التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5262 5584 - حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا يوسف أبو معشر البراء قال: سمعت سعيد بن عبيد الله قال: حدثني بكر بن عبد الله، أن أنس بن مالك حدثهم: أن الخمر حرمت، والخمر يومئذ البسر والتمر. [انظر: 2464 - مسلم: 1980 - فتح 10 \ 37]


ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه - قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ وهو بسر وتمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها.

حدثنا مسدد، ثنا معتمر، عن أبيه قال: سمعت أنسا قال: كنت قائما على الحي أسقيهم - عمومتي وأنا أصغرهم - الفضيخ، فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: أكفئها، قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: زبيب وبسر، فقال أبو بكر بن أنس: وكانت خمرهم. فلم ينكر أنس، وحدثني [ ص: 98 ] بعض أصحابي أنه سمع أنسا يقول: كانت خمرهم يومئذ، وعن أنس: حرمت الخمر يومئذ البسر والتمر.

الشرح:

هذا الحديث يأتي أيضا في خبر الواحد ، وأخرجه في الوليمة ، ومسلم هنا .

والقائل: (وحدثني بعض أصحابنا) هو سليمان التيمي والد معتمر، وقد بينه مسلم; إذ رواه عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر، عن أبيه قال: حدثني بعض من كان معي أنه سمع أنسا يقول: كانت خمرهم يومئذ، وعنده أيضا أنه كان يسقي أبا أيوب وأبا دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء، وعند أحمد بن حنبل: وما نعدها يومئذ إلا خمرا، وكانوا أحد عشر رجلا، قال أنس: وكفأتها وكفأ الناس آنيتهم بما فيها حتى كادت السكك أن تمتنع من ريحها.

قال أنس: وما خمرهم يومئذ إلا البسر والتمر مخلوطين، وإن عامة خمورهم يومئذ الفضيخ التمر والبسر ، ولابن أبي عاصم: حتى مالت رءوسهم فدخل داخل فقال: إن الخمر حرمت قال: فما خرج منا خارج ولا دخل داخل حتى كسرنا القلال وأهرقنا الشراب واغتسل بعضنا [ ص: 99 ] وتوضأ بعضنا وأصبنا من طيب (سليم) ، فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ: إنما الخمر والميسر الآية [المائدة: 90]، فقال رجل: يا رسول الله فكيف بمن مات من إخواننا وهم يشربونها، فنزلت: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [المائدة: 93] وفي رواية: قال: فما عادوا لشربها حتى لقوا الله تعالى.

فصل:

الفضيخ عند أكثر أهل العلم فيما نقله أبو عمر: نبيذ التمر، وقال أبو عبيد بن سلام: هو ما افتضخ من البسر من غير أن تمسه النار .

وقال ابن سيده في "محكمه": هو عصير العنب، وهو يتخذ من البسر المفضوخ.

قال الراجز:

بال سهيل في الفضيخ ففسد .

يقول: لما طلع سهيل ذهب زمن البسر وأرطب فكأنه بال فيه، وفي "مجمع الغرائب" هو فضيخ أو فضوخ أو لأنه يسكر صاحبه فيفضخه.

قال ابن عمر: وسئل عنه ليس بالفضيخ ولكنه الفضوخ.

وفي "الصحاح": هو من البسر وحده .

[ ص: 100 ] فصل:

في كتاب أحمد بسند جيد عن جابر: حرمت الخمر يوم حرمت وما كان شراب الناس إلا التمر والزبيب ، وكذا قاله هلال بن يزيد ومعقل بن يسار وابن عمر وابن عباس، وسئل عكرمة عنه فقال: حرام ما كان خليطا وما لم يكن، وكان ابن عباس يكرهه وإن كان بسرا محضا.

فصل:

هذا الباب أيضا كالذي قبله حجة على العراقيين أن الخمر من العنب وحده; لأن الصحابة القدوة في علم اللسان ولا يجوز عليهم أن يفهموا أن الخمر إنما هي من العنب خاصة ويهريقوا جرار الفضيخ وهي غير خمر، وقد نهى عن إضاعة المال وإنما هراقها لأنها الخمرة المحرمة عندهم من غير شك، ولو شكوا في ذلك سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عينها وما يقع عليه اسمها، وقد قال أنس: إنهم لم يعودوا فيها حتى لقوا الله، قال إسماعيل بن إسحاق: جاء في الآثار من تفسير الخمر ما هي واللغة المشهورة، والنظر يعرفه ذوو الألباب بعقولهم أن كل شيء أسكر فهو خمر، وأما كتاب الله فقوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [النحل: 67] فعلم أن السكر من العنب مثل السكر من النخيل، وقال تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ النساء: 43] فنهي عن الصلاة في حال السكر، واستوى في ذلك السكر من ثمرات النخيل، فكما كان السكر من ثمرات الأعناب والسكر من ثمرات النخيل والأعناب منهي

[ ص: 101 ] عن الصلاة فيه، كذلك كانت الخمر من ثمرات النخيل والأعناب محرمة بهذه الآية.

فصل:

وقوله: "قم يا أنس فأهرقها"، الهاء في هرق من الهمزة ولا يجتمع العوض والمعوض منه، لكن ذكر سيبويه لغة: أهرق الماء يهرقه وإهراقا.

قال سيبويه: أبدلوا من الهمزة الهاء ثم ألزمت فصارت كأنها من نفس الحرف، ثم أدخلت الألف بعد الهاء وتركت الهاء عوضا من حذفهم العين; لأن أصل أهرق أريق . وقوله: اكفأها فكفأتها، (أي: اقلبها) وهو ثلاثي، وهو اختيار ابن السكيت أنه ثلاثي .

فصل:

أبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر .

وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عم حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .

[ ص: 102 ] فصل:

قوله في السند الآخر لحديث أنس أبو معشر: البراء هو بتشديد الراء وهو يوسف بن يزيد البصري وشيخه سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي البصري، انفرد به البخاري وانفرد أيضا بجده جبير بن حية بن مسعود بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف تابعي، عنه أبيه زياد وبكر بن عبد الله ولاه زياد أصبهان، وتوفي أيام عبد الملك بن مروان، وأبيه زياد بن جبير بن حية تابعي أيضا، روى له مسلم أيضا، ووالده عند البخاري يروي عنه يونس وابن عون عنه، اسمه سعيد بن عبيد الله بن جبير عند البخاري كما سلف.

التالي السابق


الخدمات العلمية