التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
446 [ ص: 579 ] 72 - باب: كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان

458 - حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رجلا أسود -أو امرأة سوداء- كان يقم المسجد، فمات، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، فقالوا: مات. قال: "أفلا كنتم آذنتموني به، دلوني على قبره". أو قال: "قبرها". فأتى قبره فصلى عليه. [460، 1337 - مسلم: 956 - فتح: 1 \ 552] .


ساق فيه حديث حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رجلا أسود -أو امرأة سوداء- كان يقم المسجد، فمات، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، فقالوا: مات. قال: "أفلا كنتم آذنتموني به، دلوني على قبره". أو قال: "قبرها". فأتى قبره فصلى عليه.

الكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع، أخرجه قريبا في باب الخدم في المسجد، وفيه: أن امرأة أو رجلا كما وقع هنا، ثم قال: ولا أراه إلا امرأة، ويأتي في الجنائز أيضا، وجاء في بعض الروايات: أنها امرأة سوداء بغير شك.

[ ص: 580 ] وأخرجه مسلم بلفظ: أن امرأة أو شابا وفيه: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: "دلوني على قبره" فصلى عليه، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم".

قال البيهقي: الذي يغلب على القلب أن هذه الزيادة في غير رواية أبي رافع، عن أبي هريرة، فإما أن تكون عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا كما رواه أحمد بن عبدة ومن تابعه، أو عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه خالد بن خداش [عن حماد بن زيد، عن ثابت]، عن أبي رافع، عن أبي هريرة فلم يذكرها، قال: وروى حماد بن واقد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعد ثلاثة أيام، وحماد ضعيف، قال: وهذا التأقيت لا يصح البتة.

وفي "صحيح ابن حبان" من حديث خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما ورد البقيع إذا بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: فلانة. فعرفها وقال: "ألا آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك. قال: أفلا تفعلوا، (ألا) أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة له". ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعا.

[ ص: 581 ] وفي سماع خارجة من يزيد وقفة؛ لأن يزيد قتل باليمامة سنة ثنتي عشرة، وخارجة مات سنة مائة أو أقل عن سبعين سنة، وفي الدارقطني عن أنس أن رجلا كان ينظف المسجد فمات، فدفن ليلا فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبر فقال: "اطلبوا لي قبره" فذكره بالتنوير، كما سلف.

الثاني:

الحديث دال على الكنس -كما ترجم له- والتقاط ما ذكر في معناه ولازمه.

و(يقم المسجد) يكنسه، و(القمامة) بضم القاف: الكناسة.

الثالث:

فيه ما كان عليه من تفقد أحوال ضعفاء المسلمين وما جبل عليه من التواضع والرأفة والرحمة، والتنبيه على أنه لا ينبغي احتقار مسلم ولا تصغير أمره.

الرابع:

فيه جواز الصلاة على القبر، وهي مسألة خلافية، جوزه طائفة، منهم: علي، وأبو موسى، وابن عمر، وعائشة، [ ص: 582 ] وابن مسعود، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.

ومنعه آخرون منهم: أبو حنيفة، والنخعي، والحسن، ومالك، والثوري، والليث.

وتوسط بعضهم فقيد الجواز بما إذا لم يصل الولي أو الوالي، وتمسكوا بظاهر الحديث فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليه وخصوا ذلك بالشارع؛ لأجل تنويره وغيره ليس كهو.

ثم اختلف من قال بالجواز إلى كم يجوز؟ فقيل: إلى شهر. وقيل: ما لم يبل جسده. وقيل: أبدا، والمسألة مبسوطة في الفروع، وسيكون لنا عودة إليها في الجنائز إن شاء الله وقدره.

الخامس:

فيه الحض على كنس المسجد وتنظيفه، وأنه ذكر في معرض الصلاة عليه بعد الدفن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كنس المسجد، ذكر ابن أبي شيبة عن وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن يعقوب بن زيد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتبع غبار المسجد بجريدة، وعن وكيع، حدثنا كثير بن زيد، عن [ ص: 583 ] المطلب بن عبد الله بن حنطب أن عمر أتى مسجد قباء على فرس له، فصلى فيه، ثم قال: يا يرفأ، ائتني بجريدة. فأتاه بجريدة فاحتجز عمر بثوبه ثم كنسه.

السادس:

فيه خدمة الصالحين والتبرك بذلك، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب وافتقاده، والرغبة في شهادة جنائز الصالحين، وجواز الصلاة في المقبرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية