التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5287 5610 - وقال إبراهيم بن طهمان: عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار، نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران النيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنة، فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك".

قال هشام وسعيد وهمام: عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأنهار نحوه، ولم يذكروا ثلاثة أقداح. [انظر: 3570 - مسلم: 162 - فتح 10 \ 70]


ذكر فيه ثمانية أحاديث تفرقت:

أحدها:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به بقدح لبن وقدح خمر سلف أول الكتاب، وذكره في التفسير.

[ ص: 169 ] وأخرجه مسلم والنسائي .

وشيخه فيه عبدان وهو: عبد الله بن عثمان.

ثانيها:

حديث أم الفضل في فطره يوم عرفة بعرفة.

وأم الفضل هي لبابة الكبرى، وشيخه فيه الحميدي وهو عبد الله بن الزبير، وسلف في الحج والصوم .

ثالثها:

حديث الأعمش، عن أبي صالح وأبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: جاء أبو حميد بقدح من لبن من النقيع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا خمرته، ولو أن تعرض عليه عودا".

ثم ساقه من حديث الأعمش أيضا: قال: سمعت أبا صالح يذكر - أراه - عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أبو حميد - رجل من الأنصار - من النقيع بإناء من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا خمرته، ولو أن تعرض عليه عودا" يقول الأعمش. وحدثني [أبو] سفيان، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا.

وأبو صالح ذكوان أخرجا له .

[ ص: 170 ] وأبو سفيان طلحة بن نافع انفرد به مسلم .

وأبو حميد هو الساعدي عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة، ابن عم سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة.

و(النقيع) بالنون: حماه الشارع وعمر لنعم الفيء وخيل المجاهدين فلا يرعاه غيرها وهو موضع قريب من المدينة، كان ينتقع فيه الماء أي يجتمع، والماء الناقع: المجتمع، ومنه حديث أول جمعة جمعت بالمدينة في نقيع الخضمات .

وقال ابن التين : روي بالباء كبقيع الغرقد، وهي رواية أبي الحسن، والنون موضع تعمل فيه الآنية.

وقال القرطبي: بالنون أكثر الرواة عليه، وهو: وادي العقيق على عشرين فرسخا من المدينة . وزعم الخطابي : أنه القاع .

وقال بعضهم: أصله كل موضع يستنقع فيه الماء. ورواه أبو بحر سفيان بن العاصي بباء موحدة .

[ ص: 171 ] قال الخليل: هو أرض فيها شجر .

وقوله: "ألا خمرته" أي: سترته ومنه خمار المرأة.

وقوله: "يعرضوا عليه عودا" هو بضم الراء، قاله الأصمعي، ورواه أبو عبيد بكسرها والوجه الأول.

قال الخطابي : ورواه الأصيلي بالتخفيف يعرض، وأعرض بكسر الراء قول عامة الناس إلا الأصمعي قال بالضم خاصة في هذا .

وقال الجوهري: عرض العود على الإناء والسيف على فخذه يعرضه ويعرضه أيضا . ومعنى الحديث: إن لم يغط فلا أقل من أن يعرض عليه شيئا لقوة النهي في تركه.

وقوله: (فلا يقدر الشيطان على شيء) لا بد من ذكر الله كما جاء في الحديث وببركة اسمه تندفع المفاسد ويحصل تمام المقاصد.

رابعها:

حديث أبي إسحاق واسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي قال: سمعت البراء قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر معه، قال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال أبو بكر: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رضيت، وأتاه سراقة بن مالك جعشم على فرس، فدعا عليه، فطلب إليه سراقة ألا يدعو عليه، وأن يرجع، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بعض حديث من الهجرة.

والكثبة من اللبن قدر حلبة، قاله الجوهري قال: وقال أبو زيد: هو

[ ص: 172 ] ملء القدح ، وعبارة ابن فارس الكثبة: القطعة من اللبن والتمر سميت بذلك; لاجتماعها وجمعها كثب .

وقوله: (فجلبت له كثبة). كذا هنا، وفي رواية أخرى: أمرت الراعي فحلب.

وهذا جائز أن ينسب إلى نفسه فعلا أمر غيره بفعله.

خامسها:

حديث أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة، والشاة الصفي منحة، تغدو بإناء، وتروح بآخر".

والصفي: الناقة الغزيرة اللبن أو الشاة، وسلف ذلك في العارية.

وعبارة ابن التين: الكثيرة اللبن ويدل على كثرة لبنها قوله: "تغدو بإناء وتروح بآخر".

واللقحة بكسر اللام، كذا ذكر أهل اللغة، وذكر الهروي عن غير الأزهري الفتح أيضا وهي التي نتجت حديثا، والمعروف أنها ذات اللبن.

سادسها:

حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - شرب لبنا فمضمض وقال: "إن له دسما". سلف في الطهارة وشيخه فيه أبو عاصم عن الأوزاعي، واسم أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، والأوزاعي

[ ص: 173 ] عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو، وقال إبراهيم بن طهمان: عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار .. " الحديث، وفي آخره:

"فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك".


وقال هشام وسعيد وهمام: عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأنهار نحوه، ولم يذكروا ثلاثة أقداح.

تعليق إبراهيم وصله الإسماعيلي فقال: أخبرنا أبو حاتم مكي بن عبدان وأبو عمران موسى بن العباس قالا: ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا حفص بن عبد الله، ثنا إبراهيم به.

وقال أبو نعيم: ثنا أبو بكر الآجري، ثنا عبد الله بن العباس الطيالسي، ثنا محمد بن عقيل، ثنا حفص بن عبد الله، حدثنا ابن طهمان.

وقوله: وقال هشام .. إلى آخره. يريد: بحديث هشام ما أسلفه مسندا في بدء الخلق .

وكذا حديث همام، وحديث سعيد تقدم عنده مسندا عن قريب .

وقال الإسماعيلي: حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أتيت بإناءين أصح إسنادا من هذا وذاك أولى من هذا، ولما ذكر ابن التين هذه الرواية قال: الذي في غيره: بقدحين، وزاد هنا: قدح العسل وقد سلف.

[ ص: 174 ] وإذا عرفت ذلك، فالفرث في الآية المراد بها: الكرش، وقال في "المنتهى": هو السرجين ما دام في الكرش، والجمع: فروث، وفي "الجامع" و"المحكم" كذلك . وقال القزاز: هو ما ألقي من الكرش وكل شيء أخرجته من وعاء فنثرته فقد فرثته، ومنه يقولون: فرثت جلد النمر: إذا أخرجت ما فيه، والفراثة: ما أخرج من الكرش، (وقد أفرثت ما أخرج من الكرش) وقد أفرثت الكرش إفراثا إذا ألقيت فرثها.

فصل:

وشرب اللبن حلال بكتاب الله، وليس قول من قال إنه يسكر الكثير منه بشيء; لأن كل ما أباح الله تعالى في أكله وشربه فوقع منه لشاربه أو آكله سكر فهو غير مأثوم إلا أن يتعمد شربه لذهاب عقله دون منفعة يقصدها فهو آثم لقصده إلى ذهاب عقله، وإنما يكون السكر منه بصناعة تدخله وقد أسلفنا أنه يعمل منه خمر وإن وجد أحد بسكر منه فهي آفة في خلقته وهذا في الشاذ والنادر فلذلك لم يحكم فيه بحكم عام، وهذا هو تفسير الترجمة المذكورة.

وفي الآية دليل أن الماء إذا خالطته نجاسة فتغير ثم قعدت عنه حتى صفا وحلا وطابت رائحته أنه طاهر يجوز الوضوء به؛ لقوله تعالى: من بين فرث ودم لبنا خالصا [النحل: 66] فوصفه بالخلوص مما خالطه من الدم وحثالة الفرث وهذا دليل لازم.

وقد روى مالك في جباب تقع فيها الدابة فتموت وتروث فيها البقر والغنم حتى تنتن ثم تصفو وتطيب أنه يجوز التوضؤ بمائها.

[ ص: 175 ] فصل:

والنهران الباطنان في الجنة في حديث أنس إذا أبدلت الأرض ظهرا إن شاء الله، قاله ابن بطال .

وأما أخذه اللبن وما قيل له: هديت الفطرة، فهو من باب الفأل; لأن اللبن أول ما يفتح الرضيع إليه فمه، فلذلك سمي فطرة لأنه فطر جوفه أي: شقه أول شيء، والفطور: الشقوق.

وقوله: ولو أخذت الخمر غوت أمتك. فيه دليل على أن الخمر كلها قليلها وكثيرها مقرون بها الغي فيجب أن تكون حراما، وإنما أتي بثلاثة أقداح وقيل له: خذ أيها أحببت; ليريه الله فضل تيسيره له، ولو أتي بقدح واحد لخفي موضع التيسير عليه.

وقوله: (فحلبت كثبة)، قال صاحب "العين": كل ما جمعته من قليل فقد كثبته وهي كثبة وقد سلف أيضا .

فصل:

في (أبي داود) من حديث جابر مرفوعا: "غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بابا ليس عليه غطاء إلا نزل فيه" .

قال الليث بن سعد راوي الحديث: الأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول . وأخرجه البخاري كما تقدم ويأتي فيه أيضا، وسلف في بدء

[ ص: 176 ] الخلق ويأتي في الاستئذان .

وفي مسلم عن أبي حميد فذكر حديث إتيانه بقدح من لبن، وفي آخره قال أبو حميد: إنما أمر بالأسقية أن توكأ ليلا، وبالأبواب أن تغلق ليلا . ولابن أبي عاصم وبوب له من قال: تخمر نهارا من حديث جابر أيضا; لأنه - عليه السلام - أتي بإناء لبن نهارا فقال: هلا خمرتموه أو عرضتم عليه عودا.

وفي لفظ: كنا مع رسول الله فاستسقى فقال رجل: ألا أسقيك نبيذا؟ قال: "بلى" فجاء بقدح فيه نبيذ فقال - عليه السلام - : "ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودا" قال: وفيه عن أبي حميد، وفي حديث أبي هريرة: أمرنا رسول الله بتغطية الوضوء وإيكاء السقاء والإناء. وفي حديث ابن عباس يرفعه: "إذا شرب أحدكم لبنا فليقل: الحمد لله اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه" فليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن.

فصل:

الحديث الثاني رواه أولا من حديث سفيان وقال: أم الفضل وفي آخره: كان سفيان ربما قال: شك الناس في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة فأرسلت إليه أم الفضل فإذا وقف عليه قال: هو عن أم الفضل.

قال الداودي : قوله: عن أم الفضل، ومرة يقول: أرسلت إليه أم الفضل، فقد تقول ذلك أم الفضل عن نفسها فتذكر ما قالت، وربما ذكر معناه.

التالي السابق


الخدمات العلمية