التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5441 [ ص: 559 ] 55 - باب: ما يذكر في سم النبي - صلى الله عليه وسلم -

رواه عروة عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

5777 - حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة أنه قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود". فجمعوا له، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟". فقالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أبوكم؟". قالوا: أبونا فلان. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كذبتم بل أبوكم فلان". فقالوا: صدقت وبررت. فقال: "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟". فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أهل النار؟". فقالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا". ثم قال لهم: "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟". قالوا: نعم. فقال: "هل جعلتم في هذه الشاة سما". فقالوا: نعم. فقال: "ما حملكم على ذلك". فقالوا: أردنا إن كنت كذابا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك. [انظر: 3169 - فتح 10 \ 244]


ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لما فتحت خيبر .. الحديث بطوله، سلف في المغازي (والجزية، وأخرجه النسائي في "التفسير" وحديث عائشة سلف في آخر المغازي) .

[ ص: 560 ] قال ابن بطال : ولا أعلم خلافا فيمن سم طعاما أو شرابا لرجل فلم يمت أنه لا قصاص فيه، ولا حد، وفيه العقوبة الشديدة، والأدب البالغ قدر ما يراه الإمام في ذلك.

فإن قلت: كيف فيه العقوبة والشارع لم يعاقب من وضع له فيه السم فيها؟

قلت: كان - عليه السلام - لا ينتقم لنفسه ما لم تنتهك حرمات الله، وكان يصبر على أذى المنافقين واليهود، وقد سحره لبيد بن الأعصم، وناله من ضرر السحر ما لم ينله من ضرر السم في الشاة، ولم يعاقب الذي سحره; لأن الله تعالى كان قد ضمن لنبيه أنه لا يناله مكروه، وأن لا يموت حتى يبلغ دينه، ويصدع بتأدية شريعته، وكان معصوما من ضرر الأعداء، قال تعالى: والله يعصمك من الناس [المائدة: 67] وغيره من الناس بخلاف ذلك، (وكذا) .

الفرق بينه وبين غيره.

واختلف فيمن سم طعاما أو شرابا لرجل فمات منه، فذكر ابن المنذر عن الكوفيين: إذا سقاه سما أو جربه به فقتله فلا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية، وقال مالك: إذا استكرهه فسقاه سما فقتله فعليه القود .

قال الكوفيون: ولو أعطاه إياه فشربه هو لم يكن عليه فيه شيء، ولا على عاقلته من قبل أنه هو شربه، وقال الشافعي: إذا جعل السم في طعام رجل أو شرابه فأطعمه أو سقاه غير مكره له، ففيه قولان:

[ ص: 561 ] أحدهما: أن عليه القود، وهو أشبههما.

وثانيهما: أن لا قود عليه، وهو آثم، لأن الآخر شربه، وإن خلطه فوضعه فأكله الرجل فلا عقل ولا قود ولا كفارة، وقيل: يضمن.

فصل:

وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الدليل الواضح على صحة نبوة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام من وجوه؛ منها: إخباره عن الغيب الذي لا يعلمه إلا من أعلمه الله بذلك، وذلك معرفته بأبيهم، وبالسم الذي وضعوه له في الشاة، وفيها تصديق اليهود له حين أخبرهم بأبيهم ومنه قول اليهود له: إن كنت نبيا لم يضرك، فرأوا أنه لم يقتله السم وتمادوا في غيهم ولم يؤمنوا لما رأوا من برهانه في السم وفي إخباره عن الغيب.

وهذا الحديث يشهد بمباهتة اليهود وعنادهم للحق كما قال عبد الله بن سلام: اليهود قوم بهت .

فصل:

قوله: ("هل أنتم صادقوني؟ ") كذا في الأصول، وفي بعضها: "صادقي"، وذكره ابن التين باللفظ الأول وقال: صوابه في العربية الثاني أصله صادقوني; لأن النون تحذف للإضافة فيجتمع حرفا علة سبق الأول منهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، مثل قوله تعالى: وما أنتم بمصرخي وقوله - صلى الله عليه وسلم - لورقة بن نوفل: "أو مخرجي هم" .

[ ص: 562 ] فصل:

قولهم: (صدقت وبررت) هو بكسر الراء الأولى، قلت: وحكي فتحها.

فصل:

وقولهم: (نكون فيها يسيرا ثم يخلفوننا فيها) أي: يدخلون مكاننا، ومنه: فخلف من بعدهم خلف [مريم: 59].

فصل:

ذكر هنا أنه - صلى الله عليه وسلم - علم بالسم ولم يذكر أنه علم به قبل الأكل أو بعده، وفي رواية أخرى: أهدت امرأة شاة مسمومة، فأكل منها هو وبعض أصحابه فمات بعضهم من ذلك السم وأمسك الله نفس نبيه إلى أن قال: "ما زالت أكلة خيبر تعاهدني فهذا أوان انقطاع أبهري" ويحتمل أن يكون الذي سألهم أهل المرأة أو غيرهم ويحتمل أن يكون في بعض الروايتين وهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية