التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4886 [ ص: 539 ] 76 - باب: هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة ؟

ورأى ابن مسعود صورة في البيت ، فرجع . ودعا ابن عمر أبا أيوب - رضي الله عنهم - ، فرأى في البيت سترا على الجدار ، فقال ابن عمر : غلبنا عليه النساء ، فقال : من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك ، والله لا أطعم لكم طعاما ، فرجع .

5181 - حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك ، عن نافع ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بال هذه النمرقة ؟ " . قالت : فقلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم " . وقال : " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة " . [انظر : 2105 - مسلم: 2107 - فتح: 9 \ 249 ] .


ثم ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها - في النمرقة .

وقد سلف في البيع .

والنمرقة بضم النون ، وحكي كسرها . والنمرق أيضا : وسادة صغيرة ، وربما سموا الطنفسة التي فوق الرجل نمرقة ، ويقال : نمروق أيضا ، وقيل : المرافق ، وقيل : المجالس ، ولعله يعني : الطنافس وشبهها ، ومثل حديث عائشة حديث علي - رضي الله عنهما - ، أخرجه النسائي من حديث قتادة ، عن ابن المسيب ، عنه : دعوت النبي - صلى الله عليه وسلم -

[ ص: 540 ] فدخل ، فرأى سترا فخرج وقال "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير "
. ولأبي داود من حديث سفينة نحوه ، وقال : "إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مرقوما " .

وهذه الأحاديث دالة على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله عنه ورسوله ، وما كان مثله من المناكير ، ألا ترى أنه - عليه السلام - رجع من بيت عائشة حين رأى النمرقة بالتصاوير ، وقد حكي الوعيد في المصورين أنهم أشد الناس عذابا ، وأنه يقال : أحيوا ما خلقتم ، فلا ينبغي حضور المنكر والمعاصي ، ولا مجالسة أهلها عليها ; لأن ذلك إظهار للرضى بها ، ومن كثر سواد قوم فهو منهم ، ولا يأمن فاعل ذلك حلول سخط الرب جل جلاله ، وعقابه عليهم ، وشمول لعنته لجميعهم .

وفي أبي داود من حديث جعفر بن برقان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مطعمين : عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه . قال أبو داود : هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري ، وهو منكر . وللنسائي من حديث جابر رفعه : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " . ولأحمد مثله من حديث القاسم بن

[ ص: 541 ] أبي القاسم
، عن قاص الأجناد بالقسطنطينة ، عن عمر ، به .

وروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن الرجل يدعى إلى الوليمة وفيها شراب ، أيجيب الدعوة ؟ قال : لا ; لأنه أظهر المنكر .

وقال الشافعي : إذا كان في الوليمة خمر أو منكر ، وما أشبهه من المعاصي نهاهم ، فإن انتهوا وإلا رجع ، وإن علم أن ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب .

وقال مرة : وإذا دعي إلى الوليمة وفيها المعصية نهاهم ، فإن نحوا ذلك عنه ، وإلا لم أحب له أن يجلس ، فإن رأى صورا ذات أرواح لم يدخل إن كانت منصوبة لا توطأ ، فإن كانت توطأ أو كانت صورا غير ذات أرواح ، فلا بأس أن يدخل .

وقال الطحاوي : لم نجد عن أصحابنا في ذلك شيئا إلا في إجابة دعوة وليمة العرس خاصة ، فإنها تجب عندهم ، قال : وقد يقال : إن طعام الوليمة إنما هو طعام العرس خاصة .

واختلفوا في اللهو واللعب يكون في الوليمة ، فقال الليث : إذا كان فيها الضرب بالعود واللهو فلا ينبغي أن يشهدها . ورخص في ذلك الحسن .

قال ابن القاسم : وإن كان فيها لهو كالمزامير والعود فلا يدخل . وعن مالك : إذا دعي ورأى لهوا خفيفا مثل الدف والكبر فلا يرجع . وقال أصبغ : أرى أن يرجع . وذكر ابن المواز عن مالك قال : إذا

[ ص: 542 ] رأى أحدا من اللعابين فليخرج ، مثل أن يجعل ضاربا على جبهته أو يمشي على حبل .

وقال ابن وهب عن مالك : لا أحب لذي الهيئة أن يحضر اللعب .

قيل له : فالكبر والمزمار وغيره من اللهو ينالك سماعه وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس ؟ قال : فليقم عن ذلك المجلس ، وقد رجع ابن مسعود في وليمة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "من كثر سواد قوم فهو منهم " .

وقد مر ابن عمر بزمر ، فجعل إصبعيه في أذنيه ومشى ، وجعل يقول لنافع : أتسمع شيئا ، قال : لا ، فنحى يديه ، ثم قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع زمارة راع ، ففعل مثل ما فعلت . أخرجه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه " . وقال أبو داود : حديث منكر .

وقال أبو حنيفة : إذا حضر الوليمة فوجد فيها اللعب ، فلا بأس أن يقعد يأكل .

[ ص: 543 ] وقال محمد : إذا كان الرجل ممن يقتدى به فأحب لي أن يرجع .

وروي أن الحسن وابن سيرين كانا في جنازة وهناك نوح ، فانصرف ابن سيرين ، فقيل ذلك للحسن ، فقال : إن كنا متى رأينا باطلا تركنا حقا ; أسرع في ديننا .

واحتج الكوفيون في إجازة حضور اللعب بأنه - عليه السلام - رأى لعب الحبشة ، ووقف له ، وأراه عائشة ، وضرب عنده في العيد بالدف والغناء ، فلم يمنع من ذلك .

وحجة من كرهه أنه - عليه السلام - لما لم يدخل البيت الذي فيه الصورة التي نهى عنها ، فكذلك كل ما كان مثلها من المناكير .

التالي السابق


الخدمات العلمية