التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5417 5749 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد أن رهطا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط، الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال

[ ص: 498 ] بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له، فقال: " وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم".
[انظر: 2276 - مسلم: 2201 - فتح 10 \ 209]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها: حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره".

وقال أبو سلمة: وإن كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من الجبل، فما هو إلا أن سمعت هذا الحديث فما أباليها.

وسيأتي في كتاب التعبير ، (وأخرجه مسلم والأربعة ، قال الترمذي: حسن صحيح) .

ثانيها:

حديث عائشة - رضي الله عنها - : كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه .. الحديث، وقد سلف في (باب المغازي) وفي باب الرقى [ ص: 499 ] بالقرآن ، وفي آخره: قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أتى على فراشه. وترجم له فيما سيأتي: باب المرأة ترقي الرجل . (وأخرجه مسلم أيضا) .

ثالثها:

حديث أبي سعيد في الرقى بالفاتحة، وقد سلف قريبا ، أخرجه هنا من حديث أبي عوانة وهو الوضاح عن أبي بشر وهو جعفر عن أبي المتوكل، وسلف قريبا اسمه عنه.

وقوله فيه: (فانطلق يمشي ما به قلبة). هو بفتح اللام، أي: ألم وعلة، وأصله من القلاب بضم القاف، وهو داء يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه. وقيل: معناه: ما به داء يقلب له.

وفي هذه الأحاديث البيان أن التفل على العليل إذا رقي أو دعي له بالشفاء جائز، والرد على من لم يجز ذلك، وبه قال جماعة من الصحابة وغيرهم، وأنكر قوم من أهل العلم النفث والتفل في الرقى، وأجازوا النفخ فيهما، كما أسلفناه عنهم في باب الرقى بالقرآن، وما فعله الشارع هو المتبع، وقد روت عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ريق ابن آدم شفاء ، قالت: كان إذا اشتكى الإنسان قال - صلى الله عليه وسلم - بريقه هكذا في الأرض وقال: "تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا" .

[ ص: 500 ] فصل:

وقوله: (فكأنما نشط من عقال). قال صاحب "الأفعال": يقال: أنشطت العقدة: حللتها، ونشطتها: عقدتها بأنشوطة، وهي حديدة يعقد بها .

قلت: فعلى هذا، صوابه: أنشط، كما نبه عليه ابن التين أيضا، ثم نقل ما ذكرناه عن الجوهري وابن فارس و"الغريبين"، وذكره الجوهري بلفظ: أنشط ، وكذا الهروي.

وقوله في أوله: (فأبوا أن يضيفوهم). قال ابن التين : ضبط في بعض الكتب بفتح الياء ثلاثي، وليس هو في اللغة كذلك، يقال: ضفت الرجل وضيفته: إذا أنزلته ضيفا، ومنه قوله تعالى: فأبوا أن يضيفوهما وضفت الرجل ضيافة: إذا نزلت عليه ضيفا، وكذلك تضيفته.

فصل:

والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، وليس له واحد من لفظه، مثل: ذود، والجمع: أرهط وأرهاط.

فصل:

قوله: (فقال الذي رقى: لا تفعلوا). كذا هنا، وقال قريبا: فقالوا لا نأخذه حتى نسأل. ولا تخالف بينهما، فقد يقولون ذلك ثم يقوله هو، أو في أحدهما وهم; قاله ابن التين .

فصل:

فيه هبة المشاع; لقوله: اضربوا لي معكم بسهم.

[ ص: 501 ] فصل:

قوله في الحديث الأول: (الرؤيا من الله). يريد الرؤيا الصالحة التي لا تختلط فيها من الشيطان ولا أمور فاحشة.

و(الحلم) بضم الحاء واللام وبسكونها أيضا: ما يراه النائم، تقول منه: حلم بالفتح واحتلم، والحلم بالكسر: الصفح، والحلم بالتحريك: أن يفسد الإهاب في العمل، وهذا من الشيطان يهول ويخلط ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله.

وقوله: (فما أباليها). أي فما أكترث عليها.

وقوله: (فلينفث). أي: عن يساره ثلاثا كما جاء في موضع آخر. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية