : لما تزوج أبي سيرين دعا الصحابة سبعة أيام ، فلما كان يوم الأنصار دعاهم وفيهم : أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت .

قال هشام : وأظنها قالت : ومعاذ ، فكان أبي صائما ، فلما طعموا دعا أبي وأمن القوم .

[ ص: 528 ] وأخرجه البيهقي من حديث محمد عن حفصة أن سيرين عرس بالمدينة ، فأولم فدعا الناس سبعا ، وكان ممن دعا أبي بن كعب ، وهو صائم ، فدعا لهم بخير وانصرف . وكذا ذكره حماد بن زيد ، إلا أنه لم يذكر حفصة في إسناده . وقال معمر عن أيوب : ثمانية أيام . والأول أصح .

وقال الداودي : جاء أن الوليمة سبعة أيام . ودل أن فوقه رياء وسمعة ، وسيأتي حديث أنها في اليوم الأول حق ، والثاني معروف ، والثالث رياء وسمعة . وفي حديث صفية أنه - عليه السلام - أقام في طريق خيبر ثلاثة أيام ، يبني عليه (بصفية ) عنده .

فصل :

وقوله : (ولم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما ولا يومين ) كأنه لم يصح عنده فيه حديث أنس السالف ، ومثله أحاديث أخر :

أحدها : حديث الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من بني ثقيف كان يقال : له معروف -أي : يثنى عليه خير ، إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه - أنه - عليه السلام - قال : "الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، واليوم الثالث رياء وسمعة " أخرجه أبو داود ، ولما ذكر البخاري في "تاريخه الكبير " زهيرا هذا قال : لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة .

[ ص: 529 ] وقال ابن عمر وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دعي إلى الوليمة فليجب " . ولم يخص ثلاثة أيام من غيرها ، وهذا أصح .

قال أبو عمر : في إسناده نظر يقال : إنه -يعني حديثه - هذا مرسل ، وليس له غيره .

وقال الباوردي : روي عنه حديث واحد لم يثبت : "الوليمة أول يوم حق " اختلف أصحاب الحسن عنه في رواية هذا الحديث ، وليس يعرف في الصحابة .

قلت : قد ذكره فيهم أبو حاتم الرازي والبستي وأبو نعيم والفلاس وابن زبر وابن قانع والعسكري والأزدي والترمذي وابن السكن ، وذكره أيضا ابن أبي خيثمة في "تاريخه الأوسط " ، والبغويان ، وأحمد في "مسنده الكبير " ، وابن عبسة وقال : لا أعلم لزهير غيره . وأبو نعيم وابن منده ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ، وذكر غير واحد أن الحسن روى عنه . ودخول عبد الله بن عثمان بينهما لا يضره ; لأنه معدود أيضا من الصحابة عند أبي موسى المديني ، وقال أبو القاسم الدمشقي : أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واستشهد باليرموك . وقد رواه النسائي عن الحسن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، فاعتضد .

[ ص: 530 ] ثانيها : حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "طعام أول يوم حق ، وطعام يوم الثاني سنة ، وطعام يوم الثالث سمعة ، ومن سمع سمع الله به " أخرجه الترمذي ، وقال : لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله البكائي ، وزياد كثير الغرائب والمناكير . وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة قال : قال وكيع : زياد مع شرفه (يكذب ) في الحديث .

قلت : هو من فرسان الصحيحين ، وأثنى عليه جماعة .

ثالثها : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، والثالث رياء وسمعة " أخرجه ابن ماجه ; وفي إسناده عبد الملك بن حسين النخعي ، أبو مالك الواسطي ، استشهد به الحاكم ، وتكلم فيه غير واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية