التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4882 [ ص: 531 ] 72 - باب: من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله

5177 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . [مسلم : 1432 - فتح: 9 \ 244 ] .


حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن الأعرج -هو عبد الرحمن بن هرمز - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول : شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله .

هذا الحديث أخرجه هكذا موقوفا على أبي هريرة ، وأخرجه مسلم كذلك ، ومرة مرفوعا .

وقوله : (فقد عصى الله ورسوله ) . يقتضي رفعه ، وقد أخرجه أهل التصنيف في المسند كما أخرجوا حديث ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أنه قال : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " .

[ ص: 532 ] وحديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم ، ومثل هذا لا يكون رأيا ، وإنما كان توقيفا ، نبه على ذلك ابن بطال ، ومثله حديث عمار : "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " ، وكذا قال ابن عبد البر : ظاهره أنه موقوف من رواية الجمهور من أصحاب مالك ، إلا أن قوله : (فقد عصى الله ورسوله ) . يقتضي رفعه عندهم ، وقد رواه (روح بن القاسم ) عن مالك فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بئس الطعام طعام الوليمة " الحديث ، ورواه معمر عن الزهري عن ابن المسيب والأعرج عن أبي هريرة .

قال عبد الرزاق : وربما قال معمر في هذا الحديث : ومن لم يأت الدعوة ، فقد عصى الله ورسوله .

قال أبو عمر : وحديث أبي هريرة هذا مسند عندهم إلا رواية من رواه مرفوعا بغير إشكال مما يشهد لما ذكرنا .

ولأبي الشيخ : قال إبراهيم بن بشار الرمادي : قالوا لسفيان : هذا مرفوع . قال : لا ، ولكن فيه : فقد عصى الله ورسوله .

[ ص: 533 ] ولما ذكره الدارقطني في "الغرائب " من رواية لإسماعيل بن مسلمة بن قعنب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال . . الحديث ، قال : قال لنا أبو بكر النيسابوري : أخطأ إسماعيل هذا في رفعه ، وهو في "الموطأ " من كلام أبي هريرة . وقال في كتابه "المواطآت " : أسنده إسماعيل ، ولم يصنع شيئا .

قلت : أخرجه أبو الشيخ من حديث مخلد بن يزيد ، عن هشام ، عن محمد بن سيرين وعبد الله بن أبي مغيث قالا : ثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . فذكره . وعنده أيضا من طريق مجاهد ، عن أبي هريرة : الوليمة حق وسنة ، فمن دعي فلم يجب . . الحديث ، موقوفا ، ومن طريق العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله " ومن طريق عمران بن مسلم ، وإبراهيم الصائغ ، عن نافع عنه مرفوعا : "شر الطعام طعام الوليمة ; يدعى لها الغني ويترك الفقير ، ومن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله " . وأخرجه أبو داود من حديث درست بن زياد -وهو واه - عن أبان بن طارق ، ولا يعرف .

[ ص: 534 ] فصل :

قوله : (ومن ترك الدعوة ) . يريد -والله أعلم - : الإجابة .

وقوله : (فقد عصى الله ورسوله ) . هذا شديد والعصيان لا (يطلق ) إلا على ترك واجب وكأنه لما بغير الأمر عما كان عليه فأمر بها طاعة لله ولرسوله .

فصل :

من شروط الوجوب أن يعم بدعوته ، فإن خص الأغنياء ، فالإجابة غير واجبة عندنا ، وبه صرح ابن حبيب من المالكية ، كما سيأتي .

ولا خلاف بين الصحابة والتابعين في وجوب الإجابة إلى دعوة الوليمة -كما قاله ابن بطال - إلا ما روي عن ابن مسعود أنه قال : نهينا أن نجيب من يدعو الأغنياء ويترك الفقراء . وقد دعا ابن عمر في دعوته الأغنياء والفقراء ، فجاءت قريش والمساكين معهم ، فقال ابن عمر للمساكين : ها هنا اجلسوا ، لا تفسدوا عليهم ثيابهم ، فإنا سنطعمكم مما يأكلون .

قال ابن حبيب : ومن فارق السنة في وليمة فلا دعوة له ، ولا معصية في ترك إجابته . وقد حدثني (المغيرة ) أنه سمع سفيان الثوري يقول : إنما تفسير وجوب إجابة الدعوة إذا دعاك من لا يفسد عليك دينك ولا قلبك . ثم روى عن ابن مسعود قال : إذا اتخذت النجد ، وخص الغني ، وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب ; وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -

[ ص: 535 ] أنه كان يقول : أنتم العاصون في الدعوة ، تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتيكم . يعني بمن لا يأتي : الأغنياء ، ومن يأتيهم : الفقراء ، وليس يحرم الطعام بدعوة الأغنياء وترك الفقراء ، وإنما المحرم فعل صاحب الطعام فيه إذا تعمد ذلك .

فرع :

إذا حضر الوليمة فالأولى أن يبتدئ بالأكل منها من أمره الشارع بالبداءة ، روى أبو الشيخ من حديث ثابت بن ثوبان قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطعام فقال : "يؤم الناس في الطعام الأمير ، أو رب الطعام ، أو خيرهم " . ثم قال "خذ يا أبا عبيدة جزءا " ، وإنه كان صائما يومئذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية