التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5407 5739 - حدثني محمد بن خالد، حدثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي، أخبرنا الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زينب ابنة أبي سلمة، عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: " استرقوا لها، فإن بها النظرة". وقال عقيل، عن الزهري: أخبرني عروة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . تابعه عبد الله بن سالم، عن الزبيدي. [مسلم: 2197 - فتح 10 \ 199]


ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو أمر أن يسترقى من العين.

وحديث أم سلمة أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: "استرقوا لها، فإن بها النظرة".

الشرح:

شيخ البخاري في الأول محمد بن كبير، وهو بالباء الموحدة بعد الكاف ، (وسفيان - بعده - هو الثوري. وأخرجه مسلم والنسائي

[ ص: 485 ] وابن ماجه) ، وروى الثاني عن محمد بن خالد، ثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، ثنا محمد بن حرب، ثنا محمد بن الوليد الزبيدي، أنا الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زينب ابنة أبي سلمة، عن أم سلمة به. ثم قال: تابعه عبد الله بن سالم عن الزبيدي، وقال عقيل: عن الزهري، أخبرني عروة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وشيخ البخاري فيه محمد بن خالد، هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي، كما صرح به أبو مسعود والجياني وقال: حدث أبو محمد ابن الجارود بحديث أم سلمة هذا عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب بن عطية، (وليس له عنده غيره) .

وقد اجتمع في هذا الحديث لطيفة عزيزة وهي سبعة كل واحد منهم اسمه محمد: الفربري عن البخاري عن شيخه، آخرهم الزهري وهو محمد بن شهاب. وعبد الله بن سالم هو أبو يوسف الأشعري، حمصي، مات سنة تسع وأربعين ومائة ، انفرد به البخاري.

فصل:

والسفعة بفتح السين وضمها: شحوب في سواد في الوجه، وفي [ ص: 486 ] "البارع": هو سواد الخدين من المرأة الشاحبة. وقال الأصمعي: هي حمرة يعلوها سواد. وقيل: علامة من الشيطان. وقيل: ضربة واحدة منه، من قوله: لنسفعا بالناصية [العلق: 15] سفعت بالناصية وسفعته: لطمته، وسفعته بالعصا: ضربته، وأصل السفع: الأخذ بالناصية، ثم تستعمل في غيرها. وقيل في قوله: لنسفعا بالناصية لنأخذن بها. وقيل: لنسودن منها وجهه، ولنزرقن عينيه حتى يكون ذلك علامة له، فاكتفى بالناصية عن ذكر الوجه.

وقيل: لنذلنه. وعبارة ابن بطال: السفعة: سواد وشحوب في الوجه، وامرأة سفعاء الخدين، والسفع: الأثافي; لسوادها ; من كتاب "العين" .

وفي "الصحاح": السفعة في الوجه: سواد في خدي المرأة الشاحبة. وضبطه بضم السين. وبه سفعة من الشيطان أي: مس منه، ضبطه بفتح السين .

وقال الخطابي : أصل السفع: الأخذ بالناصية، يريد أن بها مسا من الجن وأخذا منها بالناصية .

وقال ابن الجوزي عن ابن ناصر عن الخطيب التبريزي قال: قال أبو العلاء المعري: هو بفتح السين أجود، وقد تضم سينها، من قولهم: رجل أسفع، أي: لونه أسود.

[ ص: 487 ] وقال أبو عبيد : أي: إن الشيطان أصابها، و(قيل): السفع: الأخذ بالناصية. ثم ذكر الآية .

وقال غيره: السفعة: الصفرة والتغير، وكل أصفر أسفع.

فصل:

وقوله: ("فإن بها النظرة"). أي: أصابتها عين، يقال: رجل منظور: إذا أصابته العين.

وقال صاحب "المطالع": النظرة بفتح النون وسكون الظاء: أي: عين من نظر الجن.

قال الخطابي : وعيون الجن أنفذ من (الإنسية) ، ولما مات سعد سمع قائل من الجن يقول:


نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ورميناه (بسهمين) فلم نخطئ فؤاده



فتأوله بعضهم: أي: أصبناه بعين.

فصل:

والرقية من العين والنظرة وغير ذلك باسم الله تعالى وكتابه يرجو بركتهما; لأمر الشارع به، وقد أمر باغتسال العائن وصب ذلك الماء على المعين، كما سلف.

روى مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم

[ ص: 488 ] ولا جلد مخبأة. فلبط سهل - قلت: قال أبو زيد: رجل ملبوط وقد لبط لبطا، وهو سعال أو زكام - فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرضه، فقال: "هل تتهمون أحدا"؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامرا فتغيظ عليه وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ اغتسل له". فغسل عامر وجهه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس
.

وقال معمر عن ابن شهاب: فصب على رأسه، وكفأ الإناء خلفه، وأمره فحسا منه حسوات. وقال الزهري: هي السنة.

فيه من الفقه: أنه إذا عرف العائن أنه يقضى عليه بالوضوء; لأمر الشارع بذلك، وأنها نشرة ينتفع بها.

وفي قوله: ("ألا بركت؟! ") أن من رأى شيئا فأعجبه فقال: تبارك الله أحسن الخالقين وبرك فيه فإنه لا تضره العين، وهي رقية منه.

فصل:

قوله: ("استرقوا لها"). هو أمر بالرقية، وهو ساكن الراء، أصله: استرقيوا، فاستثقلت ضمة الياء فحذفت، فاجتمع ساكنان الواو والياء، فحذفت الياء; لاجتماعهما، ثم ضمت القاف لتصح الواو.

فصل:

الرقى المكروهة أمور مشتبهة مركبة من حق وباطل من ذكر الشياطين، والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم، وإلى هذا ينحو من يرقي بالحية ويستخرج السم من بدن الملسوع، (ويقال: إن الحية لما بينها وبين الإنسان من العداوة الظاهرة تؤالف الشياطين); إذ هي

[ ص: 489 ] أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها، وكذلك اللديغ إذا رقي بتلك الأسماء سالت سمومها وجرت من مواضعها من بدن الإنسان. ولذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه وبكتابه الذي يعرف بيانه; ليكون (بريئا من) شوب الشرك. والفرق بين هذه الرقية والمنهي عنها من رقية المعزمين الذين يدعون تسخير الجن أن الأولى هي الطب الروحاني، وعليه الصالحون، فلما عدموا فزع الناس إلى الطب الجسماني.

التالي السابق


الخدمات العلمية