التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5368 5693 - ودخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرش عليه. [انظر: 223 - مسلم: 287 - فتح 10 \ 148]


ثم ساق حديث أم (قيس بنت) محصن قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية يسعط من العذرة، ويلد به من ذات الجنب" .. ودخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرش عليه.

الشرح:

(هذا الحديث يأتي في اللدود ، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وسلف.

فيه: الطهارة من بول الصغير) .

[ ص: 369 ] (وأشفية) جمع: شفاء، كسقاء وأسقية.

(والعذرة) بضم العين: وجع في الحلق يهيج من الدم، وكذلك الموضع أيضا يسمى عذرة، وهو قريب من اللهاة.

(ويلد): يداوى، واللدود: ما كان من السقي في أحد شقي الفم، بخلاف الوجور فإنه في وسطه، هذا المعروف.

(وذات الجنب): وجع بالجنب.

فصل:

وترجم عليه أيضا: باب العذرة.

وفيه : أم (قيس بنت) محصن الأسدية - أسد خزيمة - وكانت من المهاجرات الأول اللائي بايعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي أخت عكاشة أخبرته أنها أتت (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) بابن لها وقد أعلقت عليه من العذرة، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي; فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب". يريد الكست وهو العود الهندي، وقال يونس، وإسحاق بن راشد عن الزهري: علقت عليه. ومراده بالتعليق عن يونس ما أخرجه مسلم ، وتعليق إسحاق ذكره هو مسندا .

فصل:

روى ابن سعد بإسناد جيد عن أنس مرفوعا: "إن أمثل ما تداويتم به

[ ص: 370 ] الحجامة والقسط الهندي لصبيانكم"
.

وروى أبو نعيم في " طبه" بإسناد جيد عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة - رضي الله عنها - وعندها صبي يسيل منخراه دما، قال: "ما هذا"؟ قالوا: إنه العذرة. فقال: "ويلكن، لا تقتلن أولادكن، أيما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فلتحكه ثم لتستعطه به". قال: فصنعت ذلك فبرأ .

وفي رواية لابن أبي شيبة: "فتحكه سبع مرات ثم توجره إياه" .

وفي رواية لأبي نعيم: "فلتأخذ كستا (بحتا) ثم تعمد إلى حجر فلتسحقه عليه ثم لتقطر عليه قطرات من زيت وماء ثم (تعالجه) وتوجره إياه; فإن فيه شفاء من كل داء إلا السام" ، قال القرطبي: ويسعط بالقسط بحتا من ذات الجنب ومن حديث ابن جريج عن زياد بن سعد عن حميد: سمعت أنسا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير ما تداوى به الناس (الحجامة) والكست" وذكر العذرة. وفي لفظ: "لا تعذبوا أولادكم بالغمز، عليكم بالقسط البحري"، ومن حديث عمر بن محمد التلي، عن أبيه، عن محمد بن أبان، عن علقمة بن

[ ص: 371 ] مرثد،
عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العذرة حتى صدعته ورئي ذلك عليه، فأتاه جبريل فرقاه فبرأ .

وللترمذي عن ابن عباس يرفعه: "إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشي" . وقد سلف من حديث زيد بن أرقم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينعت الزيت والورس والقسط لذات الجنب.

قال قتادة: يلده من الجانب الذي يشتكيه.

وفي رواية: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتداوى من ذات الجنب في القسط البحري والزيت.

ولأبي داود عن أبي كبشة مرفوعا: "من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن (لا يتداوى) بشيء" .

فصل:

قال الأزهري في "تهذيبه": السعوط والنشوع والنشوق في الأنف، نشع وأنشع، ولخيته ولخوته وألخيته: إذا سعطته، ويقال: أسعطته، وكذلك: وجرته وأوجرته لغتان. وأما النشوق، فيقال: أنشقته إنشاقا، وهو طيب السعوط والسعاط والإسعاط .

وقال ابن سيده في "محكمه": سعطه الدواء يسعطه ويسعطه، والضم أعلى، والصاد في كل ذلك لغة، عن اللحياني. وأرى هذا إنما هو على المضارعة التي حكاها سيبويه. وأسعطه: أدخله في أنفه، والسعوط:

[ ص: 372 ] اسم الدواء، والسعيط: المسعط، والسعيط: دهن الخردل ودهن البان، والسعوط من السعي، كالنشوق من النشق .

وقال الجوهري: أسعطته، واستعط هو بنفسه .

وفي "الجامع": السعوط والمسعط والسعيط: الرجل الذي يفعل به ذلك، والسعطة: المرة الواحدة من الفعل، والإسعاط قبلها. قال أبو الفرج: الإسعاط هو تحصيل الدهن أو غيره في أقصى الأنف، سواء كان بجذب النفس أو بالتفريغ فيه.

وفي "البيان" لأبي حنيفة: نشقه نشقا واستنشقه استنشاقا، ونشقته أنشقه نشقا، ونشقا، وهو ما جعلت في أنفك.

فصل:

القسط: بضم القاف، قال الجوهري: هو من عقاقير البحر .

وقال ابن السكيت: القاف بدل من الكاف، كما ذكره البخاري.

وفي كتاب "المنتهى" لأبي المعالي: الكست والكسط والقسط ثلاث لغات، وهو جزر البحر.

وفي "الجامع" لابن البيطار: أجوده ما كان من بلاد المغرب، وكان أبيض خفيفا، وهو البحري، وبعده الذي من بلاد الهند، وهو غليظ أسود خفيف مثل القار، وبعده الذي من بلاد سوريا، وهو ثقيل ولونه لون البقس، ورائحته ساطعة، وأجودها ما كان حديثا أبيض ممتلئا غير متآكل ولا زهم.

[ ص: 373 ] وأطال في تعريفه ومنافعه، ومنها: أنه ينفع من أوجاع الأرحام إذا استعمل، وشربه ينفع من لدغ الأفعى، ويحرك شهوة الجماع، وإذا وجر به في جمع قتل الولد، وإذا طلي به البهق والنمش أزالهما.

وقال ابن سينا: الهندي يسمى القرنفي، والذي لونه لون البقس شامي ورومي، وهو حار في الثالثة، يابس في الثانية، مفرح ونافع لكل عضو يحتاج أن يسخن.

فصل:

العذرة: بضم العين - كما سلف - وبذال معجمة، وقال في علاجها: عذرته فهو معذور، قيل: هو قرحة تخرج في الخرم الذي بين الأنف والحلق تعرض للصبيان غالبا عند طلوع العذرة، وهي خمس كواكب تحت الشعرى العبور، وتسمى أيضا: العذارى، ويطلع في وسط الحر. قاله ابن قتيبة.

وفي "المحكم": العذرة: نجم إذا طلع اشتد الحر، والعذرة والعاذر والعاذور: داء في الحلق، ورجل معذور: أصابه ذلك .

وقال أبو علي: هي اللهاة، وقيل: قرب اللهاة، وقد أسلفت هذا، واللهاة هي اللحمة التي في آخر الفم وأول الحلق، وعادة النساء في علاجها أن تأخذ المرأة خرقة فتفتلها فتلا شديدا وتدخلها في أنف الصبي وتطعن ذلك الموضع فينفجر منه دم أسود، وربما أقرحته، وذلك الطعن يسمى دغرا، فمعنى "تدغرن أولادكن" أنها تغمز حلق الصبي بإصبعها فترفع ذلك الموضع وتكبسه.

[ ص: 374 ] فصل:

وقولها في الباب الذي ذكرناه: (وقد أعلقت عليه من العذرة)، وفي رواية: علقت. قال صاحب "المطالع": ويروى: علقت عنه. وكلاهما صحيح; لأن (على) بمعنى (عن)، وعلقت وأعلقت جاءت بهما الروايات "الصحيحة" وأهل اللغة إنما يذكرون: أعلقت، والإعلاق والعلاق رباعيا.

قالوا: وهو الصواب، ومعناه غمز العذرة باليد، وهي اللهاة - كما سلف - فخافت أن يكون به ذلك فرفعت لهاته بإصبعها، فنهاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك; لما فيه من التعذيب للصبي، ولعل ذلك يزيد في وجع اللهاة.

فصل:

قال القرطبي: والرواية الصحيحة: "تدغرن أولادكن"، بدال مهملة وغين معجمة، ومعناه رفع اللهاة .

فائدة: روى أبو حاتم الرازي، عن الصلت بن زبيد، عن أبيه، عن جده: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن بابني العذرة. قال: "خذي كستا مرا وزيتا وحبة سوداء فاسعطيه وتوكلي .. " الحديث .

فصل:

أسلفنا أن ذات الجنب وجع به، قال الترمذي: وهو السل . وفي [ ص: 375 ] "البارع": هو الذي يطول به مرضه. وعن النضر: هو الدبيلة، وهي قرحة تثقب البطن، وقيل: هي القرحة. وفي "المنتهى": الجناب بالضم: داء في الجنب.

وأما الأطباء فإنهم يقولون: ذات الجنب ورم حار يكون إما في الحجاب الحاجز أو في الغشاء المستبطن للصدر، وهما خالصان، وإما في الغشاء المتخلل للأضلاع أو العضل الخارج، وهما غير خالصين.

والخالص يلزمه الأعراض الخمسة: حمى لازمة، وجع فاحش، وضيق نفس في صفر وتواتر، ونبض متسارع، وسعال ثاقب.

وغير الخالص ربما أدركه حس الطبيب، وقد يكون بلا حمى، وقد يقال لورم الحجاب برساما، ولورم (العضل) الخارج شوصا.

فصل:

قال ابن العربي: قوله في القسط: (يلد به من ذات الجنب)، فذلك - والله أعلم - في آخر المرض أن يفرج منه الصدر فينزله تخفيف، وأما في أول الأمر - والمرض المذكور ورم حار - فيبعد عادة فيه منه القسط لحرارته .

قال الخطابي فيما نقله ابن التين عنه: وسألت الأطباء عن هذا العلاق فلم يبينوه، إلا أن محمد بن العباس بن محمد المصري ذكر لي أنه رأى لبعض قدماء الأطباء أن ذات الجنب إذا حدثت من البلغم نفع منها القسط البحري .

[ ص: 376 ] فصل:

قال ابن العربي: ذكر - صلى الله عليه وسلم - في القسط سبعة أشفية، فسمى منها اثنتين ووكل باقيها إلى طلب المعرفة أو الشهرة فيها، وقد عدد الأطباء فيها عدة منافع . وقد أشرنا إلى بعضها.

فإن قلت: إذا كان فيه ما تقدم من كثرة المنافع فما وجه تخصيص منافعه بسبع؟ فيجاب - بعد التسليم أن لأسماء الأعداد مفهوما - أن هذه السبعة هي التي علمها الشارع بالوحي، وتحققها وغيرها من المنافع علمت بالتجربة، فذكر ما علمه وحيا دون غيره أو يقال: إنما فصل منها ما دعت الحاجة إليه وسكت عن غيره; لأنه لم يبعث لبيان تفاصيل الطب، ولا لتعليم صنعته، وإنما تكلم بما تكلم به منه; ليرشد إلى الأخذ فيه والعمل به، وأن في الوجود عقاقير وأدوية ينتفع بها، وعين منها ما دعت حاجتهم إليه في ذلك الوقت وبحسب أولئك الأشخاص.

التالي السابق


الخدمات العلمية