التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5344 [ ص: 304 ] 5668 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، أخبرنا الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني من وجع اشتد بي زمن حجة الوداع فقلت: بلغ بي ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: " لا". قلت: بالشطر؟ قال: "لا". قلت: الثلث؟ قال: "الثلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك". [انظر: 56 - مسلم: 1628 - فتح 10 \ 123]


ذكر فيه أحاديث سلفت:

حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - : "أيؤذيك هوام رأسك؟ ". قلت: نعم. سلف في الحج .

وحديث القاسم قال: قالت عائشة: وارأساه .. الحديث، سلف أيضا .

وحديث ابن مسعود في الوعك سلف قريبا .

وحديث عامر بن سعد، عن أبيه قال: جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني من وجع اشتد بي زمن حجة الوداع. وقد سلف قريبا في المغازي والهجرة وفي الجنائز.

اختلف العلماء كما قال الطبري في هذا الباب، فقالت طائفة: لا أحد من بني آدم إلا وهو يألم من الوجع ويشتكي المرض; لأن نفوس بني آدم

[ ص: 305 ] مبنية على الجزع من ذلك والألم فغير قادر أحد على تغيرها عما خلقها عليه بارئها، ولا يكلف أحد أن يكون بخلاف الجبلة التي جبل عليها.

وإنما كلف العبد في حال المصيبة أن لا يفعل ما له إلى ترك فعله سبيل، وذلك ترك البكاء على الرزية والتأوه من المرض.

فمن تأوه من مصيبة تحدث عليه أو فعل نظير الشيء من ذلك، فقد خرج من معاني أهل الصبر ودخل في معاني أهل الجزع، وممن روى ذلك مجاهد وطاوس، قال مجاهد: يكتب على المريض كل ما تكلم به حتى الأنين .

وقال ليث: قلت لطلحة بن مصرف: إن طاوسا كره الأنين في المرض، فما سمع لطلحة أنين حتى مات . واعتلوا لقولهم بإجماع الجميع على كراهة شكوى العبد ربه على ضر ينزل به أو شدة تحدث به، وشكواه ذلك إنما هو ذكر للناس ما امتحنه به ربه تعالى على وجه الضجر، قالوا: فالمتأوه: المتوجع في معنى ذاكره للناس متضجرا به وأكثر منه، وقال: آه. وليس الذي قال هؤلاء يسيء.

وقال: إنما الشاكي ربه من أخبر عما أصابه من الضر والبلاء متسخطا قضاء الله فيه، فأما من أخبر به إخوانه ليدعوا له بالشفاء والعافية وأن استراحته من الأنين والتأوه فليس ذاك بشاك ربه، وقد شكا الألم والوجع المؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وجماعة من القدوة ممن ذكرهم البخاري في هذا الباب وغيرهم.

[ ص: 306 ] روي عن الحسن البصري: أنه دخل عليه أصحابه وهو يشتكي ضربة، فقال: أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء: 83] وهذا القول أولى بالصواب; لما يشهد له من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأيضا فإن الأنين من ألم العلة والتأوه وقد يغلبان الإنسان ولا يطيق كفهما عنه، ولا يجوز إضافة مؤاخذة العبد به إلى الله; لأنه تعالى قد أخبر أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وليس في وسع ابن آدم ترك الاستراحة إلى الأنين عند الوجع يشتد به والألم ينزل به فيؤمر به أو ينهى عن خلافه.

فصل:

قول أيوب عليه الصلاة والسلام: مسني الضر [الأنبياء: 83] ليس مما يشاكل تبويبه; لأن أيوب إنما قال ذلك داعيا ولم يذكره للمخلوقين، وقد ذكر أنه كان إذا سقطت دودة من بعض جراحه ردها مكانها.

فصل:

المراد بالهوام هنا القمل; لأنها تهيم في الرأس؛ أي: تدب، وأما هوام الأرض، فقال الجوهري والهروي: إنها الأحناش وكل ذي سم يقتل .

قال الهروي: فأما ما لا يقتل ويسم فهي السوام مثل العقرب والزنبور، وقال ابن فارس: هو حشرات الأرض . قال: وهي دواب الأرض الصغار اليرابيع والضباب.

[ ص: 307 ] فصل:

قوله في حديث عائشة - رضي الله عنه - : ("أو يتمنى المتمنون").

