التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5166 [ ص: 361 ] 7 - باب: إذا أكل الكلب

وقوله تعالى: يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين [المائدة: 4] الصوائد والكواسب. اجترحوا [الجاثية:21]: اكتسبوا. تعلمونهن مما علمكم الله إلى قوله: سريع الحساب [المائدة: 4]. وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده، إنما أمسك على نفسه، والله تعالى يقول: تعلمونهن مما علمكم الله فتضرب وتعلم حتى يترك. وكرهه ابن عمر. وقال عطاء: إن شرب الدم ولم يأكل، فكل.

5483 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن فضيل، عن بيان، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب. فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله، فكل مما أمسكن عليكم، وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل". [انظر: 175 - مسلم: 1929 - فتح:9 \ 601].


ثم ساق حديث عدي من حديث بيان عن الشعبي، عنه: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب. فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله، فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل"

الشرح:

حديث عدي سلف، وفسر مجاهد: مكلبين بالكلاب والطير .

[ ص: 362 ] مثل ما فسره البخاري وانفرد طاوس فقال: لا يحل صيد الطير لقوله: مكلبين ، وليس بشيء; لأن معناه مجربين.

والإجماع على خلافه كما نبه عليه ابن التين ، وحكاه ابن بطال عن ابن عمر ومجاهد قال: وهو قول شاذ، وكرها صيد الطير والناس على خلافهم; لما دل عليه القرآن من كونها كلها جوارح .

وقال قوم -فيما حكاه ابن حزم-: لا يجوز أكل صيد بجارح علمه من لا يحل أكل ما ذكى، وروى (عيسى) بن عاصم، عن علي أنه كره صيد بازي المجوسي وصقره وكره أيضا صيد المجوسي وعن أبي الزبير، عن جابر قال: لا يؤكل صيد المجوسي ولا ما أصاب بسهمه ، وعن خصيف: قال ابن عباس: لا تأكل ما صدت بكلب المجوسي وإن سميت; فإنه من تعليم المجوسي قال تعالى: تعلمونهن مما علمكم الله [المائدة: 4] وجاء نحو هذا القول عن عطاء ومجاهد ومحمد بن علي والنخعي والثوري .

وأثر ابن عباس أخرجه معمر بن راشد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه عنه ، وهذا إسناد جيد.

[ ص: 363 ] وأثر ابن عمر أخرجه وكيع بن الجراح: ثنا سفيان بن سعيد، عن ليث، عن مجاهد، عنه.

وأثر عطاء أخرجه ابن أبي شيبة ، عن حفص بن غياث، عن ابن جريج عنه ، وذكر عن عدي بن حاتم: إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته، وقال الحسن: إن أكل فكل وإن شرب فكل .

وزعم ابن حزم: أن الجارح إذا شرب من دم الصيد لم يضر ذلك شيئا; لأنه - عليه السلام - إنما حرم علينا أكل ما قتل إذا أكل ولم يحرم إذا ولغ .

وأما مسألة الكتاب فقد أسلفنا الخلاف فيها غير مرة.

وقال ابن بطال : اختلف العلماء في أكل الكلب المعلم إذا أكل من الصيد: هل يجوز أكله أم لا; فقال ابن عباس: إذا أكل فقد أفسده وأمسك على نفسه.

وقال به من التابعين الشعبي وعطاء وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة; وحجتهم حديث عدي بن حاتم، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأصحابه والثوري، والشافعي وأحمد، وإسحاق وأبو ثور قالوا كلهم: إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم فلا يؤكل صيده .

ونقله القرطبي عن الجمهور من السلف وغيرهم، منهم ابن عباس وأبو هريرة والزهري في رواية والشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وعطاء وعكرمة وقتادة ، وفيها قول آخر، روي عن جماعة من

[ ص: 364 ] الصحابة والتابعين عددتهم فيما سبق أنهم قالوا: كل وإن أكل الكلب ولم يبق إلا نصفه.

ثم ساق حديث أبي ثعلبة السالف من عند أبي داود: "فكل وإن أكل منه" قال: وقال لي بعض شيوخي: في الظاهر أن حديث أبي ثعلبة ناسخ لحديث عدي. وقال إسماعيل: إنما ذكر في الحديث: "إن أكل فلا تأكل".

قال: ولما ثبت في حديث عدي وغيره، أنه - عليه السلام - جعل قتل الكلب للصيد تذكية لم يضر ما حدث بعد التذكية من أكل الكلب أو غيره، كما أن البهيمة إذا ذبحت لم يضر لحمها ما حدث فيه بعد التذكية; وإنما الكلب بمنزلة السهم أيما أرسلت فذهب بإرسالي إلى الصيد فقتله فكأني أنا قتلته، فكذلك السهم إذا أرسلته من يدي فأصاب الصيد فكأني أنا ذبحت الصيد; لأني لا أنال الصيد الذي تناله يدي إلا بذلك، والمعنى في قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] حبسه الصيد حتى جئت فأدركته مقتولا فلا يضره ما صنع بلحمه بعد التذكية.

قال المهلب: ويحتمل أن يكون معنى قوله - عليه السلام -: "فإني أخشى أن يكون أمسك على نفسه" إذا أكل الكلب قبل إنفاذ مقاتله وفوات نفسه، وقد أجمع العلماء على أنه إذا أكل الكلب وحياته قائمة حتى مات من أجل أكله أنه غير مذكى ولا يحل أكله وهو معنى الوقيذ.

قال إسماعيل: والذي قالوا: إذا أكل الكلب فلا يؤكل.

[ ص: 365 ] يقولون: إذا أكل البازي والصقر فلا بأس أن يؤكل.

قالوا: لأن الكلب ينهى فينتهي والبازي والصقر إنما يعلمان (بالأكل) وهذا يفسد اعتلالهم، ولو كانت علتهم صحيحة; لكان البازي والصقر إذا أكلا أمسكا على أنفسهما أيضا; إذ الطير في معنى الكلاب بأنها جوارح كلها، والجوارح عند العرب الكواسب على أهلها قال تعالى: ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام: 60] أي: كسبتم، وقوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات [الجاثية: 21] وروي عن ابن عمر ومجاهد تلك القولة الشاذة في الطير أنها لا تكون جارحا .

وروي عن قوم من السلف التفرقة بين ما أكل منه الكلب فمنعوه، وما أكل منه البازي فأجازوه، وهو قول النخعي وحماد والثوري وأصحابهم، وحكي أيضا عن ابن عباس من وجه فيه ضعف.

فصل:

يؤخذ من قوله: "إذا أرسلت" اعتباره، حتى لو استرسل بنفسه فلا يؤكل صيده، وهو قول العلماء، إلا ما حكي عن الأصم من إباحته، وحكاه ابن المنذر أيضا عن عطاء والأوزاعي: أنه يحل إن كان صاحبه أخرجه لاصطياد، فلو أرسل كلبا حيث لا صيد فاعترض صيدا فأخذه لم يحل في المشهور عند الشافعي .

[ ص: 366 ] فصل:

لفظ الصيد يقتضي التوحش المعجوز عنه فلو استأنس الوحش زال عنه اسم الصيد، وإذا غصب كلبا واصطاد به هل يكون للمالك أو للغاصب؟ والأول يستدل بقوله: "إذا أرسلت كلبك" إذ لم تصد بكلبه.

فصل:

ويستدل أيضا به من يقول: إن الكلب يملك. ومن منع قال إنه للاختصاص.

قال ابن حزم: لا يجوز بيع الكلاب أصلا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرها، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فإنه يبتاعه وهو حلال للمشتري وحرام على البائع ينزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة، وفك الأسير، ودفع الظلم ومصانعة الظالم .

قال: وقد روينا إباحة ثمن الكلب عن عطاء ويحيى بن سعيد وربيعة، وعن إبراهيم إباحة ثمن الكلب للصيد، ولا حجة لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فصل:

قد أسلفنا قبيل باب صيد المعراض أنه صح عن ابن عمر أنه قال: كل ما أكل منه كلبك المعلم، وقال ابن أبي وقاص: كل وإن لم يبق إلا بضعة.

وعن أبي هريرة وسلمان: كل وإن أكل ثلثيه .

[ ص: 367 ] قال : ورويناه أيضا من طريق رجل لا يعرف من هو ولا يسمى، عن علي. قال: هذا جميع ما شغبوا به ولا حجة لهم فيه، أما حديث أبي ثعلبة فمن طريق داود بن عمرو -وقد سلف كلامه فيه وقد قررنا نفيه- وحديث عمرو صحيفة، وحديث عدي أحد طريقيه من رواية عبد الملك بن حبيب وقد (رمي بالكذب) المحض عن الثقات -قلت: غريب; وإنما نسب إلى التساهل في سماعه وكثرة الإجازة- عن أسد بن موسى وهو منكر الحديث -قلت: لا بل هو ثقة- والأخرى عن سماك وهو يقبل التلقين عن مري، وهو مجهول -قلت: حدث عنه سماك (ومالك) بن حرب، وذكره ابن حبان في "ثقاته" والحاكم في "مستدركه" فزالت عنه الجهالة العينية والحالية - وحديث أبي النعمان من رواية الواقدي وهو مذكور بالكذب عن ابن أخي الزهري وهو ضعيف عن أبي عمير، ولا يدرى من هو، عن أبي النعمان وهو مجهول، فسقط كل ما تعلقوا به من الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما عن سعد فلا يصح; لأنه من طريق حميد بن مالك بن

[ ص: 368 ] (الأختم)
وليس بالمشهور، وعن علي وسلمان كذلك; لأنا لا نعلم لابن المسيب (سماعا من علي) ولا (بكر) بن عبد الله سماعا من سلمان ولا كان يعقل إذ مات سلمان; لأنه مات أيام عمر، بل هو صحيح عن أبي هريرة وابن عمر واختلف عنهما في ذلك ، قلت: ابن أخي الزهري وثقوه وسكت عنه هو في موضع من الضحايا.

التالي السابق


الخدمات العلمية