التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5193 5512 - حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر، أن أسماء بنت أبي بكر قالت: نحرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا فأكلناه. تابعه وكيع وابن عيينة، عن هشام في النحر. [انظر: 5510 - مسلم 1942 - فتح:9 \ 640]


[ ص: 468 ] ثم ساق حديث سفيان، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -قالت: نحرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا فأكلناه.

وفي رواية من حديث عبدة، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء: ذبحنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه.

ثم ساقه من حديث جرير، عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء، به.

تابعه وكيع وابن عيينة، عن هشام في النحر.

والحاصل أن ثلاثة رووه عن هشام بلفظ النحر: جرير، ووكيع، وابن عيينة. وأن عبدة رواه عن هشام بلفظ الذبح، وذكره في باب لحوم الخيل من حديث: سفيان بلفظ النحر .

قال الدارقطني: روي عن أيوب، عن هشام، عن أسماء مرسل، لم يذكر فاطمة بنت المنذر، ورواه منجاب عن شريك، عن هشام، عن أبيه، عن فاطمة قالت: ذبحنا فرسا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ووهم في موضعين أسقط أسماء ابنة أبي بكر وقال فيه: عن أبيه عن أسماء. والصواب: هشام، عن فاطمة عن أسماء . أي: كما ساقه البخاري.

وتعليق عطاء أخرجه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء: لا ذبح ولا نحر إلا في المنحر والمذبح. قال: وثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء في رجل ذبح شاة من قفاها، فكره أكلها.

[ ص: 469 ] وأثر ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن المبارك، عن خالد، عن عكرمة، عنه ; قال ابن حزم: وروي عن عمر بن الخطاب مثله، ولم يخصوا حيوانا من حيوان بل هتف عمر بذلك مجملا، ولم نعرف لهما مخالفا من الصحابة أصلا.

وقد سلف أن عليا أباح أكله بغير ضرب عنقه بالسيف ورأى ذلك ذكاة واجبة وقال: قال ابن عباس لعكرمة: اذبح هذا الجزور. وهو البعير بلا خلاف. وقال عطاء: ذكر الله الذبح في القرآن، فإن ذبحت شيئا ينحر أجزأ عنك الذبح من المنحر، والمنحر من الذبح. وعن الزهري وقتادة: الإبل والبقر إن شئت ذبحت وإن شئت نحرت.

وعن مجاهد: كان الذبح فيهم والنحر فيكم فذبحوها وما كادوا يفعلون [البقرة: 71] فصل لربك وانحر [الكوثر: 2] وقد أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه في الأضاحي الذبح والنحر عموما وفيها الإبل والبقر والغنم، ولم يخص من ذلك شيئا ينحر دون ذبح ولا عكسه، ورواية أسماء: نحرنا. وفي أخرى: ذبحنا .

قلت: وغرض الباب أن يبين ما يجوز فيه النحر يجوز ذبحه، وما يجوز فيه الذبح يجوز نحره.

فأما البقر فالأمة مجمعون كما قاله ابن بطال على جواز النحر والذبح فيها، قال تعالى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة [البقرة: 67]، وروت عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: دخل علينا

[ ص: 470 ] يوم النحر بلحم فقيل: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه البقر
. فجاز فيها الوجهان.

وأراد البخاري أن يريك [أن] الفرس مما يجوز النحر والذبح لما جاء فيه من اختلاف الرواة، وسيأتي الخلاف في أكله بعد.

واختلفوا في ذبح ما ينحر من الإبل، ونحر ما يذبح من الغنم، فأجاز أكثر الفقهاء أي ذلك فعل المذكي، قال ابن المنذر : روي ذلك عن عطاء والزهري وقتادة. وقال أبو حنيفة والثوري والليث والشافعي بنحو ذلك ويكرهونه، ولم يكرهه أحمد وإسحاق وأبو ثور ، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في ذبح الإبل، أو نحو ما يذبح من طير أو غيره من غير ضرورة. وقال أشهب: إن ذبح بعيرا من غير ضرورة فقد صار كالضرورة ويؤكل . وقال مالك: إن ذبحت الإبل أو نحرت الشاة أو شيئا من الطير من غير ضرورة لم تؤكل . واعتل أصحابه بأنه - عليه السلام - بين وجه الذكاة فنحر الإبل وذبح الغنم والطير ولا يجوز تحويل شيء من ذلك عن موضعه مع القدرة عليه إلا بحجة واضحة.

وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا حرم أكل ما نحر مما يذبح، أو ذبح ما ينحر، وإنما كره ذلك مالك ولم يحرمه، وقد يكره المرء الشيء

[ ص: 471 ] ولا يحرمه. حجة الجمهور أنه لما جاز في البقر والخيل النحر والذبح جاز ذلك في كل ما يجوز تذكيته، ألا ترى قول ابن عباس: الذكاة جائزة في الحلق واللبة. ولم يخص شيئا من ذلك دون شيء، وهو عام في كل ذي حلق وكل ذي لبة، والناس على هذا، ولم يخالف ذلك غير مالك وحده.

وأما قول ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الذكاة في الحلق واللبة فمعناه: أن الذكاة لا تكون إلا في هذين الموضعين، وقال صاحب "العين": اللبة من الصدر: أوسطه، ولبة القلادة: واسطتها .

فصل:

اختلف العلماء فيما يكون بقطعه من الحلقوم الذكاة، فقال بعض الكوفيين: إذا قطع ثلاثة من الأوداج جاز -والأوداج أربعة: الحلقوم، والمريء، وعرقان من كل جانب عرق- وقال الثوري: إذا قطع الأوداج وإن لم يقطع الحلقوم. وحكى ابن المنذر عن محمد بن الحسن: إذا قطع الحلقوم والمريء فأكثر من نصف الأوداج ثم يدعها حتى تموت فلا بأس بأكلها، وأكره ذلك، وإن قطع أقل من نصف الأوداج فلا خير فيها. وقال مالك والليث: يحتاج أن يقطع الودجين والحلقوم، وإن ترك شيئا منها لم يجز. ولم يذكر المريء. وقال الشافعي: أقل ما يجزئ من الذكاة قطع الحلقوم والمريء وينبغي أن يقطع الودجين، فإن لم يفعل فيجزئ; لأنهما قد يسلان من البهيمة والإنسان ويعيشان .

[ ص: 472 ] وقال ابن جريج: قال عطاء: الذبح: قطع الأوداج; قلت: وذبح ذابح فلم يقطع أوداجها. فقال: ما أراه إلا قد ذكاها فليأكلها .

وروى يحيى عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور والحمام: إذا (أجيز) على أوداجه ونصف حلقه أو ثلثه لا بأس بذلك إلا أن يتعمد. وعنه أيضا عن مالك فيمن ذبح ذبيحة فأخطأ بالغلصمة أن تكون في الرأس أنها لا تؤكل، وقاله أشهب وأصبغ وسحنون ومحمد بن عبد الحكم .

قال ابن حبيب: إنما لم يؤكل; لأن الحلقوم إنما هو من العقدة إلى ما تحتها، وليس فوق العقدة إلى الرأس حلقوم، وإنما العقدة طرف الحلقوم، فمن جهل فذبح فوق العقدة لم يقطع الحلقوم إنما قطع الجلدة المتعلقة بالرأس، فلذلك لم تؤكل، وأجاز أكلها ابن وهب في "العتبية" وأجازه أشهب وأبو مصعب وموسى بن معاوية من رواية ابن وضاح. وعن محمد بن عبد الحكم أنها تؤكل. وعلى قياس قول ابن القاسم إذا صارت في البدن وبقي في الرأس منها قدر حلقة الخاتم أنها تؤكل إلا أن يبقى في الرأس منها ما لا يستدير فلا تؤكل ، وحكى

[ ص: 473 ] ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه لا بأس بالذبح في الحلق كله أسفله ووسطه وأعلاه.

وقال ابن وضاح: سألت موسى بن معاوية عن هذه المسألة، فغضب وقال: هذه من مسائل المريسي وابن علية يخلطون على الناس دينهم، قد علم الشارع أصحابه كل شيء حتى الخراءة ، فكان يدعهم فلا يعرفهم الذبح؟!

قال موسى: لقد كتبت بالعراق نحوا من مائة ألف حديث، وبمكة كذا وكذا ألفا، وبمصر نحوا من أربعين ألف حديث ما سمعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لأصحابه ولا للتابعين فيها شيئا. وكان يحيى بن يحيى وأصحابه (يقولون) : لا نعرف ما العقدة، ما فرى الأوداج فكل.

قال ابن وضاح: ثم بلغني عن أبي زيد بن أبي الغمر أنه روي عن ابن القاسم عن مالك كراهتها، فلما قدمت مصر سألته عنها، فأنكرها وقال: ما أعرف هذا. قلت له: فما تقول في أكلها؟ قال: لا بأس بذلك .

قال ابن وضاح: ولم تعرف العقدة في أيام مالك ولا أيام ابن القاسم، وإنما أول ما سمعوا بها أن عبد الله بن عبد الحكم ذبح شاة فطرحت العقدة إلى الجسد، فأمر بها أن تلقى، فبلغ ذلك أشهب فأنكره وأجاز أكلها، وسئل عنها أبو المصعب بالمدينة وذلك أن أهل المدينة يطرحون العقدة في ذبائحهم إلى الجسد لمعنى الجلود، فأجاز ذلك، فقيل له: إذا طرحها إلى الجسد لم يذبح في الحلق إنما يذبح

[ ص: 474 ] في الرأس، فانتهره الشيخ، وقال: مغاربة برابر يأتوننا يريدون أن يعلمونا، هذه دار السنة والهجرة وبها كان المهاجرون والأنصار فكانوا لا يعرفون الذبح؟ وكانوا لا يذكرون عقدة ولم يعنوا بها.

قال ابن وضاح: ثم سألت يعقوب بن حميد بن كاسب -ولم أر بالحجاز أعلم منه بقول المدنيين منه- فقال: لا بأس بها، فرددت عليه فنزع لحديث عائشة - رضي الله عنها -يعني السالف-: "سموا وكلوا" .

فقال ابن كاسب: فهلا قال لهم - عليه السلام -: انظروا إن كان يصيبون العقدة، إن كان الذبح إنما هو فيها، ونزع لحديث عطاء بن يسار أن امرأة ترعى غنما; فرأت بشاة موتا فذكتها بشظاظ، فقال - عليه السلام -: "ليس بها بأس فكلوها". فهلا قال لهم: انظروا أين طرحت العقدة؟ أو هل كانت هذه تعرف العقدة؟

قال ابن وضاح: أفهل هذه كانت تعرف العقدة؟! ما فرى الأوداج وقطع الحلقوم فكل.

فصل:

ونهى ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النخع .

قال أبو عبيدة: الفرس هو النخع. يقال منه: فرست الشاة ونخعتها، وذلك أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة.

قال أبو عبيد في النخع كما قال أبو عبيدة، وأما الفرس فقد خولف.

[ ص: 475 ] وقيل: هو كسر رقبة الذبيحة، وممن كره أكل الشاة إذا نخعت سوى ابن عمر، عمر بن الخطاب وقال: لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق . وكرهه إسحاق، وكرهت ذلك طائفة وأباحت أكله، هذا قول النخعي والزهري والأربعة وأبي ثور.

قال ابن المنذر: ولا حجة لمن منع أكلها لأن القياس أنها حلال بعد الذكاة، والنخع لا يحرم الذكي.

وإنما إذا قطع الرأس فأكثر العلماء على إجازته.

وممن روي عنه سوى من ذكره البخاري علي وعمران بن حصين، ومن التابعين: عطاء والنخعي والشعبي، والحسن والزهري وبه قال الأربعة، وإسحاق، وأبو ثور وكرهها ابن سيرين، ونافع والقاسم وسالم ويحيى بن سعيد، وربيعة والصواب قول من أجازها كما قال ابن بطال .

