التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5252 5574 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن عمه ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا من الأضاحي ثلاثا". وكان عبد الله يأكل بالزيت حين ينفر من منى، من أجل لحوم الهدي. [مسلم: 1970 - فتح: 10 \ 24].


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث جابر: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وقال مرة: من لحوم الهدي.

ثانيها:

حديث القاسم، أن ابن خباب واسمه عبد الله بن خباب أخو مسلم بن خباب، وبنو خباب أصحاب المقصورة موالي فاطمة بنت عبيد بن ربيعة أخبره أنه سمع أبا سعيد يحدث أنه كان غائبا، فقدم إليه لحم. فقالوا: هذا من لحم ضحايانا. قال: أخروه، لا أذوقه. قال: ثم قمت فخرجت حتى آتي أخي قتادة بن النعمان الظفري [ ص: 648 ] -قال: وكان أخاه لأمه وكان بدريا- فذكرت ذلك له فقال: إنه قد حدث بعدك أمر.

ثالثها:

حديث سلمة بن الأكوع قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته منه شيء". فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها".

رابعها:

حديث عائشة - رضي الله عنها -قالت: الضحية كنا نملح منه، فنقدم به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فقال: "لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام". وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يطعم منه، والله أعلم.

خامسها:

حديث أبي عبيد -مولى ابن أزهر- أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فقال: يا أيها الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون فيه من نسككم.

قال أبو عبيد: ثم شهدت مع عثمان بن عفان وكان ذلك يوم جمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له.

قال أبو عبيد: ثم شهدته مع علي بن أبي طالب، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق [ ص: 649 ] ثلاث.
وعن معمر، عن الزهري ، عن أبي عبيد نحوه.

سادسها:

حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا من الأضاحي ثلاثا". وكان عبد الله يأكل بالزيت حين ينفر من منى، من أجل لحوم الهدي.

الشرح:

اختلف العلماء في هذا الباب فذهب قوم إلى تحريم لحوم الأضاحي بعد ثلاث، واحتجوا بحديث علي وابن عمر - رضي الله عنهم - في الباب وإليه ذهب ابن عمر، وخالفهم في ذلك آخرون ولم يروا بأكلها وادخارها بأسا، وعليه الجمهور، واحتجوا بحديث جابر وحديث أبي سعيد الخدري وبحديث سلمة وقالوا: أحاديث الإباحة ناسخة للنهي في ذلك، هذا قول الطحاوي .

وقال المهلب: الذي يصح عندي أنه ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وقد فسر ذلك في الحديث بقوله: إنما كان ذلك من أجل الجهد ومن أجل الدافة، فكان نظرا منه لمعنى فإذا زال المعنى سقط الحكم، وإذا ثبت المعنى ورأى ذلك الإمام عهد بمثل ما عهد به الشارع توسعة على المحتاجين. وقول عائشة: (ليس بعزيمة، ولكنه أراد أن يطعم منه) تبين أنه ليس بمنسوخ ولا النهي عن ذلك بمعنى التحريم، وأن للإمام والعالم أن يأمر بمثل هذا ويحض عليه إذا نزل بالناس حاجة.

وروى إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عابس بن ربيعة قال: أتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين، أكان - صلى الله عليه وسلم - يحرم لحوم الأضاحي فوق [ ص: 650 ] ثلاثة؟ فقالت: لا، ولكنه لم يكن يضحي منهم إلا قليل ففعل ذلك ليطعم من ضحى منهم ومن لم يضح، ولقد رأيتنا نخبئ الكراع ثم نأكلها بعد ثلاث، رواه الطحاوي عن فهد، عن أبي غسان، عن إسرائيل .

فإن قيل: قد روى عبد الوارث، عن علي بن زيد قال: حدثني النابغة، عن مخارق بن سليم، عن أبيه، عن علي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني قد كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاث، فادخروها ما بدا لكم" وهذا يعارض ما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه خطب الناس وعثمان محصور في الدار فقال: لا تأكلوا من لحوم أضاحيكم بعد ثلاثة أيام فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا بذلك ، فدل هذا على أنه - صلى الله عليه وسلم - قد كان نهى عن ذلك بعد ما أباحه حتى تتفق معاني ما روي عن علي في ذلك، ولا يتضاد.

قيل: قد جاء في الحديث بيان هذا، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها لشدة كان الناس فيها، ثم ارتفعت فأباح لهم ذلك، ثم عاد مثل ذلك في وقت ما خطب علي بالناس فأمرهم بما كان - صلى الله عليه وسلم - أمرهم به في مثل ذلك، والدليل على ذلك حديث سلمة بن الأكوع في الباب، وقال: "إنما كنت نهيتكم لأجل الدافة التي دفت" فدل أن هذا النهي للعارض المذكور، فلما ارتفع أباح لهم ما كان حظر عليهم، وكذلك ما فعل علي في زمن عثمان وأمر به الناس بعد علمه بما أباحه الشارع ما قد نهاهم عنه، إنما كان لضيق بدا فيه مثل ما كان في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 651 ] في الوقت الذي نهاهم فيه.

وبإباحة لحوم الأضاحي وتزودها قال الكوفيون ومالك والشافعي وجمهور الأمة: وعبارة ابن التين اختلفت في هذا النهي فقيل على التحريم ثم طرأ النسخ بإباحته، وقيل للكراهة فيحمل بنسخها وعدمه أن يكون المنع من الادخار ثبت لعلة وارتفع لعدمها، يوضحه قوله: وكان بالناس ذلك العام جهد.

فصل:

فإن قيل فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا وأطعموا" هل فيه دلالة على وجوب الأكل منها وهل هو كقوله: فكلوا منها [الحج: 28]؟.

قلت: معناهما واحد كما قال الطبري وهو أمر بمعنى الإطلاق والإذن للأكل، لا بمعنى الإيجاب وأمر بعد حظر، وذلك أنه لا خلاف بين سلف الأمة وخلفها أن المضحي غير حرج بتركه الأكل من أضحيته ولا آثم، فدل إجماعهم على ذلك أن الأمر بالأكل بمعنى الإذن والإطلاق، وقد سئل مجاهد وعطاء عن الذي لا يأكل من أضحيته قالا: إن شاء لم يأكل منها، قال تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا [المائدة: 2] أرأيت إن لم يصطد .

وقال إبراهيم: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل. وقال سفيان: لا بأس أن يأكل منها ويطعمها كلها. قال الطبري: وهو قول جميع أئمة الأمصار. وقال ابن التين : لم يختلف المذهب أن الأكل غير واجب خلاف ما ذكره القاضي أبو محمد عن بعض الناس أنه واجب، [ ص: 652 ] وخالف ابن حزم فقال: فرض على كل مضح أن يأكل من أضحيته ولو لقمة فصاعدا .

قلت: وروى أبو هريرة مرفوعا: "من ضحى فليأكل من أضحيته" قال أبو حاتم عن عطاء مرسل .

وفي كتاب "الضحية" لأبي محمد القاسم بن عساكر; قال عباس بن محمد الدوري: ما حدث بهذا الحديث إلا شاذان، فإن قيل فهل روي عن أحد من السلف أنه كان يطعم منها غنيا أو من ليس بمسلم; قيل: نعم قد روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان عمر يبعث إليها في فضول الأضاحي بالرءوس والأكارع .

وقال: لا بأس أن تطعم من أضحيتك جارك اليهودي والنصراني والمجوسي.

قال: ويستحب التصدق بالثلث وأكل الثلث وإطعام الجيران الثلث; لأن ذلك كان يفعله بعض السلف، قلت: وقيل يأكل نصفها ويتصدق بنصف، وهو أحد قولي الشافعي، ونقل ابن عبد البر عن الشافعي أنه كان يستحب أن يأكل ثلثا ويتصدق بثلث ويدخر ثلثها; لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا وتصدقوا وادخروا" وكان غيره يستحب أن يأكل نصفها ويطعم نصفها; لقوله تعالى في الهدايا: فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر [الحج: 36]

[ ص: 653 ] قلت: هو قول الشافعي كما علمت، وكان مالك لا يحد في ذلك حدا.

والدليل على أن هذا استحباب لا إيجاب حديث ثوبان قال: ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحيته، ثم قال يا ثوبان: "أصلح لحم هذه الأضحية" فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ، وعندنا: الأفضل التصدق بكلها إلا لقما يتبرك بها.

قال الطبري: وينبغي أن لا يقتصر على أقل من نصفه اقتداء بالشارع، حيث أمر أن يطبخ من كل بدنه التي نحرها ببضعة فأكل منها وتحسى من مرقها .

وروي عن علي أنه ذبح أضحيته فشوى كبدها وتصدق بسائرها ثم أخذ رغيفا وكبدا بيده الأخرى فأكل. وقال سفيان الثوري: إن أراد أن لا يتصدق من أضحيته بشيء، قال: لا ينبغي له، ولكن إن تصدق بلقمة أجزأه. وقال ابن التين : اختلف قول مالك هل الأفضل الصدقة بجميعها، قاله عنه محمد أو يأكل منها، قاله عنه ابن حبيب، وقال: إن لم يأكل منها شيئا فهو مخطئ.

وأما قوله: ("وأطعموا") فعلى الاستحباب; لأن الفقهاء لم يختلفوا في ذلك أنه واجب; لأن لفظة "أطعموا" أمر وهو يقتضي غير الوجوب (أو الندب، فإذا دل الإجماع على انتفاء الوجوب ففي الندب، وحينئذ قال ابن حبيب: لا حد مما يأكل ويطعم) ويجزئ ما قل وكثر.

[ ص: 654 ] وقال ابن الجلاب: الاختيار أن يأكل الأقل ويقسم الأكثر، ولو قيل: يأكل الثلث ويقسم الثلثين لكان حسنا.

فصل:

قوله: (حتى آتي أخي قتادة) هذا هو الصواب ووقع في نسخة أبي محمد [و] القابسي من رواية أبي زيد وأبي أحمد أخي أبا قتادة، كما نبه عليه الجياني ، ومشى عليها ابن بطال في "شرحه" وقد سلف في باب عدة من شهد بدرا على الصواب .

وخرجه مسلم من حديث عبد الأعلى: حدثني (يحيى بن سعيد) ، عن أبي نضرة عن أبي سعيد . وعند أبي أحمد الجلودي والكسائي، حدثنا ابن مثنى، ثنا عبد الأعلى، أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن أبي نضرة، زاد في الإسناد قتادة قال أبو علي: والصواب عندي الأولى رواية ابن ماهان، عن ابن المثنى، ثنا عبد الأعلى كما سلف، وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقي في "أطرافه" .

ولأبي الشيخ من حديث أبي نضرة، عن أبي سعيد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث" فشكوا إليه فقالوا: عيالنا، فقال: "كلوا وأطعموا وأحسنوا".

[ ص: 655 ] فصل:

قوله: (فقال: إنه قد حدث بعدك أمر) يعني: الإباحة.

فصل:

يستحب أن يكون فطره على كبد أضحيته، كما أوضحناه في الفروع. وقول عائشة - رضي الله عنها -: (الضحية كنا نملح منه) هو بفتح الضاد.

وقولها: (وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه)، بين ذلك في "الموطأ" بقوله: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم فكلوا وتصدقوا وادخروا" يعني بالدافة: مساكين قدموا المدينة، وكذلك هو في حديث سلمة بن الأكوع.

والإباحة إذا وقعت بعد الحظر فهي نص ، قال هذا سائر الفقهاء سوى ما ذكر هنا عن علي وابن عمر من ظاهر إيرادهما أن حكم ذلك باق لم ينسخ.

فصل:

قول عثمان - رضي الله عنه -: (من أحب أن يرجع فقد أذنت له)، أخذ به مالك مرة، والأشهر عنه أن حضورهم العيد لا يضيع عنهم حضور الجمعة وأنه لم يأخذ بإذن عثمان غير الداودي، ويحتمل أنه إنما كانوا يأتون العيد والجمعة من مواضع لا يجب عليهم المجيء منها فأخبر بما لهم في ذلك، وهذا خلاف تأويل مالك وعندنا لأهل السواد تركها.

[ ص: 656 ] فصل:

أبو عبيد هو: مولى بن عوف وابن أزهر.

فصل:

ورد النهي أيضا من حديث الزبير وابن عمر أيضا، روى ابن شاهين من حديث ابن إسحاق، ثنا أبو عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى الزبير، عن أبيه وجدته أم عطاء أن الزبير بن العوام قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يأكلوا من لحم نسكهم فوق ثلاث فلا تأكلوه. قلت: بأبي أنت فكيف نصنع ما أهدي لنا، قال: "أما ما أهدي لكم فشأنكم به".

ومن حديث عمار بن مطر، ثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل من بدنته ولا من أضحيته فوق ثلاثة أيام .

فصل:

وروى الرخصة في تركها بعد ثلاث: بريدة بن الحصيب، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود وأبو قتادة ونبيشة وثوبان عند أبي الشيخ بأسانيد جيدة.

قال الحازمي: ومن ذهب إلى هذا -يعني المنع اليوم -: علي والزبير وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر، وخالفهم في ذلك جماهير العلماء .

[ ص: 657 ] قال ابن حزم: حديث أبي عبيد عن علي كان عام حصر عثمان، وكان أهل البوادي ألجأتهم الفتنة إلى المدينة، وأصابهم جهد فأمر علي بذلك كما أمر الشارع حين دفت الدافة .

وذكر القاسم بن عساكر في كتاب "الضحية" من حديث ابن فضيل عن يزيد، عن مجاهد، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث; لأنه كان من يضحي قليلا ومن لا يضحي كثيرا، فلما الناس رأتني أرفع العرق بعد عاشره.

فصل:

وقول البخاري: (وعن معمر عن الزهري ، عن أبي عبيد نحوه)، يعني قوله: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهاكم أن تأكلوا لحم نسككم فوق ثلاث، رواه الشافعي في "الأم"، فقال: حدثنا الثقة عن معمر فذكره .

قال الشافعي: لم يبلغ النهي علي بن أبي طالب ولا عبد الله بن واقد ولو بلغهما ما حدثا بالنهي، والنهي منسوخ، فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وإذا لم تدف الدافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار، ويحمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخا في كل حال فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء .

[ ص: 658 ] فصول ملحقة بالأضحية والذبائح

فصل:

قال أبو حنيفة: لما قيل: الرجل يجز صوف أضحيته قبل أن يذبحها وينتفع به قال: أكره ذلك، قيل: فهل يكره أن يحلبها؟ قال: نعم، وكذا قال مالك والشافعي .

فصل:

فإن ولدت عنده أيذبحها وولدها؟ جوزه أبو حنيفة، قيل له: فينبغي له أن لا يذبح أولادها، قال: أرأيت لو باع ولدها وذبحها، أيتصدق بثمنه؟ قال: نعم.

وقال مالك: إني لأستحسن أن يذبح ولد الأضحية مع أمه، وإن تركه لم أره عليه واجبا; لأن عليه بدل أمه إن هلكت. وقال الثوري والأوزاعي والشافعي : اذبحها وولدها. قال الطحاوي: وجدنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بركوب البدنة، فكان حكم ولدها كذلك على موجبها.

فصل:

ضابط عيب الأضحية عندنا ما ينقص اللحم، فلو خلقت بلا آذان أجزأت عند أبي حنيفة بخلاف العمى وذهاب العين. وعن أبي يوسف: الشاة السكاء إن كان لها آذان فتجزئ وإن كانت صغيرة الأذن، وإن لم يكن لها أذن لا تجزئ. وسئل مالك عن الشاة تخلق خلقا ناقصا، قال: لا تجزئ إلا أن تكون جلحاء أو سكاء وهي التي [ ص: 659 ] لها أذنان صغيرتان. قال ابن القاسم: ونحن نسميها الصمعاء .

قال ابن خالويه في كتابه: ليس لأحد أن يقول سكاكة صغيرة الأذن، إنما المسموع أسك وسكاء إلا ابن الأعرابي فإنه روى في "نوادره": رجل سكاكة، وهذا غريب.

والسكك: صغر الأذن، ورجل أسك وامرأة سكاء، والجمع منهما: سك; وكل الطير سك: صغير الأذن.

وقال الشافعي في مكسورة القرن تدمى أو لا تدمى، أو جلحاء: تجزئ . وإذا خلقت لها أذن ما كانت أجزأت، وإن خلقت لا أذن لها لم تجز، وكذا لو جدعت .

فصل:

وسئل أبو حنيفة عن الشاة تذبح من قبل قفاها هل تؤكل؟ فقال: إن كانت الشاة لم تمت حتى وصل إلى الأوداج فقطعها فلا بأس بأكلها، وإن كانت ماتت قبل أن تصل إلى الأوداج فهي ميتة لا خير في أكلها، قيل: أفيكره ذلك الصنع؟ قال: نعم، وهو قول صاحبيه، ومالك يقول: إذا أخطأ فذبح من العنق أو القفا فلا تؤكل.

وقال الثوري: إن ذبحت من قبل القفا فبلغ الذبح المذبح فسميت فكل، ولا يتعمد ذلك، وقال الأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن صالح: لا بأس، وعن الشافعي: إن تحركت قبل قطع رأسها أكلت وإلا فلا .

[ ص: 660 ] فصل:

فإن قدم أضحيته للذبح فاضطربت في مكانها فانكسرت رجلها فذبحها مكانه أجزأت عند أبي حنيفة ، وإن كانت لا تستطيع، فإن انقلبت السكين فذبح عينها أجزأت عنده استحسانا إذا كان في إرادته ذبحها، وهو قول صاحبيه. وقال مالك: يبدله ، وقال الشافعي: إذا اشترى أضحية فلم يوجبها حتى أصابها ما لا تجوز معه بحضرة الذبح قبل أن يذبحها أو قبل ذلك لم تكن أضحية، ولو أوجبها سالمة ثم أصابها ذلك وبلغت أيام الأضحى فضحى بها أجزأت عنه .

فصل:

فإن ذبحت ووجد في بطنها ولد ميت، فذكر أبو حنيفة عن حماد، عن إبراهيم أنه لا تكون ذكاة نفس ذكاة نفسين. قال محمد: إن الجنين لا يؤكل حتى تدرك ذكاته، وبه كان يأخذ أبو حنيفة. وقال مالك: إن خرج من بطن أمه ذبح، وإن لم يذبح مع أمه فلا أرى بأكله بأسا إذا تم خلقه، وإن لم يتم خلقه فلا يؤكل، وقال: إذا كان ميتا كله وإن لم يشعر إلا أن يقذره وبنحوه قاله الأوزاعي والحسن بن صالح والليث، إلا أنه قال: يستحب ذبحه ليخرج الدم من جوفه وذلك في جنين الأنعام والمواشي.

[ ص: 661 ] وقال الشافعي: ذبح الجنين تنظيف وإن لم يفعل فلا شيء عليه ، وقد صح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان ، وله عشر طرق أخرى هذا أمثلها.

وأما الطحاوي فقال: لما اختلفوا في ذلك نظرنا هل روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء أم لا؟ فوجدنا أبا سعيد روى عنه - صلى الله عليه وسلم - من طريق ضعيف: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" ولا نسلم له، ومن حديث جابر بن عبد الله مثله ، وقد طعن فيه قوم، فنظرنا هل روي عن أحد من الصحابة في ذلك شيء؟ فوجدنا أبا إسحاق قد روى عن الحارث، عن علي - رضي الله عنه -; وأيوب، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنهما قالا ذلك، ولا نعلم عن أحد من الصحابة في ذلك خلافا لما رويناه عنهما.

وفي حديثهما: "إذا أشعر" . فكان ذلك مما يعلم به قوم فرقوا بين حكمه إذا أشعر وإذا لم يشعر، ولم يكن للتفرقة بينهما وجه في القياس.

[ ص: 662 ] فصل:

عن أبي حنيفة وأبي يوسف في رجل تطوع على رجل، فذبح له ضحايا قد أوجبها عن أبيه وعن أمه، فذبح كل ضحية بها عن غير صاحبها فلا يجزئه، فإن جاء رجل فأخذ أضحية آخر بغير أمره فذبحها عن نفسه متعمدا لذلك، فإن هذا لا يجزئ عن الذي كانت له، وإن لم يذبح ضمن الذابح قيمتها، فإن ضمن قيمتها، فإنها تجزئ عنه -يعني: الضامن- وقد تم في صنعه وعسى أن يجزئ عنه بالضمان. وسئل الثوري عن رجلين ذبح أحدهما أضحية صاحبه، قال: يضمنان ويستقبلان. وقال الشافعي: يذبح كل واحد منهما ما بين قيمته ما ذبح حيا ومذبوحا، وأجزأ عن كل واحد منهما أضحيته وهديه .

فصل:

فإن أوجب أضحية فلم يذبحها حتى مضت أيام النحر ثم تصدق بها أجزأه، ولم يكن عليه شيء غير ذلك، قاله أبو حنيفة وأبو يوسف.

وسئل مالك عن ذلك فقال: إن شاء ذبحها وإن شاء صنع بها ما شاء، قيل له: فإن كان موسرا أيجب عليه أن يشتري مكانها في أيام النحر؟ قال: نعم، كذا في رواية ابن وهب. وفي رواية ابن القاسم: سئل مالك عن الرجل تهلك ضحيته فيجدها بعد ثلاث أترى أن يذبح؟ قال: إنما ذلك في البدن فأما في الضحايا فلا، وفي "الأسدية" لم أسمع من مالك في ذلك شيئا، ولكن أقول: لا شيء عليه فيها، وهو رجل ترك الأضحى. وسئل الأوزاعي عن رجل اشترى أضحية فضلت [ ص: 663 ] فاشترى مكانها شاة، ثم وجدها بعد ما مضى الأجل قال: يذبحها فيأكل ويطعم. وقال الشافعي: لو ضلت أضحيته ثم وجدها، وقد مضت أيام النحر صنع بها كما يصنع في أيام النحر، كما لو أوجب أن يهديها العام فأخرها إلى قابل .

فصل:

وما أوجبه على نفسه لوقت ففات الوقت لم يبطل الإيجاب، فإن أوجب أضحية ثم مات قبل أن يذبحها أنها ميراث، قاله أبو حنيفة، وعن أبي يوسف لما أوجبها صارت كالوقف وخرجت من ماله، ووجب ذبحها عنه بعد وفاته ولم تدخل في ميراثه، وقال مالك: تباع في ميراثه ولا تذبح عنه، ويخرج كلام الشافعي كذلك.

فصل:

وسئل أبو حنيفة وصاحباه هل ينتفع الرجل بجلد أضحيته يشتري بها متاعا (للبيت؟) قال: لا بأس به، وبلغنا ذلك عن إبراهيم قيل: فإن باع جلدها بدرهم أو بما أشبهه قال: يتصدق بثمنه، وإنما يرخص له أن يبتاع به شيئا من متاع البيت، وأما أن يبيعه لغير ذلك فلا.

وقال مالك: جلود الهدايا والأضاحي بمنزلة لحمها يصنع بها ما يصنع باللحم.

وقال الثوري والأوزاعي: لا يبيعه بدراهم، ولكن يتصدق به أو ينتفع به. قيل للأوزاعي: هل يبيعها ويتصدق بثمنها؟ قال: لا، ولكن إن شاء ابتاع بثمنها منخلا أو غربالا أو بعض أداة البيت. وسئل الليث عن [ ص: 664 ] الرجل يغزل من صوف أضحيته جبة فيلبسها ثم يريد بيعها بعد ذلك، قال: لا أرى (له بيعها) . قلت: فجلود الضحايا؟ قال: لا تباع.

وفي "صحيح الحاكم" مرفوعا: "من باع جلد أضحيته فلا أضحية له" ، وأخرجه أبو الشيخ من هذا الوجه من طريق أبي هريرة كذلك.

ومن طريق أبي سعيد الخدري: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع مسوك الأضاحي وقال: "تصدقوا بها أو انتفعوا بها". قال ابن وهب: وسمعته وقيل له عن الرجل يهب جلد أضحيته لابن له صغير في حجره أو عنده، فأراد بيعه قال: لا يترك يبيعه; لأنه يملك ذلك عليهما، ولو كان ابنه كبيرا يمول نفسه لم أر ببيعه إياه بأسا. وقال الشافعي: الضحية نسك مأذون في أكله (وإطعامه) وادخاره، وأكره بيع شيء من ذلك والمبادلة به .

فصل:

قال ابن حزم: ولا يلزم من نوى أن يضحي بحيوان أن يضحي به إن شاء، إلا أن ينذر ذلك فيلزمه الوفاء، حكي ذلك عن مجاهد وعطاء، وروينا عن علي والشعبي والحسن كراهة ذلك ولا نعلم لهم حجة .

فصل:

قال ابن المنذر: اختلفوا في الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل [ ص: 665 ] بيته، فكان مالك والليث والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور يجيزون ذلك، وقد روي هذا المعنى عن أبي هريرة وابن عمر، وذبح الشارع عن أمته، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة.

فصل:

صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أربع لا تجوز في الأضاحي؛ العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها والكسيرة التي لا تنقي". أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب ما لا يجوز في الأضاحي فقال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أربع" فذكره، قال: قلت: فإني أكره أن يكون في الشيء نقص. قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد .

قال الترمذي: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز، عن البراء، وقال أحمد: ما أحسنه من حديث، وصححه ابن حبان أيضا والحاكم وذكر له شواهد ، وروى أحمد والأربعة والحاكم عن علي - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء .

[ ص: 666 ] قال الحاكم: إسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وزاد: والمقابلة: ما قطع من طرف أذنها، والمدابرة: ما قطع من جانب أذنها، والشرقاء: المشقوقة، والخرقاء: المثقوبة، ومعنى يستشرف: يتأمل سلامتها من آفة. وقيل: الشرفة: وهي خيار المال، أمرنا أن نخير.

فرع:

تجوز التضحية بمكسورة القرن، قاله مالك وأبو حنيفة والشافعي ، وروي ذلك عن علي وعمار والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن المسيب، وقال: إلا أن تدمى فلا تصلح.

فرع:

روينا عن الحسن والنخعي وعطاء أنهم كانوا لا يرون بأسا أن يضحي بالخصي، وبه قال أبو ثور ومالك وأبو حنيفة والشافعي.

فرع:

روينا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان لا يرى بأسا أن يضحى بالأبتر، وبه قال ابن المسيب والحسن وابن جبير والنخعي والحكم، وكره الليث أن يضحى بالأبتر ومقطوع الأذن، قال أبو عمر: وروي في الأبتر حديث مرفوع من حديث شعبة، عن جابر الجعفي، عن محمد بن قرظة، عن أبي سعيد أنه قال: اشتريت كبشا فأكل الذئب من ذنبه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ضح به" .

[ ص: 667 ] ثم قال: يحتمل أن يكون أكل من ذنبه اليسير، فإن كان كذلك فهو جائز عند العلماء، قال: ورواية مالك عن نافع، عن ابن عمر التي لم تسن والتي نقص من خلقها أصح من رواية من روى عنه جواز الأضحية بالأبتر، قال: وهذا الحديث ليس إسناده بالقوي، وقيل: أن ابن قرظة لم يسمع من أبي سعيد.

قال ابن حزم: وروى ابن أرطاة عن بعض أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل أنضحي بالبتراء؟ فقال: "لا بأس به" .

فصل:

في "الاستذكار" لابن عبد البر روى قتادة، عن جري بن كليب، عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى في الضحايا عن الأعضب الأذن والقرن. قال قتادة: سألت ابن المسيب: ما أعضب الأذن والقرن؟ قال: النصف أو أكثر .

قال أبو عمر: لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث، وبعض أصحاب قتادة لا يذكر فيه القرن ويقتصر على الأذن وحدها، كذا رواه هشام عن قتادة، وهو الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن.

وفي إجماعهم على إجازة التضحية بالجماء ما يبين لك أن حديث القرن لا يثبت ولا يصح أو هو منسوخ; لأنه معلوم أن ذهاب القرنين [ ص: 668 ] أعظم من ذهاب بعض أحدهما .

الذي رويناه في "سنن أبي داود" من حديث أبي حميد الرعيني أخبرني يزيد ذو مصر، عن عتبة بن عبد السلمي: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المصفرة والمستأصلة والمشيعة والكسراء، أما المصفرة التي استؤصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، الحديث . فهذا كما ترى ذكر القرن إن كان مرفوعا أو من تفسير الصحابي، وكلاهما ذكر القرن.

فصل:

قام الإجماع على إباحة إطعام (فقراء) المسلمين من لحوم الأضاحي، واختلفوا في إطعام أهل الذمة منه، فرخص في ذلك الحسن كما أسلفناه في باب: ما يؤكل من لحوم الأضاحي وهو يشبه مذهب الكوفيين وبه قال أبو ثور، وقال مالك: غيرهم أحب إلينا، وكان يكره إعطاء النصراني جلد الضحية وكره ذلك الليث، فأما ما طبخ من لحوم الأضاحي وكانت الظئر وما أشبهها عند أهل البيت فأرجو أن لا يكون به بأس فيما يصيب معهم منه، ونص الشافعي في البويطي: لا يعطى منها لأهل الذمة، وهو نقل عزيز لم يقر به أصحابنا في كتبهم.

وقال النووي وغيره: لم نره مسطورا .

[ ص: 669 ] فرع:

ثبت أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان لا يضحي عما في البطن ، وبه قال الشافعي وأبو ثور.

فرع:

وكان مالك يرى أن يضحى عن اليتيم يكون له ثلاثون دينارا بالشاة بنصف دينار ونحوه، وقال أبو حنيفة: يضحى عنه من ماله، ولا يجوز ذلك في قول الشافعي.

فرع:

كان الحسن بن أبي الحسن يضحي عن أم ولده ورخص في ذلك الزهري ومالك والليث وهو على مذهب الكوفيين. وقال الشافعي: لست أحب للعبد ولا للمدبر ولا للمكاتب ولا لأم الولد أن يضحوا، ولا أجيز لهم ذلك .

فرع:

قال ابن حزم: وفرض عليه أن يتصدق منها مما شاء قل أو كثر، ويباح له أن يطعم منها الغني والكافر، وأن يهدي منها إن شاء .

فرع:

قال ولو وجد بها عيبا بعد التضحية ولو لم يكن اشترط السلامة فله الرجوع ما بين قيمتها حية صحيحة وبين قيمتها معيبة، فإن كان اشترط [ ص: 670 ] السلامة فهي ميتة ويضمن مثلها للبائع ويسترد الثمن ولا تؤكل، وكذا من أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره فهي ميتة لا تؤكل، وعليه ضمانها.

فرع:

في "الاستذكار" لابن عبد البر عن الزهري: لا يجوز في الضحايا مجدوعة ثلث الأذن، ولا تجوز المسلولة الأسنان ولا الصرماء ولا أي ضحية جداء الضرع ولا العجفاء ولا الجرباء ولا المصرمة الأطماء وهي المقطوعة حلمة الثدي ولا العرجاء ولا العوراء. قال أبو عمر: قول الزهري في هذا الباب هو المعمول به .

فرع:

تجزئ البدنة عندنا عن سبعة، وكذا البقرة. قال ابن عبد البر: احتج جماعة الفقهاء بحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ، وضعفوا حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي فيه ما يدل على أن البدنة نحرت في الحديبية عن عشرة ، قالوا: هو مرسل خالفه ما هو أثبت منه وأوضح وأصح، والمسور لم يشهد الحديث، ومروان لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وقال بهذا القول أكثر الصحابة .

قلت: لم ينفرد به المسور فقد رواه أبو الشيخ من حديث أبي صالح، عن الليث، عن إسحاق بن بزرج، عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما -

[ ص: 671 ] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البقرة عن سبعة والبدنة عن عشرة". ومن حديث حذيفة: أشرك النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين الجزور عن عشرة، ومن حديث يزيد بن قسيط عن ابن المسيب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجزور عن عشرة". ومن حديث مسلمة بن علي، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك. ومن حديث عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله قال - صلى الله عليه وسلم -: "الجزور في الأضحى عن عشرة" .

لكن روى أبو الشيخ أيضا من حديث ابن أبي ليلى عن أبي الزبير، عن جابر: أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يشترك السبعة في البدنة ، وفي رواية أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر يوم الحديبية. ورواه أيضا من حديث ابن وهب، عن عمرة بن الحارث، عن أبي الزبير. ومن حديث الربيع بن صبيح، عن عطاء، عن جابر (قال) : أشرك بيننا النبي - صلى الله عليه وسلم – الجزور بين سبعة . ومن حديث عن سفيان، عن جابر، (قال) : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية سبعين بدنة البدنة عن سبعة. ومن حديث [ ص: 672 ] أنس: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشرك السبعة في البدنة يوم الحديبية. ومن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: البدنة عن سبعة.

قال ابن عبد البر، وروي عن رافع بن خديج، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البدنة عن عشرة" . ومن حديث ابن عباس مثله . قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الطحاوي: قد اتفقوا على جوازها عن سبعة، واختلفوا فيما زاده، ولا تثبت الزيادة إلا بتوقيف لا معارض له، أو اتفاق .

قال أبو عمر: أي اتفاق يكون على جوازها عن سبعة، ومالك والليث يقولان: لا تجوز البدنة إلا عن واحدة والبقرة كذلك، إلا أن يذبحها الرجل عن أهل بيته فتجوز عن سبعة حينئذ وعن أقل وعن أكثر. قال: وسلفهما في ذلك حديث أبي أيوب أي المصحح عند الترمذي قال: كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ، وكذا رواه الزهري، عن رجل، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، ومن حديث أبي جابر البياضي وهو متروك عن ابن المسيب، عن عقبة بن [ ص: 673 ] عامر: ضحيت بجذع عني وعن أهل بيتي، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد أجزأ عنكم" .

وفي "القنية" من كتب الحنفية: أربعة عشر نفرا ضحوا ببعيرين مشتركتين ينبغي أن تجوز.

فرع:

لا يجوز التضحية بالشاة المرهونة.

فروع:

عند الحنفية لا يجوز التضحية بالشاة الخنثى; لأن لحمها لا ينضج والقطع في الأذنين (يمنع) عند الرازي ويمنع عند ابن سماعة، فإن سائر شعر الأضحية في غير وقته يجوز إذا كان لها نقي أي مخ، وقطع اللسان في الثور يمنع، وفي الشاة اختلاف، ثلاثة نفر ضحى كل واحد منهم بشاة فاختلط رءوسها فإذا بأحد الرءوس عيب مانع جواز الأضحية وكل واحد منهم يقول: ليس هذا برأس شاتي، لا تجوز التضحية عن واحد منهم، فإن اشترى شاة للأضحية فغصبها منه رجل ثم ذبحها بنية التضحية عن المالك يجزئه، ولا يحتاج إلى الإجازة، (فإن قالت المرأة لزوجها ضح عني كل عام من مهري الذي لي عليك كذا وكذا، فيه اختلاف) ولا يجوز التصدق بقيمة الأضحية بعد وقتها على الزوجة المعسرة ولا على الزوج المعسر عند أبي حنيفة خاصة ولا على أمه المعسرة، فإن تصدق بلحم الأضحية [ ص: 674 ] بغير نية الزكاة لا يجوز، وعن بعضهم يجزئه ولكنه يأثم; فإن اشترى بلحمها مأكولا فأكله لا يلزمه التصدق بقيمة اللحم استحسانا، فإن لم يجد أضحية في قريته أو بلده يلزمه المشي لطلبها إلى موضع يمشون إليه من بلده لشراء الشاة.

آخر الضحايا والحمد لله رب العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية