التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5161 [ ص: 342 ] 4 - باب: صيد القوس

وقال الحسن وإبراهيم: إذا ضرب صيدا، فبان منه يد أو رجل، لا تأكل الذي بان منه، وتأكل سائره، وقال إبراهيم: إذا ضربت عنقه أو وسطه فكله. وقال الأعمش، عن زيد: استعصى على رجل من آل عبد الله حمار، فأمرهم أن يضربوه حيث تيسر، ودعوا ما سقط منه، وكلوه.

5478 - حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة قال: أخبرني ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل". [انظر: 4588، 5496 - مسلم: 1930 - فتح:9 \ 604].


ثم ساق حديث أبي ثعلبة الخشني المخرج عند مسلم والأربعة : قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم أهل الكتاب، أفناكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما

[ ص: 343 ] صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل،
وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل".


الشرح:

أثر الحسن أخرجه ابن أبي شيبة ، عن هشيم، عن يونس عنه في رجل ضرب صيدا فإن بان منه يدا أو رجلا وهو حي ثم مات قال: يأكله، ولا يأكل ما بان منه إلا أن يضربه فيقطعه فيموت من ساعته، فإذا كان ذلك فليأكله كله.

وحدثنا وكيع، عن الربيع عنه وعطاء قالا: إذا ضرب الصيد فسقط منه عضو فلا يأكله -يعني العضو-.

وحدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إذا ضرب الرجل الصيد فبان عضو منه ترك ما سقط وأكل ما بقي .

وفي "الإشراف" عن الحسن خلاف ما سلف قال في الصيد يقطع منه عضو، قال: فأكلنا جميعا ما بان وما بقي.

وأثر الأعمش أخرجه أبو بكر ، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن زيد بن وهب ولفظه: سئل ابن مسعود عن رجل ضرب رجل حمار وحش فقطعها قال: دعوا ما سقط وكلوا ما بقي.

وحكاه أيضا عن علي من حديث الحارث عنه وعن مجاهد ، وحكاه ابن المنذر عن قتادة قال: وقال ابن عباس وعطاء: لا تأكل العضو وذك الصيد وكله.

[ ص: 344 ] وقال عكرمة: إن عدا حيا بعد سقوط العضو منه فلا تأكل العضو وذك الصيد وكله، وإن مات حين ضربه فكله كله .

وبه قال قتادة وأبو ثور والشافعي كذلك، قال: إذا كان لا يعيش بعد ضربه ساعة أو مدة أكثر منها .

وقال مالك: إن ضربه فقطعه باثنين أكلهما، وإن أبان عضوا فذبحه فكما قال عكرمة، وبه قال الليث وأصحاب الرأي والثوري وإسحاق بن راهويه ، وفي "التمهيد" عن مالك: إن قطع فخذه لم يؤكل الفخذ وأكل الباقي.

زاد ابن بطال: وإن قطع وسطه أو ضرب عنقه أكل كله .

وروى محمد، عن ربيعة ومالك: إذا أبان وركيه مع فخذيه لا يؤكل ما بان منه ويؤكل باقيه . وهذا مما لا يتوهم حياته بعده.

وعند ابن شعبان: إذا قطع الرأس هل تؤكل الرأس قولان.

وقال الشافعي: إن قطع قطعتين أكله، وإن كانت إحداهما أقل من الأخرى إذا مات من تلك الضربة، وإن قطع يدا أو رجلا أو شيئا يمكن أن يعيش بعده ساعة أو أكثر، ثم قتله بعد رميه أكل ما لم يبن، ولا يأكل ما بان وفيه الحياة .

[ ص: 345 ] وقال أبو حنيفة والثوري: إذا قطعه نصفين أكلا جميعا، وإن قطع الثلث مما يلي الرأس أكلا جميعا، إن قطع الثلث الذي يلي العجز أكل الثلثين مما يلي الرأس ولا يأكل الثلث الذي يلي العجز .

وحجة ابن مسعود والجماعة أن ما قطع من الصيد قبل أن ينفذ مقاتله; فالمقطوع منه ميتة، ولا شك في ذلك.

وكذلك كان أهل الجاهلية يقطعون أسنمة الإبل وهي أحياء، ويأكلونها ثم تكبر الأسنمة وتعود على ما كانت.

قال المهلب: وقول الكوفيين: لا أعلم له وجها .

فرع: - ذكره ابن التين -: إذا بقيت اليد وشبهها لم تبن معلقة بالجلد ويسير من اللحم لم تؤكل، وإن كانت تجري الروح فيها على هيئتها أكلت.

فصل:

قال الشافعي: إذا رمى رجل صيدا فكسره، أو قطع جناحه أو بلغ به الحال التي لا يقدر الصيد أن يمتنع فيها من أن يكون مأخوذا فرماه آخر فقتله كان حراما، وكان على الرامي قيمته بالحال التي رماه بها مكسورا أو مقطوعا; لأنه مستهلك لصيد قد صاده غيره، ولو رماه الأول فأصابه وكان ممتنعا، ثم رماه الثاني فأثبته كان للثاني، ولو رماه الأول في هذه الحال فقتله ضمن قيمته للثاني; لأنه قد صار له دونه .

[ ص: 346 ] قال أبو بكر: وبه يقول مالك في الذي يرمي الصيد فيثخنه حتى لا يستطيع الفرار، فرماه آخر بعد ذلك فقتله لم يؤكل إلا بذكاة.

وقال أصحاب الرأي: إذا رمى الرجل صيدا فأثخنه حتى لا يستطيع التحرك، وسقط فرماه آخر بسهم فقتله لم يؤكل، وقال يعقوب ومحمد: على الآخر قيمته مجروحا للأول .

قال أبو بكر: هذا كما قالوا. وإنما حرم أكله; لأنه - عليه السلام - نهى عن صبر البهائم.

قال: واختلفوا في الشبكة والأحبولة يقع فيهما الصيد فيدركه صاحبه وقد مات.

فقالت طائفة: لا يؤكل إلا أن يدرك ذكاته.

هذا قول النخعي وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وربيعة والشافعي وكذلك قال ابن شهاب ومالك فيما قتلت الحبالة .

وقال الثوري: لا يعجبني إلا أن يدركه فيذكيه.

وقد روينا عن الحسن بن أبي الحسن أنه رخص في ذلك، ذكر يونس عنه أنه كان لا يرى بصيد المناجل بأسا.

وقال: يسم إذا نصبها وذكر قتادة عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بما قتل المنجل (والحبل) إذا سمى فدخل فيه وجرحه.

والصحيح من قول عطاء أنه لا يجوز أن يأكل ما قتلت الحبولة والموضحة والشبكة; جعل أمرها واحدا.

[ ص: 347 ] ولا يجوز أكل ما قتلت الأحبولة; وقع به جراح أو لم يقع. هذا قول عوام أهل العلم والسنن يدل عليه ما قالوه، وقول الحسن قول شاذ لا معنى له، وفي "القنية" للحنفية: نصب منجلا لحمار وحش وسمى ثم وجد حمار وحش مجروحا به ميتا لا يحل.

فصل:

أجمع العلماء أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه وأدماه، وإن كان غير مقتل فجائز أكله.

وإذا رمى الطائر في الهواء فأرماه فسقط إلى الأرض ميتا لم يدر أتلف في الهواء أو بعد ما صار إلى الأرض؟

فإن سقط فمات فقال مالك: يؤكل إذا أنفذ السهم مقاتله، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي والشافعي وأبي ثور قالوا: وإن وقع على جبل فتردى فمات، أو وقع في ماء ولم ينفذ السهم مقاتله لم يؤكل ، وإذا رمى الصيد بسهم مسموم فأدرك ذكاته، فكان مالك يقول: لا يعجبني أن يؤكل . وبه قال أحمد وإسحاق إذا علم أن السم قتله. وقال غيره: إذا ذكاه فأكله جاز .

فصل:

قوله في أثر الحسن وإبراهيم: (وتأكل سائره) أي: باقيه، هذه اللغة الفصيحة.

[ ص: 348 ] وقد عاب الحريري في "درته" قول من زعم أن سائر بمعنى: الجميع، من قولهم: قدم سائر الحاج واستوفى في سائر الجراح. قال: والدليل على صحة قولنا قوله - عليه السلام - لغيلان: "اختر أربعا منهن" يعني من نسائه "وفارق سائرهن" قال: ولما وقع سائر بمعنى: الأكثر، منع بعضهم من استعماله بمعنى الباقي الأقل، والصحيح أنه يستعمل في كل باق قل أو كثر; لإجماع أهل اللغة على أن معنى قوله في الحديث: "إذا شربتم فأسئروا" أي: فأبقوا في الإناء بقية ماء; لأن المراد به أن يشرب الأقل ويبقي الأكثر.

فصل:

لما ذكر ابن التين قول الحسن وإبراهيم، وقول إبراهيم أيضا قال: إنه مشهور مذهب مالك، ووجهه أنه إذا قطع منه ما لا يتوهم حياته بعد، فكأنه أنفذ مقاتله في ضربته تلك فكانت ذكاة لجميعه، بخلاف قطع اليد والرجل، وإن مات بضربه لم تؤكل اليد والرجل، قال: والحمار المذكور في حديث زيد المراد به حمار وحش، أما الأهلي فهو مبني على حل أكله، ولكنه لا يصاد عتيد الأهلي بما يباح به الصيد، فإن كان مذهب عبد الله الحمار الإنسي فإنه يباح أكله بما يباح به أكل الصيد.

فصل:

قوله: (إنا بأرض قوم أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم). الحديث، ولأبي داود: أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها قال: "اغسلها وكل فيها".

[ ص: 349 ] وفي رواية له من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أفتني في آنية المجوس، إذا اضطررنا إليها، قال: "اغسلها وكل فيها" .

وللترمذي: نمر باليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم. قال: "إن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها واشربوا" .

وما ذكره في الآنية قال الخطابي: هذا في آنية المجوس ومن يذهب مذهبهم في مس بعض النجاسات وكذا من يعتاد أكل الخنزير لا تستعمل آنيتهم إلا بعد إعواز غيرها.

وقال مالك: من استعار منهم قدرا نصبوها وداخلها ودك خنزير يغلى الماء على النار وتغسل به ، فجعلهم مجوسا، وقد ذكر أنهم أهل كتاب.

وكذلك بوب عليه البخاري باب: آنية المجوس كما سيأتي قريبا ، ولعله يريد أن المجوس أهل كتاب ويريد أن أهل الذمة يتوقون النجاسات بخلافهم.

والطعام في الآية المراد بها: الذبيحة.

فصل:

وقول إبراهيم: (إذا ضربت عنقه أو وسطه فكله) هو بفتح السين من وسط.

[ ص: 350 ] قال ابن فارس: (ضربت وسط رأسه) بالفتح، و (جلست وسط القوم) بالسكون ; لأنه ظرف والأول اسم، وكذا في "الصحاح" قال: وكل موضع يصلح فيه (بين) [فهو وسط] وإلا فبالتحريك .

التالي السابق


الخدمات العلمية