وقد قال فيها علي بن أبي طالب هي ذكاة وحية; إلا أنهم اختلفوا إن قطع رأسها من قفاها، واختاره الكوفيون والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور وكره ذلك ابن المسيب وقال: لا بد في الذبح من المذبح.

وهو قول مالك وأحمد وقالوا: فاعل هذا فاعل غير ما أمر به، فإذا ذبحها من مذبحها فسبقت يده فأبان الرأس فلا شيء عليه .

[ ص: 476 ] فصل:

قسم ابن التين البهائم ثلاثة أنواع: نوع منها ينحر -وهو البعير- ونوع منها يذبح، وهو الشاة وشبهها من الغزلان ونحو ذلك.

ونوع منها يذبح وينحر وهو البقر، ذبحها بالقرآن ونحرها بالسنة كما سلف قال: إن نحر ما يذبح أو عكس فمنعه ابن القاسم وأجازه أشهب، وقال ابن بكير: تؤكل البعير بالذبح ولا تؤكل الشاة بالنحر، واختلف في المنع هل هو على الكراهة أو التحريم؟ وبه قال ابن حبيب: وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك: من نحر البقر ما صنع مخالفة الآية، وهذا إنما يصح على قول من يقول: إنا مخاطبون بشريعة من كان قبلنا .

فصل:

(والذبح: قطع الأوداج) هما ودجان بدال مهملة، وهما عرقان في الأخدعين محيطان بالحلقوم. وقيل: محيطان بالمريء من باب إطلاق صيغة الجمع على الاثنين، وهو صحيح حقيقة عند طائفة، مجازا عند الأكثرين، وذلك مستحب عندنا ، والودج والوداج أيضا يقال: دج دابتك أي: اقطع ودجها، وهو لها كالعضد للإنسان.

وقال ابن التين : لعله ترك ذكر الحلقوم لما كان معلوما في الأغلب لا تفرى الأوداج إلا بعد فري الحلقوم، والذي في "المدونة": أن الذكاة فري الحلقوم والودجين فإن قطعهما دون الحلقوم أو عكسه لم يصح

[ ص: 477 ] الذكاة ، وزاد أبو التمام عن مالك رابعها; وهو قطع المريء ، ثم قال: قال الشافعي: الذكاة: قطع الحلقوم والمريء، وهو البلعوم، والاعتبار بالودجين قال: ودليلنا قوله - عليه السلام -: "ما أنهر الدم" وإنهاره: إجراؤه، وذلك لا يكون إلا بقطع الأوداج; لأنها مجرى الدم، وأما المريء فليس مجراه، وإنما هو مجرى الطعام، وليس فيه من الدم ما يحصل به إنهار.

فصل:

(اللبة) في أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - بفتح اللام، قال الداودي: في أعلى العنق ما دون الخرزة إلى أسفل، قال أهل اللغة: إن اللبة موضع القلادة من الصدر وهي المنحر .

فصل:

وقول ابن عمر ومن بعده: (إذا قطع الرأس فلا بأس). قال مالك في "المدونة": وذلك أنها تؤكل . قال غيره: ولو تعمد من أول أكلت; لأن التعدي حصل بعد تمام الذكاة.

وقال مطرف وابن الماجشون: إن فعل ذلك بنية سبقت أكلت، وإن كان متعمدا من غير جهل لم تؤكل .

[ ص: 478 ] فصل:

وحديث أسماء دال على حل أكل الخيل، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وسيأتي حديث جابر فيه، وقال مالك: إنها مكروهة. وبه قال أبو حنيفة، وقال ابن حبيب: الخيل مختلف في كراهة أكلها والبراذين منها فجعلها مباحة في قوله .

فصل:

سلف فيه: نحرنا وذبحنا. قال بعض العلماء: حكم الخيل في الذكاة حكم البقر، يريد أنها تنحر وتذبح وأن الأحسن فيها الذبح.

التالي السابق


الخدمات العلمية