قال ابن التين : ضبط في غير كتاب بفتح النون، وإنما هو بضمها أصله: المتمنيون على زنة المتطهرون. فاستثقلت الضمة على التاء، فاجتمع ساكنان والواو فحذفت التاء لذلك، وضمت النون لأجل الواو; إذ لا يصح واو قبلها كسرة.

وقال النووي: قوله - عليه السلام - لعائشة: "إني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل: أنا أولى".

وفي نسخة "أنا ولا ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" كذا في بعض النسخ المعتمدة: أنا ولا، بتخفيف أنا ولا، أي يقول: أنا أحق، وليس كما يقول يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".

وفي بعضها: أنا أولى، أي: أنا أحق بالخلافة، قال عياض : هذه أجودها .

ورواه بعضهم: أنا ولي بتخفيف النون وكسر اللام، أي: أنا أحق والخلافة لي.

ورواه بعضهم: أنا ولاه، أي: أنا الذي ولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وبعضهم رواه: أنى ولاه، بتشديد النون أي: كيف ولاه. وفي الحديث دلالة ظاهرة على فضل الصديق وإخبار منه عما يقع في المستقبل بعد وفاته، وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع، وقد وقع ذلك.

وأما طلبه لأخيها مع أبيه فالمراد أي يكتب الكتاب.

[ ص: 308 ] وفي رواية: "لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه وأعهد".

ورواه بعضهم: أو آتيه، بألف ممدودة بعدها تاء مثناة فوق ثم من تحت من الإتيان. وصوبه بعضهم كما قال عياض قال: وليس كما صوب بل الصواب بالباء الموحدة والنون يوضحه ما في مسلم: أخاك; ولأن إتيانه - عليه السلام - كان متعذرا; لأنه عجز عن حضور الجماعة . قال القرطبي: القادح في خلافة الصديق مقطوع بخطئه وفسقه، وهل يكفر أم لا؟ لا سيما وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك من غير مخالف .

فصل:

وفيه من الفوائد: الغيرة، وقد سلف الكلام على ذلك.

فصل:

والراوي عن ابن مسعود: الحارث بن سويد وهو أبو عائشة التيمي، تيم الرباب كما في تلميذه إبراهيم التيمي.

فصل:

قوله: في (زمن حجة الوداع)، قد سلف غير مرة أنه كذا في "الموطأ" ، وأن سفيان قال: كان ذلك يوم الفتح، والصواب الأول.

فصل:

قوله فيه: (أفأتصدق بثلثي مالي. قال: "لا") احتج به أهل الظاهر على أن من أوصى بأكثر من ثلثه لا يجوز، وإن أجازه الورثة، قالوا: ولم يقل: إن أجازه ورثتك جاز.

[ ص: 309 ] وهذا لا دليل فيه; لأنه - عليه السلام - لم يتكلم على إجازة الورثة، وإنما يتكلم على ما يفعله الموصي ولا يفتقر إلى غيره فيه.

وقوله: "والثلث كثير". قال به إسحاق، وقال جماعة: الخمس، ومنهم من استحب أقل من الثلث.

وقوله: ("إن تذر ورثتك أغنياء .. ") الحديث.

احتج به لابن مسعود وإسحاق في قولهما: إنه إذا لم يترك وارثا أنه يجوز له أن يوصي بجميع ماله، والفقهاء على خلافه.

قيل: وذلك إذا كان بيت المال بيد عدل.

وذكر عن الشيخ أبي القاسم السيودي أنه أوصى بجميع تركته لعلماء القيروان سوى ميراث زوجته لما كان القيروان بيد العرب، وجعل القاضي حكم بذلك في حياته، وأفتى المتأخرون من الشافعية أنه إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فضل عن فروضهم بالنسبة فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام .

فصل:

والعالة: الفقراء، ففيه فضل الكفاف على الفقر، ومعنى ("يتكففون"): يمدون أيديهم ليسألوا الناس.

وفيه أن يد المتصدق أفضل من يد المتصدق عليه.

وقوله: ("لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله") فيه أن روح العمل النية، وأنه تعالى لا يثيب إلا بما قصد به وجهه.

وقوله: ("حتى ما تجعل في في امرأتك ")، فيه دلالة على وجوب نفقة الزوجة.

التالي السابق


الخدمات العلمية