التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5047 [ ص: 40 ] 7 - باب: خادم المرأة

5362 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد، سمع مجاهدا: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن علي بن أبي طالب أن فاطمة - عليها السلام - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله خادما، فقال: "ألا أخبرك ما هو خير لك منه، تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعا وثلاثين". -ثم قال سفيان: إحداهن أربع وثلاثون- فما تركتها بعد قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. [انظر: 3113 - فتح: 9 \ 506]


وفي آخره قال علي: فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.

الشرح:

هذا الحديث سلف في الخمس ، وفي فضل علي رضي الله عنه ويأتي في الدعوات ، وأخرجه مسلم أيضا والنسائي ، وهو ظاهر فيما ترجم له، ولم يذكر فيه أنه استأذن، فإما أن يكون قبل نزوله أو سكت عنه; لعلم السامع.

وفيه: أنه آثر نساء المؤمنات على ابنته; لعلو شأنها.

قال ابن حبيب: إذا كان الزوج معسرا وكانت الزوجة ذات قدر وشرف، فإن عليها الخدمة الباطنة كالعجن والطبخ والكنس وما شاكله، وكذا قاله ابن الماجشون وأصبغ .

[ ص: 41 ] قال ابن حبيب: وكذلك حكم - عليه السلام - على فاطمة بالخدمة الباطنة من خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، وقال بعض شيوخي: لا يعرف في شيء من الأخبار الثابتة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة، وإنما كان نكاحهن على المتعارف من الإجمال وحسن العشرة، وأما أن تجبر المرأة على شيء من الخدمة فليس له أصل في السنة، بل الإجماع منعقد على أن على الزوج مؤنة الزوجة كلها .

وقال الطحاوي: لم يختلفوا أن المرأة ليس عليها أن تخدم نفسها، وأن على الزوج أن يكفيها ذلك، وأنه لو كان معها خادم لم يكن للزوج إخراج الخادم من بيته، فوجب أن تلزمه نفقة الخادم على حسب حاجتها إليه .

وذكر ابن عبد الحكم عن مالك أنه ليس على المرأة خدمة زوجها .

وقال الطبري: في هذا الحديث: الإبانة على أن كل من كانت به طاقة من النساء على خدمة نفسها في خبز أو طحين وغير ذلك مما تعانيه المرأة في بيتها ولا تحتاج فيه إلى الخروج أن ذلك موضوع عن زوجها إذا كان معروفا لها أن مثلها تلي ذلك بنفسها، وأن زوجها غير مأخوذ بأن يكفيها ذلك كما هو مأخوذ في حال عجزها عنه، إما بمرض أو زمانة أو شبه ذلك، وذلك أن فاطمة لما شكت ما تلقى في يدها من الطحن والعجين إلى أبيها - عليه السلام -، وسألته خادما; ليعينها على ذلك، لم يأمر زوجها عليا بأن يكفيها ذلك، ولا ألزمه وضع مؤنة [ ص: 42 ] ذلك عنها إما بإخدامها أو استئجار من يقوم بذلك، بل قد روي أنه قال: "يا بنية، اصبري; فإن خير النساء التي نفعت أهلها" وفيه منه - عليه السلام -: دليل على أن فاطمة مع قيامها بخدمة نفسها كانت تكفي عليا بعض مؤنه من الخدمة، ولو كانت كفاية ذلك على علي لكان قد تقدم إلى علي في كفائها ذلك كما تقدم إليه إذ أراد الابتناء بها أن يسوق إليها صداقها حين قال له: "أين درعك الحطمية؟ " وغير ذلك أن يعلم الشارع أمته الجميل من محاسن الأخلاق ويترك تعليمهم الفروض التي ألزمهم الله، ولا شك أن سوق الصداق إلى المرأة في حال إرادته الابتناء بها غير فرض إذا رضيت بتأخيره عن زوجها.

فإن قلت: يلزم الرجل إذا كان ذا سعة كفاية زوجته الخدمة إذا كانت المرأة ممن يخدم مثلها، قيل: حكم من كان كذلك من النساء حكم ذوات الزمانة، والعاهة منهن اللواتي لا يقدرن على خدمة.

ولا خلاف بين أهل العلم أن على الرجل كفاية من كان منهن، فكذلك ألزمنا الرجل كفاية التي لا تخدم نفسها مؤنة الخدمة التي لا تصلح لها، وألزمناه مؤنة خادم إذا كان في سعة.

وبنحو الذي قلنا نزل القرآن، وذلك قوله تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وعليه علماء الأمة مجمعة.

وشذ أهل الظاهر عن الجماعة فقالوا: ليس عليه أن يخدمها إذا كان موسرا أو كانت ممن لا يخدم مثلها.

[ ص: 43 ] وحجة الجماعة قوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف وإذا احتاجت إلى من يخدمها فلم يفعل لم يعاشرها بالمعروف، وقال مالك والليث ومحمد بن الحسن: يفرض لها ولخادمين إذا كانت خطيرة .

وقال الكوفيون والشافعي: يفرض لها ولخادمها النفقة وقد سلف شيء من معنى هذا الباب في النكاح في باب: الغيرة في حديث أسماء.

فصل:

وترجمته عليه خادم المرأة ظاهرة كما سلف، وعامة الفقهاء متفقون أن الرجل إذا أعسر عن نفقة الخادم أنه لا يفرق بينه وبين امرأته، وإن كانت ذات قدر; لأن عليا لم يلزمه الشارع إخدام فاطمة - رضي الله عنها - في عسرته، ولا أمره أن يكفيها ما شكت من الرحا.

قال المهلب: وفيه من الفقه: أن المرأة الرفيعة القدر يجمل بها الامتهان الشاق من خدمة زوجها مثل: الطحن وشبهه; لأنه لا أرفع منزلة من بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنهم كانوا يؤثرون الآخرة ولا يترفهون عن خدمتهم; إحسانا لله; وتواضعا في عبادته.

وفيه: إيثار التقلل من الدنيا والزهد فيها; رغبة في ثواب الآخرة، ألا ترى إلى قوله: "ألا أدلكما على خير مما سألتما"، فدلهما على التسبيح والتحميد والتكبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية