التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4967 5268 - حدثنا فروة بن أبي المغراء، حدثنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت النبي - صلى الله عليه وسلم - منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له. فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك لا. فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك؟ فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط. وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك. قالت تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على

[ ص: 248 ] الباب، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال: "لا". قالت: فما هذه الريح التي أجد منك. قال: "سقتني
حفصة شربة عسل". فقالت: جرست نحله العرفط فلما دار إلي قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي فيه". قالت: تقول سودة، والله لقد حرمناه. قلت لها: اسكتي.
[انظر: 4912 - مسلم: 1474 - فتح 9 \ 374].


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير أنه أخبره أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته ليس بشيء. وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . وقد سلف في سورة التحريم.

ثانيها:

حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة العسل. وقد سلفت هناك أيضا.

ثم ساقه من حديث عائشة أيضا مطولا وفيه أن قائل ذلك -أعني: أكلت مغافير- عائشة وسودة وفي آخره: فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي فيه". قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه. قلت لها: اسكتي. وسلف في النكاح ، وأخرجه مسلم أيضا .

[ ص: 249 ] أما ما ذكره البخاري عن ابن عباس: إذا حرم الرجل امرأته ليس بشيء. يعني: فليس مؤبدا تحريما وعليه كفارة يمين. وروي عنه أن فيه كفارة الظهار، وقد سلف.

وقال الطحاوي: روي في قوله تعالى: لم تحرم ما أحل الله لك [التحريم: 1] أنه - عليه السلام - قال: "لن أعود لشرب العسل" ولم يذكر يمينا، فالقول هو الموجب للكفارة، إلا أنه يوجب أن يكون قد كان هناك يمين لقوله تعالى: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [التحريم: 2] فدل هذا أنه حلف مع ذلك التحريم .

وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: إنه حلف - عليه السلام - ألا يطأ مارية أم ولده، ثم قال بعد ذلك: "هي حرام" ثم أمره الله فكفر، فكانت كفارة ليمينه لا لتحريمه.

قال ابن المنذر: والأخبار دالة على أنه - عليه السلام - كان حرم على نفسه شربة من عسل، وحلف مع ذلك، فإنما لزمته الكفارة ليمينه لا لتحريمه ما أحل الله له، فلا حجة لمن أوجب فيه كفارة يمين.

قال المهلب: وهذه الآية لم تحرم ما لم يشرع فيه التحريم من المطاعم وغيرها والإماء، وأما الزوجات فقد شرع الله التحريم فيهن بالطلاق، وبألفاظ أخر مثل الظهار وغيره، فالتحريم فيهن بأي لفظ فهم أو عبر عنه لازم; لأنه مشروع، وغير ذلك من الإماء والأطعمة والأشربة وسائر ما يملك ليس فيه شرع على التحريم، بل التحريم فيه منهي عنه; لقوله تعالى: لم تحرم ما أحل الله لك [التحريم: 1] وهذه نعمة أنعم الله بها على محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأمته،

[ ص: 250 ] بخلاف ما كان في سائر الأديان، ألا ترى أن إسرائيل حرم على نفسه أشياء، وكان نص القرآن (يعطي) أن من حرم على نفسه شيئا، أن ذلك التحريم يلزمه، وقد أحل الله ذلك الوفاء إذا كان يمينا بالكفارة، فإن لم يكن بيمين لم يلزم ذلك التحريم، إنعاما من الله علينا وتخفيفا عنا.

وكذلك ألزمنا كل طاعة جعلناها لله على أنفسنا، كالمشي إلى البيت الحرام، ومسجد المدينة، والأقصى، وجهاد الثغور، والصوم، وشبه ذلك، (الوفاء) هذا لما فيه لنا من المنفعة، ولم يلزم ما حرمناه على أنفسنا، ألا ترى قوله تعالى: لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك [التحريم: 1] فلم يجعل لنبيه أن يحرم إلا ما حرم الله والله غفور رحيم [التحريم: 1] أي: قد غفر لك ذلك التحريم.

وفيه من الفقه: أن إفشاء السر وما تفعله المرأة مع زوجها ذنب ومعصية يجب التوبة منه; لقوله تعالى: إن تتوبا إلى الله [التحريم: 4] ويحتمل: إن تتوبا إلى الله من هذا الذنب، ومن التظاهر عليه في الغيرة والتواطؤ على منعه ما كان له من ذلك الشراب.

وفيه: دليل أن ترك أكل الطيبات لمعنى من معاني الدنيا لا يحل، فإن كان ورعا وتأخيرا لها إلى الآخرة كان محمودا.

والمغافير والعرفط سلفا في سورة التحريم.

وعبارة ابن بطال هنا: المغافير شبيه بالصمغ، يكون في الرمث، فيه حلاوة تطيب نكهة آكله، يقال: أغفر الرمث: إذا ظهر فيه. واحدها:

[ ص: 251 ] مغفور. وقال "صاحب العين": جرست النحل العسل، تجرسه جرسا، وهو: لحسها إياه .

والعرفط: شجر العضاه، والعضاه: كل شجر له شوك، وإذا استكت به كانت له رائحة حسنة، تشبه رائحة طيب النبيذ وقد أسلفنا خلاف ما ذكره، فإن رائحته كريهة، فراجعه.

فصل:

قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها -: (كان يحب الحلواء والعسل). والحلواء فيها المد والقصر، قال الأصمعي: هي مقصورة، تكتب بالياء، وقال الفراء: ممدود تكتب بالألف. وقال ابن فارس: تمد وتقصر .

وقولها: (أهدت لها عكة عسل) العكة: القربة الصغيرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية