التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4935 5233 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، عن أبي معبد، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم". فقام رجل فقال: يا رسول الله امرأتي خرجت حاجة واكتتبت في غزوة كذا وكذا. قال: "ارجع فحج مع امرأتك". [انظر: 1862 - مسلم: 1341 - فتح: 9 \ 333].


ذكر فيه حديث أبي الخير -واسمه: مرثد بن عبد الله اليزني - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والدخول على النساء". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".

وحديث أبي معبد - نافذ، مات سنة أربع ومائة، من أفضل موالي ابن عباس - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم". فقام رجل فقال: يا رسول الله، امرأتي خرجت حاجة واكتتبت في غزوة كذا وكذا. قال: "ارجع فحج مع امرأتك".

الشرح:

الحديث الأول أخرجه مسلم والترمذي والنسائي ، والثاني سلف

[ ص: 128 ] في الحج . وفي مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي، أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر -وهي تحته يومئذ- فرآهم، فكره ذلك، فذكره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال وهو على المنبر: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على المغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان" .

وفيه فائدة جليلة: وهو بيان هذا القول إما في أوائل سنة تسع أو قبلها; لأن جعفرا قتل عن أسماء في جمادى الأولى سنة ثمان.

وأما ابن العربي: فقال: يحمل هذا على أنه كان قبل نزول الحجاب; لأن الحجاب لما نزل (انتسخ) النهي بأعظم منه . وقد يقال: الدخول غير الخلوة. وللترمذي من حديث مجالد، عن الشعبي، عن جابر، يرفعه: "لا تلجوا على المغيبات; فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم". ثم قال: غريب . قلت: وهذا حكمة النهي، ولأحمد: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان" . وللترمذي -وقال: حسن صحيح- عن عمرو بن العاصي أنه - عليه السلام - نهانا -أو نهى- أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن .

[ ص: 129 ] "ولابن جرير في "تهذيبه": نهينا أن نكلمهن إلا عند أزواجهن. ولابن حبان، عن عمر، مرفوعا: "لا يخلون أحدكم بامرأة; فإن الشيطان ثالثهما" ولأحمد من حديث عامر بن ربيعة يرفعه: "ألا لا يخلون أحدكم بامرأة لا تحل له، فإن ثالثهما الشيطان إلا مع ذي محرم، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد" . وللدارقطني من حديث أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن، عن علي - رضي الله عنه -: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نكلم النساء إلا بإذن أزواجهن. ثم قال: رواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن أبي جعفر، عن علي - رضي الله عنه - .

فصل:

قوله: (يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"). قال أبو عبيد: يقال: فليمت ولا يفعلن ذلك. فإن كان هذا رأيه في أبي الزوج وهو محرم، فكيف بالغريب؟ وقال ابن الأعرابي -وحكاها ثعلب عنه أيضا-: هذه كلمة تقولها العرب كما تقول: الأسد الموت. أي: لقاؤه مثل الموت. وكما يقولون: السلطان نار. فالمعنى: أن خلوة الحمو معها أشد من خلوة غيره من البعداء; ولذلك جعله كالموت. أي: احذروه كما يحذر الموت . قلت: والعرب إذا أرادت تكره الشيء إلى الموصوف [له قالوا:] ما هو إلا الموت، كقول الفرزدق لجرير:

[ ص: 130 ]

فإني أنا الموت الذي هو واقع بنفسك فانظر كيف أنت مزاوله



قال الأصمعي: الأحماء من قبل الزوج، والأختان من قبل المرأة، والأصهار تجمعهما. زاد ابن بطال عنه: والحماة أم الزوج، و (الختنة) : أم المرأة .

ونقل ابن بري في "إيضاحه" عنه: الأحماء من قبل المرأة. زاد الخطابي بعد أن نقل الأول: لا يختلف أهل اللغة في ذلك، قال: وجرى في ذلك بعض الفقهاء على عرف العامة، فقال: إذا أوصى إلى أختانه دفع إلى أزواج بنات الموصي وأخواته، وكل من يحرم عليه من ذات رحم محرم، وهو قول محمد بن الحسن .

وانظر كيف يصح أن يقال: هو أبو الزوج ثم يمنعه، فالله تعالى يقول: أو آبائهن أو آباء بعولتهن [النور: 31]. وقال أبو عبد الملك: معناه: أنه لا يوجد من الحمو بد كما لا يوجد من الموت بد.

وقال الخطابي: معناه: احذروا الحمو كما تحذرون الموت .

وقال الترمذي: الحمو: أخو الزوج .

وقال الداودي وابن فارس مثل قول أبي عبيد، أنه أبو الزوج، زاد ابن فارس: وأبو امرأته .

[ ص: 131 ] قال الداودي: يحتمل أن يحذر من دخوله أو يكره الاسم بتسمية الموت; لأن الحمام: الموت. وهذا لا معنى له; لأن الحمام لامه ميم، والحمو لامه واو، فكيف يكونان واحدا، ووزن حمو مثل دلو.

وقال الأصمعي هو مهموز، مثل: كمأ. وقال ابن سيده: الحمأ والحما: أبو زوج المرأة. وقيل: الواحد من أقارب الزوج والزوجة، وهي أقلهما . قلت: يؤيد الثاني قول عائشة - رضي الله عنها -: ما كان بيني وبين علي إلا ما كان بين المرأة وأحمائها .

وقال القرطبي: جاء الحمؤ هنا مهموزا، والهمز أحد لغاته، ويقال فيه: حمو، بواو مضمومة متحركة كدلو، حما مقصور كعصا، والأشهر فيه أنه من الأسماء الستة المعتلة المضافة، التي تعرب في حال إضافتها إلى غير ياء المتكلم بالواو رفعا، وبالألف نصبا، وبالياء حفضا . وعلى قول الأصمعي أنه مهموز إعرابه بالحركات كالأسماء الصحيحة، ومن قصره لا يدخله سوى التنوين رفعا ونصبا وجرا إذا لم يضف. وحكى عياض: هذا حمؤك، بإسكان الميم وهمزة مرفوعة وجاء: حم كأب.

قال: ومعناه: الخوف منه أكثر من غيره; لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي. والمراد بالحمو هنا: غير آباء الزوج وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها، ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد

[ ص: 132 ] الأخ، وابن الأخ، والعم وابنه، ممن ليس بمحرم، وعادة النساء المساهلة فيه. وأما ما ذكره المازري أو حكاه، أن المراد به أبو الزوج. وقد سلف عن أبي عبيد أيضا، فرده النووي وقال: إنه فاسد مردود، لا يجوز حمل الكلام عليه .

وفي "مجمع الغرائب": يحتمل أن يريد بالحديث أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة، ولا يؤمن عليها أحد، فليكن حموها الموت، أي: لا يجوز أن يدخل عليها أحد إلا الموت، كما قال الآخر: والقبر صهر ضامن، وهو متجه لائق بكمال الغيرة والحمية. وعبارة الطبري: الحمو عند العرب: كل من كان من قبل الزوج، أخا كان أو أبا أو عما، فهم الأحماء.

فأما (أم) الزوج فكان الأصمعي يقول: هي حماة الرجل، لا يجوز غير ذلك، ولا لغة فيها غيرها. وإنما عنى بقوله: "الحمو الموت" أي: خلوة الحمو بامرأة أخيه، أو امرأة ابن أخيه، (أو امرأة ابن أخته) ، بمنزلة الموت، لمكروه خلوته بها. واستبعد مقالة أبي عبيد السالفة، وإنما الوجه ما قاله ابن الأعرابي، ومن هذا الباب قوله تعالى: ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت [إبراهيم: 17] أي: مثل الموت في الشدة والكراهية، ولو أراد نفس الموت لكان قد مات. وقال عامر بن فهيرة: لقد وجدت الموت قبل ذوقه .

[ ص: 133 ] فصل:

معنى الحديث: أن الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين، فجعله كهلاك الموت، فورد الكلام مورد التغليظ، قاله عياض .

وعبارة القرطبي معناه: أنه يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه .

فصل:

نهى عن الدخول على المغيبة صهرا وغيره; خوف الظنون ونزغات الشيطان; لأن الحمو قد يكون من غير ذوي المحارم، وإنما أباح للمرأة الخلوة بالمحرم، كما نبه عليه المهلب.

فصل:

(المغيبة) في الحديث، وترجمة البخاري -بضم الميم وكسر الغين المعجمة، ثم مثناة تحت، ثم باء موحدة، ثم هاء-: من غاب الرجل عن منزلها، سواء أكان في البلد أو مسافرا.

فصل:

وبالنهي عن الدخول قال جماعة من الصحابة والتابعين، روينا عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: إياكم والدخول على المغيبات: ألا فوالله إن الرجل ليدخل على المرأة، ولأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه [من] أن يزني، ولأن تخر من السماء إلى الأرض أحب إليها من أن

[ ص: 134 ] تزني، فما يزال الشيطان يخطب أحدهما إلى الآخر حتى يجمع بينهما .

وروينا عن عمرو بن العاصي أنه أرسل إلى علي يستأذنه -وكانت له حاجة إلى أسماء- فقيل: إنه ليس ثم علي، ثم أرسل إليه الثانية فقيل: هو ثم. فلما خرج إليه قال عمرو: إن لي إلى أسماء حاجة، قال: ادخل. قال: وما سألت عن علي وحاجتك إلى أسماء؟ فقال: إنا نهينا أن نكلمهن إلا عند أزواجهن .

وقال عمرو بن الملائي: ثلاث لا ينبغي للرجل أن يثق بنفسه عند واحدة منهن: لا يجالس أصحاب الزيغ فيزيغ قلبه بما أزاغ به قلوبهم، ولا يخلو رجل بامرأة، وإن دعاك صاحب سلطان إلى أن يقرأ عليك القرآن فلا تفعل. قال الطبري: فلا يجوز أن يخلو رجل بامرأة ليس لها محرم، في سفر ولا في حضر، إلا في حال لا يجد من الخلوة منها بدا، وذلك كخلوه بجارية امرأته التي تخدمه في حال غيبة مولاتها عنها، وقد رخص في ذلك الثوري.

فصل:

وفيه: كما قال المهلب: جواز (تبكيت) العالم (عن) الجواب

[ ص: 135 ] إلى المشترك من الأسماء على سبيل الإنكار للمسألة.

فصل:

قد أسلفنا لغات الحمو، وجمعها ابن بطال أيضا فقال: فيه لغات . قال صاحب "العين": الحما على مثال قفا: أبو الزوج وجميع قرابته، والجمع: أحماء، تقول: رأيت حماها ومررت بحماها. وتقول في هذه اللغة إذا أفرد: حمى .

وفيه لغة أخرى: حموك: مثل: أبوك. تقول: هذا حموها، ومررت بحميها، ورأيت حماها، فإذا لم تصفه سقطت الواو فتقول: حم، كأب.

وفيه لغة أخرى: حمء بالهمز كدفء عن الفراء، وحكى الطبري رابعة بترك الهمز.

فصل:

وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - إباحة الرجوع عن الجهاد إلى إحجاج المرأة; لأن فرضا عليه سترها وصيانتها، والجهاد في ذاك الوقت كان يقوم به غيره، فلذلك أمره - عليه السلام - أن يحج معها إذا لم يكن لها من يقوم بسترها في سفرها ومبيتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية