التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
473 495 - حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة، عن عون بن أبي جحيفة قال: سمعت أبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم بالبطحاء - وبين يديه عنزة - الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، تمر بين يديه المرأة والحمار. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 1 \ 573]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث ابن عباس: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام.... الحديث.

وقد سلف في كتاب العلم، في باب سماع الصغير وأخرجه مسلم أيضا.

[ ص: 31 ] و (ناهزت الاحتلام) قربت منه، ونهزت الشيء تناولته، ونهزت إليه نهضت.

الثاني:

حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر. فمن ثم اتخذها الأمراء.

وأخرجه مسلم أيضا.

وشيخ البخاري فيه (إسحاق) هو ابن منصور، كما صرح به خلف في "أطرافه"، وقال أبو نعيم الأصبهاني في "مستخرجه": هو الكوسج، ورواه عن ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عنه.

وتابعه الأوزاعي، وليس للأوزاعي عن نافع عنه في "الصحيح" غيره.

الحديث الثالث:

حديث أبي جحيفة أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم بالبطحاء.... الحديث.

وقد سلف في باب الصلاة في الثوب الأحمر، ويأتي قريبا أيضا.

وهذه الأحاديث دالة على أن سترة الإمام بنفسها سترة لمن خلفه، وادعى بعضهم فيه الإجماع فيما نقله ابن بطال قال عقبه: والسترة عند العلماء سنة مندوب إليها ملوم تاركها.

[ ص: 32 ] وقال القاضي: اختلفوا هل هي سترة لمن خلفه؟ أو هي سترة له خاصة؟ وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق أنهم يصلون إلى سترة.

وقال الأبهري: سترة الإمام سترة إمامه، فلا يضر المرور بين يديه؛ لأن المأموم تعلقت صلاته بصلاة إمامه. قال: ولا خلاف أن السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن من المرور بين يديه، وفي الأمن قولان عند مالك، وعند الشافعي مشروعة مطلقا؛ لعموم الأحاديث؛ ولأنها تصون البصر، فإن كان في الفضاء فهل يصلي إلى غير سترة؟ أجازه ابن القاسم؛ لحديث ابن عباس هذا، وقال مطرف وابن الماجشون: لا بد من سترة؛ وذكر عن عروة وعطاء وسالم والقاسم والشعبي والحسن أنهم كانوا يصلون في الفضاء إلى غير سترة.

وقال ابن القصار: من قال: إن الحمار يقطع الصلاة قال: إن مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف، والإمام سترة لمن خلفه، وهو مردود، فقد روى البزار أن المرور كان بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، وحديث أبي داود: أن الحمار والغلام يقطعانها؛ واه، وعلى [ ص: 33 ] تسليم الصحة فهو منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن ذلك روي بتبوك وحديثنا في حجة الوداع بعدها، والذي ذهب إليه أكثر أهل الحجاز أن الصلاة لا يقطعها شيء وهو مذهب الأربعة، وفي أبي داود ما يدل له في الحمار والكلب، وإن كان ليس إسناده بذاك.

وقد تحصل لنا من هذه الأحاديث فوائد:

الأولى: صحة سماع من ناهز الاحتلام، وهو إجماع.

ثانيها: صحة أداء الكبير ما سمعه في صغره، وهو إجماع أيضا؛ ولا عبرة بمن شذ.

ثالثها: جواز الصلاة إلى الحربة.

رابعها: عدم قطع الصلاة بالحمار.

خامسها: أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.

التالي السابق


الخدمات العلمية