التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4993 5299 - وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، سمعت أبا هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين

[ ص: 415 ] عليهما جبتان من حديد،
من لدن ثدييهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق شيئا إلا مادت على جلده حتى تجن بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت كل حلقة موضعها، فهو يوسعها فلا تتسع". ويشير بإصبعه إلى حلقه.
[انظر: 1443 - مسلم: 1021 - فتح 9 \ 436].


(وقال ابن عمر: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يعذب الله بدمع العين ولكن يعذب بهذا". وأشار إلى لسانه.) وهذا سلف مسندا في الجنائز.

ثم قال: وقال كعب بن مالك: أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي أن خذ النصف وهذا سلف في الصلح مسندا .

ثم قال: وقالت أسماء: (صلى النبي) - صلى الله عليه وسلم - الكسوف، فقلت لعائشة: ما شأن الناس؟ فأومأت برأسها إلى الشمس، فقلت: آية؟ فأومأت برأسها. أي نعم. وهذا سلف في الصلاة أيضا.

ثم قال: وقال أنس: أومأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى أبي بكر أن يتقدم. وهذا سلف أيضا في الصلاة.

ثم قال: وقال ابن عباس: أومأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده لا حرج. وهذا سلف في الحج أيضا .

ثم قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصيد للمحرم: "آحد منكم أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ ". قالوا: لا. قال: "فكلوا". وهذا سلف في الحج.

ثم ساق البخاري من حديث إبراهيم، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعيره، وكان كلما أتى على الركن أشار إليه وكبر.

[ ص: 416 ] وهذا سلف في الحج من حديث خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس به ، وخالد هو خالد الحذاء كما بينه هناك، وهو ابن مهران أبو المنازل.

وإبراهيم هذا هو ابن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة، أخي عيينة ابني حصن بن حذيفة، أبو إسحاق الفزاري، مات سنة خمس أو ست أو ثمان وثمانين ومائة، وابن عمه مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة فجأة قبل يوم التروية بيوم .

ثم قال البخاري: وقالت زينب: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وعقد تسعين. وهذا سلف مسندا في ذكر ذي القرنين والسد .

ثم ساق في الباب أحاديث:

أحدها:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "في الجمعة ساعة .. " الحديث سلف في الجمعة، وقال بيده، ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر. قلنا: يزهدها

[ ص: 417 ] وثانيها:

وقال الأويسي -يعني: عبد العزيز بن عبد الله-: ثنا إبراهيم بن سعد، عن شعبة بن الحجاج، عن قيس في الأوضاح، وهو حلي من فضة، سلف في الوصايا مختصرا من طريق همام، عن قتادة، عن أنس، ويأتي في الديات عن محمد بن سلام، عن عبد الله بن إدريس، وثنا بندار، عن غندر، كلاهما عن شعبة به .

وثالثها:

حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الفتنة من ههنا". وأشار إلى المشرق.

رابعها:

حديث أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما -: "إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم". وقد سلف في الصوم، وأبو إسحاق اسمه سليمان بن أبي سليمان فيروز مولى بني شيبان بن ثعلبة.

خامسها:

حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لا يمنعن أحدا منكم نداء بلال .. " الحديث سلف في الأذان، وراويه عن ابن مسعود أبو عثمان، واسمه: عبد الرحمن بن مل النهدي.

سادسها:

وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، سمعت أبا هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل البخيل والمنفق كمثل

[ ص: 418 ] رجلين عليهما جبتان من حديد، من لدن ثدييهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق شيئا إلا مادت على جلده حتى تجن بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت كل حلقة موضعها، فهو يوسعها فلا تتسع". ويشير بإصبعه إلى حلقه.


وقد سلف في الزكاة من هذا الوجه ومن طريقين آخرين عن أبي هريرة، وقال هناك "تخفي" بدل "تجن"، وقال هناك: "سبغت أو وفرت" بدل: "مادت".

وقال هناك: "لزقت" بالقاف بدل: "لزمت". وزاد هنا الإشارة، وراجع ذلك من ثم .

قال صاحب "العين": ماد الشيء مددا تردد (وفي عرض، والناقة تمد في سيرها) .

إذا تقرر ذلك; فالإشارة إذا فهمت وارتفع الإشكال منها محكوم بها، وما ذكره البخاري في الأحاديث من الإشارات في الضروب المختلفة شاهدة بجواز ذلك.

وأوكد الإشارات ما حكم الشارع به في أمر السوداء حين قال لها: "أين الله؟ " فأشارت برأسها إلى السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة" فأجاز الإسلام بالإشارة الذي هو أعظم أصل الديانة، الذي تحقن به الدماء، ويمنع المال والحرمة، وتستحق به الجنة، وينتجى به من النار، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك، فيجب أن تكون الإشارة عاملة في سائر الديانة، وهو قول عامة الفقهاء.

[ ص: 419 ] وروى ابن القاسم عن مالك أن الأخرس إذا أشار بالطلاق أنه يلزمه.

وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق، وإذا أشار إشارة تعقل أو كتب لزمه الطلاق.

وقال أبو ثور في إشارة الأخرس: إذا فهمت عنه تجوز عليه .

وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كانت إشارته تعرف في طلاقه ونكاحه وبيعه، وكان ذلك منه معروفا فهو جائز عليه، وإن شك فيها فهي باطل، وليس ذلك بقياس إنما هو استحسان، والقياس في هذا كله أنه باطل; لأنه لا يتكلم ولا تعقل إشارته .

قال ابن المنذر: فزعم أبو حنيفة أن القياس في ذلك أنه باطل، وفي ذلك إقرار منه أنه حكم بالباطل; لأن القياس عنده حق، فإذا حكم بضده -وهو الاستحسان- فقد حكم بضد الحق، وفي إظهار القول بالاستحسان وهو ضد القياس دفع منه للقياس الذي عنده حق.

قال ابن بطال: وأظن البخاري حاول بهذا الباب الرد عليه; لأنه - عليه السلام - حكم بالإشارة في هذه الأحاديث وجعل ذلك شرعا لأمته، ومعاذ الله أن يحكم - عليه السلام - في شيء من شريعته التي ائتمنه الله عليها، وشهد التنزيل أنه بلغها لأمته غير (ملوم) وأن الدين قد كمل به ما يدل القياس على إبطاله، وإنما حمل أبا حنيفة على قول هذا أنه لم يعلم السنن التي جاءت بجواز الإشارات في أحكام مختلفة من

[ ص: 420 ] الديانة في مواضع يمكن النطق فيها، ومواضع لا يمكن، فهي لمن لا يمكنه أجوز، وأوكد إذ لا يمكن العمل بغيرها .

وقال ابن التين: أراد بالإشارة التي يفهم منها الطلاق من الصحيح والأخرس قال: والكتابة مع النية طلاق عند مالك خلافا للشافعي.

قلت: والأظهر من مذهبه الوقوع والحالة هذه.

فصل:

في ألفاظ وقعت في هذه الأحاديث وفوائد لا بأس ببيانها وإن سلف بعضها.

معنى (عدا يهودي): تعدى. والأوضاح: جمع وضح، وهو حلي من فضة كما سلف مأخوذ من الوضح، وهو البياض.

ومنها: أنه أمر بصيام الأوضاح; وهي أيام البيض، وفي حديث "صوموا من وضح إلى وضح" أي من ضوء إلى ضوء.

وقوله: (فأمر به فرضخ رأسه بين حجرين) فيه: طلب المماثلة في القود، وهو حجة على أبي حنيفة في قوله: لا يقاد إلا بالسيف.

[ ص: 421 ] وقتله هنا بالإشارة، وفي رواية أخرى في الصحيح أنه أقر.

وطوافه على البعير قد يحتج به من يرى طهارة أبوالها، ومن منع قال: كانت ناقة منوقة. والجمعة بضم الميم وفتحها وسكونها. وهذه الساعة قال عبد الله بن سلام: إنها من العصر إلى الليل، وقيل: عند الزوال، وقيل: مبهمة فيه، وقد سلف الأقاويل فيها في بابه.

والأنملة فيها لغات تسع: تثليث الهمزة مع تثليث الميم. واقتصر ابن التين على فتح الهمزة مع ضم الميم، ثم قال: وفيها لغة أخرى: فتح الميم، وأهمل الباقي .

والجدح -بالجيم ثم قال ثم حاء مهملة-: الخلط. قال ابن فارس: هو ضرب الدواء بالمجدح، وهو خشبة لها ثلاث جوانب .

وقال الفراء: إنه عود معرض الرأس كالملعقة.

وجنتان سلف أنه بالنون والتاء وأن الصواب بالنون، وهو ما ضبط هنا، أي: جنة تغطيه.

وقوله: ("ثديهما") هذا هو الصواب لا ما عند أبي ذر "ثدييهما" لأن (ثدي) الرجلين أربعة فلا يعبر عنهن بالتثنية.

قال ابن فارس: الثدي للمرأة وجمعه ثدي، ويذكر ويؤنث، وثندوة الرجل كثدي المرأة، هو مهموز إذا ضم أوله، فإذا فتح لم يهمز .

[ ص: 422 ] وقوله: ("حتى تجن بنانه") هو بفتح التاء وضمها من تجن جن وأجن. واختار الفراء: جنه، قال الهروي: يقال: جن عليه الليل وأجنه. وبنانه بالنون وصحف من قال: ثيابه.

التالي السابق


الخدمات العلمية