التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5351 [ ص: 323 ] 20 - باب: دعاء العائد للمريض

وقالت عائشة بنت سعد، عن أبيها قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم اشف سعدا يعني: ابن أبي وقاص". [انظر: 5659]

5675 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضا - أو أتي به - قال: " أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". قال عمرو بن أبي قيس وإبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن إبراهيم وأبي الضحى: إذا أتي بالمريض. وقال جرير: عن منصور، عن أبي الضحى وحده، وقال: إذا أتى مريضا. [5743، 5744، 5750 - مسلم: 2191 - فتح 10 \ 131]


هذا أسلفه مسندا، ثم ساق عن أبي عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضا - أو أتي به - قال: "أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". قال عمرو بن أبي قيس وإبراهيم بن طهمان: عن إبراهيم، عن منصور وأبي الضحى: إذا أتي بالمريض. وقال جرير: عن منصور، عن أبي الضحى وحده، وقال: إذا أتى مريضا. ويأتي في الطب وأخرجه مسلم .

الشرح:

تعليق ابن طهمان، أخرجه الإسماعيلي في "صحيحه" عن القاسم، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني: ثنا يحيى بن يعلى الرازي: ثنا محمد بن

[ ص: 324 ] سابق:
ثنا إبراهيم به قال: وتابعه سفيان بن سعيد وأبو الأحوص، عن منصور، قال: وثنا عمران: ثنا عثمان، عن جرير، عن منصور، عن أبي الضحى: إذا أتي بالمريض.

قال الإسماعيلي: وليس هذا بشك، ولكنه كان - عليه السلام - يقول في الحالتين كذلك إن شاء الله.

وقال النسائي: حديث أبي عوانة وسفيان وورقاء، عن منصور، عن إبراهيم وحده، وحديث جرير، عن منصور، عن أبي الضحى . قلت: وهذا الحديث روي من طريق ثابت بن قيس بن شماس وعلي ومحمد بن حاطب وابن مسعود - رضي الله عنه - .

أخرج الأول: ابن حبان من حديثه: أنه - عليه السلام - دخل عليه وهو مريض، فقال: "اكشف الباس رب الناس" عن ثابت بن قيس بن شماس .

والثاني: ابن أبي عاصم من حديث الحارث عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على المريض قال: "أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت" .

والثالث: ابن أبي عاصم - أيضا - عن محمد بن حاطب قال: تناولت قدرا فأحرقت يدي، فذهبت بي أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلم

[ ص: 325 ] بكلام لا أدري ما هو، فقالت: قال: "أذهب الباس رب الناس"
الحديث .

والرابع: أبو داود من طريق فيها مجهول عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا أتي بمريض" الحديث. بلفظ البخاري .

قال الطبري: في هذه الآثار من الفقه أن الرغبة إلى الله تعالى في العافية في الجسم أفضل للعبد وأصلح له من الرغبة إليه في البلاء; وذلك أنه - عليه السلام - كان يدعو للمرضى بالشفاء من عللهم، فإن قلت: ما وجه دعائه لسعد بالشفاء وقد تظاهرت الأخبار عنه أنه قال يوما لأصحابه: "من أحب أن يصح ولا يسقم؟ ". قالوا: نحن يا رسول الله، فقال: "أتحبون أن تكونوا مثل الحمير الصيالة؟ "، وتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال: "ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء وأصحاب كفارات؟! ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فوالذي نفس أبي القاسم بيده، إن الله ليبتلي المؤمن وما يبتليه إلا لكرامته عليه، وإلا أن له عنده منزلة لا يبلغها بشيء من عمله دون أن يبلغ من البلاء ما يبلغه تلك المنزلة"؟ من حديث أبي عقيل مسلم بن عقيل، عن عبد الله بن أبي إياس بن أبي فاطمة، عن أبيه، عن جده مرفوعا .

وروى زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل مصح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أصابتك أم ملدم قط؟ ".

[ ص: 326 ] قال: لا. يا رسول الله، فلما ولى قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا"
.

وروى الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن (يسار) ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" مع كثرة ما كان يؤثر العلل والأسقام من السلف، قيل: لا تعارض، ولكل وجه، وذلك أن العلل والأمراض كفارات لأهل الإيمان وعقوبات يمحص الله بها عمن شاء منهم في الدنيا; ليلقوه مطهرين من دنس الذنوب.

كما روى أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان الصديق يأكل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت الآية: فمن يعمل مثقال ذرة [الزلزلة: 7] الآية. فرفع الصديق يده، وقال: يا رسول الله، إني أجزى بما عملت من مثقال شر؟

[ ص: 327 ] فقال: "يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره نجشا مثل ذر الشر ويدخر لك مثاقيل الخير حتى توفاه يوم القيامة"
.

فإذا كانت العلل والأوجاع إنما هي عقوبات التبعات، ثبت أنه - عليه السلام - إنما دعا بالشفاء من الأمراض لمن لا كبائر له، ومن سلم من الذنوب الموجبة للعقاب، وبرئ من مظالم العباد - لا كبائر له - وكره اختيار الصحة على البلاء.

في هذه الأحاديث: الأجر لأهل الإجرام، ولمن اقترف على نفسه والآثام، فكره له أن يختار لنفسه لقاء ربه بآثامه، وموافاته بإجرامه غير متمحص ولا متطهر من الأدناس، فليس شيء من الأخبار مضاد لصاحبه.

فصل:

وفيه: جواز السجع في الدعاء والرقى إذا لم يكن مقصودا ولا متكلفا.

فصل:

شفاء: منصوب على المصدر، تقديره: واشف.

والشافي: اسم فاعل من ذلك. والألف واللام فيه بمعنى الذي. وليس باسم علم لله تعالى، "ولا يغادر" أي: لا يترك سقما، يريد:

[ ص: 328 ] مرضا.

وقال ابن العربي: أي كاملا ثابتا. وسقما: بضم السين والقاف وبفتحهما، ذكره ابن التين .

وقوله: "أذهب الباس رب الناس" فيه إشارة إلى الرقى والدواء، لا ينتسب إليهما من إذهاب الداء شيء، إنما يذهبه الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية