التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5214 5534 - حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل جليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة". [انظر: 2101 - مسلم: 2628 - فتح:9 \ 660]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى، اللون لون دم، والريح ريح مسك".

وحديث أبي موسى - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل جليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة".

وقد سلفا في الطهارة .

و"يحذيك": أي: يعطيك، يقال: أحذيته وحذوته واستحذاني وأحذاني من الغنيمة إذا أعطيته منها، والاسم: الحذيا مقصور، وإنما [ ص: 529 ] أدخل المسك هنا; ليدل على تحليله إذا (دخله) التحريم; لأنه دم لا يتغير على الحالة المكروهة من الدم، وهي الزهم، وقبح الرائحة صار حلالا طيب الرائحة وانتقلت حاله، وكانت حاله كحال الخمر تتحلل، فتحل بعد أن كانت حراما بانتقال، نبه على ذلك المهلب قال: وأصل هذا في كتاب الله تعالى في موسى: فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف [طه: 20، 21] فحكم لها بما انتقلت إليه، وأسقط عنها ما انتقلت عنه.

وحديث أبي موسى حجة في طهارة المسك أيضا; لأنه لا يجوز حمل النجاسة، ولا يأمره - عليه السلام - بذلك، فدل على طهارته، وجل العلماء على ذلك، ولا عبرة بقول الشيعة فيه، قال ابن المنذر: وممن أجاز الانتفاع بالمسك: علي بن أبي طالب، وابن عمر، وأنس، وسلمان الفارسي، ومن التابعين: سعيد بن المسيب وابن سيرين وجابر بن زيد، ومن الفقهاء: مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وخالف ذلك آخرون، ذكر ابن أبي شيبة ، عن عمر بن الخطاب: أنه كره المسك وقال: لا تحنطوني به. وكرهه عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن ومجاهد والضحاك، وقال أكثرهم: لا يصلح للحي ولا للميت، لأنه ميتة ، وهو عندهم بمنزلة ما قطع من الميتة. قال ابن المنذر: ولا يصح ذلك إلا عن عطاء .

وهذا قياس غير صحيح; لأن ما قطع من الحي يجري فيه الدم وليس هذا سبيل نافجة المسك; لأنها تسقط عند الاحتكاك كسقوط الشعر،

[ ص: 530 ] وقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: "أطيب طيبكم المسك" . وهذا نص قاطع للخلاف، قال ابن المنذر: وقد روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد أنه كان له مسك يتطيب به .

فصل:

(المسك): طيب فارسي معرب، وكانت العرب تسميه المشموم.

والمكلوم: المجروح، (وكلمه) بفتح أوله وسكون ثانيه.

وقوله: ("مثل الجليس الصالح والسوء"). قال الجوهري: تقول: هذا رجل سوء بالإضافة ثم تدخل عليه الألف واللام فتقول: هذا رجل السوء . قال الأخفش: ولا يقال: الرجل السوء، ويقال: الحق اليقين، وحق اليقين جميعا; لأن السوء ليس بالرجل، واليقين: هو الحق، ولا يقول أحد: هذا رجل السوء.

و"الكير": قيل: إنه الزق الذي ينفخ به الحداد يكون زقا أو جلدا غليظا ذا حافات، وقيل: هي المبنية بالطين يحمى ليخرج خبث الحديد، يوضحه قوله - عليه السلام -: "المدينة كالكير; تنفي خبثها وتنصع طيبها" وقيل: الكير والكور لغتان.

[قال] ابن السكيت: سمعت أبا عمرو يقول: الكور: المبني من

[ ص: 531 ] طين، و (الكور) : الزق .

وقوله: ("وإما أن تبتاع منه") دلالة على جواز بيعه، وهو إجماع، نعم بيعه في فأرته من غير رؤية باطل على الأصح، وقال ابن شعبان: فأرة المسك ميتة، إنما يؤخذ منها في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من أهل الهند; إذ لا كتاب لهم، فإنما حكم له بالطهارة لاستحالتها عن صفة الدم، وخرجت عن اسم ما يختص بها فطهرت كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر، وإنما لم تنجس الفأرة بالموت; لأنها ليست بحيوان فتنجس لعدم الذكاة وإنما هي شيء يحدث بالحيوان كالبيض في الطير وقد قام الإجماع على طهارته، قال: وقيل المسك: فأرة تموت فيكون جميع ما فيها مسكا وقيل شيء يسقط من دويبة تسمى الفأرة، ولعلها ليست لها نفس سائلة.

قال الداودي: أو تكون مختصة من الميتات وكان ابن عمر يكره المسك، وهذا خلاف ما أسلفناه عن ابن المنذر عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية