التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5162 [ ص: 351 ] 5 - باب: الخذف والبندقة

5479 - حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا وكيع ويزيد بن هارون -واللفظ ليزيد- عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل أنه رأى رجلا يخذف فقال له: لا تخذف، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف -أو كان يكره الخذف- وقال: "إنه لا يصاد به صيد ولا ينكى به عدو، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين". ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الخذف -أو كره الخذف- وأنت تخذف! لا أكلمك كذا وكذا. [انظر: 4841 - مسلم: 1954 - فتح:9 \ 607].


ذكر فيه حديث عبد الله بن مغفل -أي بالغين المعجمة-: أنه رأى رجلا يخذف فقال له: لا تخذف، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف -أو كان يكره الخذف- وقال: "إنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدو، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين". ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الخذف -أو كره الخذف- وأنت تخذف! لا أكلمك كذا وكذا.

الشرح:

هذا الرجل جاء في رواية أخرى أنه قريب لعبد الله، ولمسلم: لا أكلمك أبدا . وروى البخاري في سورة الفتح من التفسير، من حديث عقبة بن صهبان عن ابن مغفل: نهى - عليه السلام - عن الخذف، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ ص: 352 ] والخذف: بفتح الخاء المعجمة ثم ذال ساكنة معجمة أيضا وهو عند أهل اللغة، كما نقله ابن بطال عنهم: الرمي بالحصى أو النوى بالإبهام أو السبابة، والحذف: بالحاء المهملة بالسيف والعصا قال ابن سيده: خذف بالشيء يخذف (خذفا: رمى) ، وخص بعضهم به الحصى، والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير . وعن الليث: هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك -أو تجعل مخذفة من خشب ترمي بها بين إبهامك والسبابة .

زاد في "الجمهرة": ثم يعتمد باليمين على اليسرى فيخذف بها، والمخذفة: التي يسميها العامة: المقلاع، وهي التي يجعل فيها الحجر ويرمى به; ليطرد الطير وغيرها .

وفي "مجمع الغرائب": هو رمي الحجر بأطراف الأصابع.

وفي "الصحاح": المخذفة: المقلاع أو شيء يرمى به .

وقال الداودي: هو الرمي على ظاهر الإصبع الوسطى وباطن الإبهام كالحصى التي يرمى بها الجمار بمنى.

وقال الليث: الخذف رميك بنواة أو حصاة تأخذها بين سبابتيك، أو تجعل مخذفة من خشب ترمي بها بين إبهامك والسبابة.

[ ص: 353 ] وقال ابن فارس: خذفت الحصى رميتها بين إصبعيك ، وقيل في حصى الخذف أن يجعلها بين السبابة والإبهام من اليسرى ثم يقذفه بالسبابة من اليمنى.

وقوله: (والبندقة): هي: طين يدور وييبس فيصير كالحصى.

وقال المهلب: أباح الله الصيد على صفة اشترطها، فقال: تناله أيديكم ورماحكم [المائدة: 94]. فمعنى: الأيدي: الذبح، ومعنى: الرماح: كل ما رميت به الصيد بنوع من أنواع فعل اليد من الخزق لجلد الصيد وإنفاذه مقاتله. وليس البندقة والخذف بالحجر من ذلك المعنى، وإنما هو وقيذ، وقد حرم الله الموقوذة وبين رسوله (أن) الخذف لا يصاد به صيد; لأنه ليس من المجهزات، فدل أن الحجر لا يقع به ذكاة.

وأئمة الفتوى بالأمصار على أنه لا يجوز أكل ما قتلته البندقة أو الحجر، واحتجوا بهذا الحديث.

وأجاز ذلك الشاميون فخالفوه، ولا حجة لمن خالف السنة، وإنما الحجة العمل بها، وقد أسلفنا ذلك قريبا.

وفيه: أيضا دلالة أنه لا بأس بهجران من خالف السنة وقطع الكلام عنه، وليس داخلا تحت النهي عن الهجران فوق ثلاث، يؤيد ذلك أمره - عليه السلام - بذلك في كعب بن مالك وصاحبيه .

وفيه: وجوب تغيير العالم ما خالف العلم .

[ ص: 354 ] وفيه: منع الاصطياد بالبندق إما محرما وإما كراهة، وبه قال بعض مصنفي الشافعية، وفي بعض المتأخرين جوازه، واستدل على ذلك بحديث الاصطياد بالكلب غير المعلم; لأن فيه وفي الاصطياد بقوس البندق تعرض الحيوان للموت من غير مأكله، ومقتضى حديث ابن مغفل جواز الاصطياد به وذكاته، أخذها من أن العلة في النهي على مقتضى الحديث أنه لا ينكأ به العدو ولا يقتل الصيد.

فمقتضى مفهوم هذا أن ما ينكأ العدو ويقتل الصيد لا نهي فيه; لزوال علة النهي، وهذا دليل مفهوم.

ولصيد المعراض ثلاثة أحوال: اثنان: ما يباح بهما الأكل وهما: إذا أصاب بحده ولم يدرك ذكاته، أو أصاب بعرضه وأدركت ذكاته، والثالث: لا يباح، وهو ما إذا أصاب بعرضه ولم يدرك ذكاته.

والصيد بقوس البندق ليس فيه إلا حالتان: الإباحة: وهي إدراك ذكاته، والمنع: وهو عدمها; إذ لا محدد فيه، ووقوع واحد من ثلاثة أقرب من وقوع واحد من اثنين، فكان صيد المعراض أولى بالجواز من الصيد بالقوس المذكور.

فائدة:

قال عياض في "مشارقه": قوله: "لا ينكأ العدو" كذا الرواية بفتح الكاف مهموز الآخر، وهي لغة، والأشهر: ينكى في هذا ومعناه المبالغة في أذاه ; وقال في "إكماله": رويناه مهموزا قال: وفي بعض الروايات: ينكي، بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز وهو أوجه هنا; لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة، وليس هذا

[ ص: 355 ] موضعه إلا على تجوز، وإنما هذا من النكاية يقال: نكيت العدو أنكيه .

قال صاحب "العين": ونكأت بالهمز لغة فيه .

وقال ابن التين : قوله: "لا ينكى به عدو". هو غير مهموز يقال: نكيت في العدو وأنكي إذا قتلت وجرحت، ونكأت القرحة; بالهمز.

التالي السابق


الخدمات العلمية