التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
41 [ ص: 88 ] 30 - باب: الصلاة من الإيمان

وقول الله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة: 143] يعني صلاتكم عند البيت

40 - حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال أخواله- من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا -أو سبعة عشر شهرا- وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد، وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مكة. فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. قال زهير: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء في حديثه هذا أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة: 143]. [399، 4486، 4492، 7252 - مسلم: 525 - فتح: 1 \ 95]


حدثنا عمرو بن خالد، نا زهير، نا أبو إسحاق، عن البراء، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال أخواله- من الأنصار، إلى قوله: فأنزل الله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم .

الكلام عليه من وجوه بعد أن تعرف أن البخاري أخرجه أيضا في الصلاة، وإجازة خبر الواحد الصدوق في الصلاة والتفسير.

[ ص: 89 ] أحدها: في التعريف برواته:

أما البراء فهو بتخفيف الراء وبالمد على المشهور، وقيل: بالقصر، وهو أبو عمارة بضم العين، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الطفيل، البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة -بفتح الميم وإسكان الجيم وفتح الدال المهملة- بن الحارث بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي الحارثي المدني.

روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة حديث وخمسة أحاديث، اتفقا على اثنين وعشرين وانفرد البخاري بخمسة عشر ومسلم بستة.

استصغر يوم أحد مع ابن عمر ثم شهد الخندق والمشاهد كلها، وعنه: ما قدم علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قرأت: سبح اسم ربك الأعلى [الأعلى: 1] في سور من المفصل، وغزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة غزوة، وقيل: ثماني عشرة ما رأيته ترك فيها ركعتين حين تزيغ الشمس في حضر ولا سفر.

مات أيام مصعب بن الزبير] وقتل مصعب سنة اثنتين وسبعين.

[ ص: 90 ] فائدة:

أبوه صحابي أيضا ذكره ابن سعد في "طبقاته" و (قل) من ذكره ولم يسمع له ذكر في شيء من المغازي، وقد جاء حديثه في الرجل الذي اشترى منه الصديق بثلاثة عشر درهما، وليس في الصحابة عازب غيره، ولا فيهم البراء بن عازب سوى ولده.

وأما أبو إسحاق فهو السبيعي -بفتح السين المهملة وكسر الموحدة نسبة إلى السبيع جد القبيلة وهو السبيع بن الصعب، وأبعد من قال: عرف بذلك لنزوله فيهم، وأغرب المزي حيث ذكره في الألقاب - ابن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيوان بن نوف بن همدان.

وهو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن علي، وقيل: عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد الهمداني السبيعي الكوفي التابعي الجليل الكبير المتفق على جلالته وتوثيقه.

[ ص: 91 ] ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأى عليا وأسامة والمغيرة ولم يصح سماعه منهم، وسمع ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ومعاوية وخلقا من الصحابة وآخرين من التابعين، وعنه: التيمي وقتادة والأعمش وهم من التابعين، والثوري وهو أثبت الناس فيه، وخلق من الأئمة.

قال العجلي: سمع ثمانية وثلاثين من الصحابة، وقال ابن المديني: روى عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره. مات سنة ست، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وعشرين ومائة.

وأما زهير فهو أبو خيثمة زهير بن معاوية بن حديج -بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وبالجيم- بن الرحيل -بضم الراء وفتح الحاء المهملة- بن زهير بن خيثمة الجعفي الكوفي.

سكن الجزيرة، سمع السبيعي وحميدا الطويل وغيرهما من التابعين وخلقا من غيرهم، وعنه يحيى القطان وجمع من الأئمة، و (اتفقوا) على جلالته وحسن حفظه وإتقانه.

قال أبو زرعة : هو ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط.

وقال أحمد: ثبت بخ بخ لكن في حديثه عن أبي إسحاق لين سمع منه بآخره، قال أبو حاتم: (هم) ثلاثة إخوة: زهير وحديج ورحيل، [ ص: 92 ] (أعدلهم زهير ثم حديج).

مات سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: سنة سبع وسبعين ومائة، وقال أبو داود عن النفيلي: فلج قبل موته بسنة، ولم أسمع منه شيئا بعدما فلج، وقال أبو حاتم: زهير أحب إلينا من إسرائيل في كل شيء إلا في حديث أبي إسحاق، وزهير ثقة متقن صاحب سنة، تأخر سماعه من أبى إسحاق.

قال الخطيب: حدث عنه ابن جريج وعبد السلام بن عبد الحميد الحراني وبين وفاتيهما بضع وتسعون سنة، وحدث عنه محمد بن إسحاق وبين وفاتيهما قريب من ذلك.

فائدة:

يجاب عن إخراج البخاري له عن أبي إسحاق أنه لعله ثبت عنده سماعه منه قبل الاختلاط كما سلف في الفصول.

وأما عمرو (خ، ق) بن خالد فهو أبو الحسن عمرو بن خالد بن فروخ بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد -بالقاف- بن ليث بن واقد بن عبد الله الحنظلي الجزري الحراني، سكن مصر.

روى عن الليث وابن لهيعة وغيرهما من الأئمة، وعنه البخاري وانفرد به، وأبو زرعة وغيرهما من الأئمة، وروى ابن ماجه، عن [ ص: 93 ] رجل عنه واسمه عمرو -بزيادة الواو- ويقع في بعض النسخ بإسقاطها والصواب الأول.

قال أبو حاتم: صدوق، وقال العجلي: مصري ثبت ثقة، مات بمصر سنة تسع وعشرين ومائتين.

فائدة:

لهم عمرو بن خالد الواسطي المتروك انفرد بالإخراج له ابن ماجه، وعمرو بن خالد الكوفي منكر الحديث.

[ ص: 94 ] الوجه الثاني: في ألفاظه ومعانيه:

قوله: (يعني: صلاتكم عند البيت) كذا وقع في الأصول، والمراد إلى البيت، يعني: بيت المقدس أو الكعبة; لأن صلاتهم إليها إلى جهة بيت المقدس.

وقوله: (أول ما قدم المدينة) يعني: في الهجرة، ولها أسماء كثيرة ذكرت منها في "الإشارات للغات المنهاج" تسعة وعشرين اسما مفصلة فراجعها منه.

وقوله: (أجداده -أو قال: أخواله- من الأنصار) هو شك من الراوي وهم أخوال وأجداد مجازا; لأن هاشما جد أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج من الأنصار وقصته مشهورة، وقد سلف في أول الكتاب شأن الأنصار المذكور في السير أن أول ما نزل - صلى الله عليه وسلم - على كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، ثم على أبي أيوب الأنصاري خالد وليسا ولا واحد منهما من أخواله ولا أجداده، وإنما أخواله وأجداده في بني عدي بن النجار وقد مر بهم، ونزل على بني مالك أخي عدي فلعل ذلك وقع تجوزا لعادة العرب في النسبة إلى الأخ أو لقرب ما بين داريهما.

وقوله: (وأنه صلى قبل بيت المقدس): أي متوجها إليه، وقوله: (بيت المقدس) هو -بفتح الميم وإسكان القاف، وفيه لغة أخرى ضم الميم وفتح القاف والدال المشددة- أي المطهر، وعلى الأول هو مصدر كالمرجع، أو مكان ومعناه: بيت مكان الطهارة، قاله أبو علي الفارسي.

[ ص: 95 ] وقال الزجاج: أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، ويقال: البيت المقدس على الصفة. والمشهور بيت المقدس على إضافة الموصوف إلى صفته كصلاة الأولى، ومسجد الجامع وبابه، وله أسماء أخر ذكرتها في (الكتاب) المشار إليه قريبا.

وقوله: (ستة عشر شهرا- أو سبعة عشر شهرا). كذا وقع هنا على الشك، وكذا هو في أكثر الروايات، وفي رواية في "صحيح مسلم " وغيره عن البراء الجزم بالأولى فيتعين (اعتمادها) كما قاله النووي .

وقال الداودي: إنه الصحيح، قبل بدر بشهرين، وهو قول ابن عباس والحربي; لأن بدرا كانت في رمضان في السنة الثانية.

وخالف القاضي فقال: الثاني أصح وهو قول مالك وابن إسحاق وابن المسيب، وفي "سنن أبي داود": ثمانية عشر شهرا.

وحكى المحب الطبري : ثلاثة عشر شهرا، ورواية أخرى: سنتين، وأغرب منهما: تسعة أشهر، وعشرة أشهر، وهما شاذان.

وقال أبو حاتم بن حبان: صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام سواء; لأن قدومه - صلى الله عليه وسلم - من مكة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وحولت يوم الثلاثاء نصف شعبان.

[ ص: 96 ] وفي "تفسير ابن الخطيب" عن أنس أنها حولت بعد الهجرة بتسعة أشهر، وهو غريب. وعلى هذا القول يكون التحويل في ذي القعدة إن عد شهر الهجرة، وهو ربيع الأول، أو ذي الحجة إن لم يعد وهو أغرب.

وفي ابن ماجه أنها صرفت إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين.

وقال إبراهيم بن إسحاق: حولت في رجب. وقيل: في جمادى فحصل في تعيين الشهر أقوال).

والشهر سمي بذلك لشهرته عند الناس كلهم لاحتياجهم إلى معرفته في عبادتهم ومعايشهم. يقال: شهرت الشيء إذا أظهرته، وفي لغة رديئة أشهرته، حكاها الزبيدي.

وقوله: (وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت). أي: كان يحب ذلك كما صرح به البخاري في رواية أخرى في باب: التوجه نحو القبلة.

وقوله: (صلاة العصر) هو بدل من قوله: (أول صلاة صلاها).

وقوله: (مر على أهل مسجد) إلى آخره، هؤلاء ليسوا أهل قباء بل أهل مسجد بالمدينة وهو مسجد بني سلمة ويعرف بمسجد القبلتين، ومر عليهم المار في صلاة العصر. وأما أهل قباء فأتاهم الآتي في صلاة الصبح، كما صرح به البخاري ومسلم في موضعه من حديث ابن عمر.

[ ص: 97 ] ويجوز أن تحمل الأولى على أن المراد: أن أول صلاة صلاها كاملة إلى الكعبة العصر، وقيل: كان التحويل في ركوع الثانية من الظهر في المسجد السالف فاستدار واستدارت الصفوف، فأنزل الله تعالى: قد نرى تقلب وجهك [البقرة: 144] الآية. وذكر القرطبي أن الآية نزلت في غير صلاة.

وقوله: (وأهل الكتاب) هو: برفع اللام معطوف على اليهود، ولعل المراد بهم النصارى; فإن اليهود أيضا أهل كتاب.

فائدة:

هذا (المار) هو عباد بن نهيك بن إساف الخطمي، صلى القبلتين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت، قاله ابن عبد البر.

وقال ابن بشكوال: هو عباد بن بشر الأشهلي، [و] ذكره الفاكهي في "أخبار مكة" عن خويلة بنت أسلم وكانت من المبايعات، وفيه قول ثالث: أنه عباد بن وهب.

الوجه الثالث: في فوائده:

وهي جمة مفرقة في الأبواب ذكرت منها جملة في "شرح العمدة" ونذكر منها هنا عشر فوائد: [ ص: 98 ] ونقدم عليها أن التحويل كان في السنة الثانية قطعا، واختلف في الشهر الذي حولت فيه على ثلاثة أقوال سلفت:

أحدها: في الظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان، قاله محمد بن حبيب الهاشمي، وحكاه عنه النووي في "الروضة" في كتاب السير وأقره.

وثانيها: في رجب في نصفه في صلاة الظهر يوم الاثنين، ونقله بعضهم عن الأكثرين كما حكاه صاحب "المطلب".

قال: وفي رواية شاذة أن ذلك كان في جمادى الآخرة، وهذا هو الثالث.

الأولى: ما ترجم له وهو كون الصلاة من الإيمان، وقد اتفق المفسرون وغيرهم على أن المراد به هنا الصلاة، وكذا ذكره البراء في حديث الباب بفحواه وإن لم يصرح به، والآية إنما نزلت في صلاتهم إلى بيت المقدس.

وقال ابن إسحاق وغيره: ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم بنبيكم واتباعكم إياه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينكم أجرهما جميعا.

وما زاده زهير في حديث البراء، أخرجه أبو داود والترمذي من

حديث ابن عباس، قال: لما وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة: 143].

[ ص: 99 ] الثانية: جواز النسخ ووقوعه ولا عبرة بمن أحاله. قال ابن عباس: أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة والصيام، وأول من صلى إلى الكعبة البراء بن معرور.

الثالثة: قبول خبر الواحد (كما ترجم له فيما مضى) وقد يقال: إنه احتف به قرائن ومقدمات أفادت العلم; لأنهم كانوا متوقعين التحويل.

الرابعة: استحباب إكرام القادم أقاربه بالنزول عليهم دون غيرهم.

الخامسة: أن محبة الإنسان الانتقال من طاعة إلى أكمل منها ليس قادحا في الرضا بل هو محبوب.

السادسة: أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه، لأن أهل المسجد وأهل قباء صلوا إلى بيت المقدس بعض صلاتهم بعد النسخ، لكن قبل بلوغه إليهم وهو الصحيح في الأصول، وتظهر فائدة الخلاف في الإعادة، ويتعلق بذلك أن الوكيل هل ينعزل من حين العزل أو من بلوغ الخبر؟ والأصح عندنا الأول بخلاف القاضي، والفرق تعلق المصالح الكلية به بخلاف الوكيل، ويتعلق به أيضا أن الأمة لو صلت مكشوفة الرأس ثم علمت بالعتق في أثناء الصلاة، هل تبني أو تستأنف؟ [ ص: 100 ] السابعة: جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين بدليلين، فمن صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم تغير اجتهاده في أثنائها، فظن أن القبلة في جهة أخرى ولم يتيقن ذلك، يتحول إلى الجهة الثانية ويبني على صلاته ويجزئه، وإن كانت إلى جهتين وثلاث وأربع حتى لو صلى الرباعية إلى الجهات الأربع كل ركعة إلى جهة بالاجتهاد أجزأه، وهو الأصح عند أصحابنا.

الثامنة: جواز نسخ السنة بالكتاب، والأصح عند الجمهور نعم، وللشافعي فيه قولان:

قال مرة: لا يجوز، كما لا يجوز عنده نسخ القرآن بالسنة قولا واحدا، والأصح عند الجمهور: نعم بشرط كونها متواترة.

قال القاضي عياض: أجازه الأكثر عقلا وسمعا، ومنعه بعضهم عقلا، وأجازه بعضهم عقلا، ومنعه سمعا.

وقال ابن الخطيب: قطع الشافعي وأكثر أصحابنا وأهل الظاهر وأحمد في رواية بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وأجازه أبو حنيفة ومالك والجمهور.

واستدل المجوزون على الأولى بأن التوجه نحو بيت المقدس لم [ ص: 101 ] يكن (ثابتا) بالكتاب، وقد نسخ به، وبقوله تعالى: فلا ترجعوهن إلى الكفار [الممتحنة: 10] فنسخ العهد والصلح على ردهن، وبقوله تعالى: فالآن باشروهن [البقرة: 187] نسخ تحريم المباشرة وليس في القرآن، وصوم عاشوراء برمضان، وعلى الثانية بأنه نسخت الوصية للوالدين والأقربين بقوله: "لا وصية لوارث" ونسخ الإمساك في البيوت بالرجم والجلد الثابت بالسنة.

وأجاب المانعون عن قصة القبلة بأنها نسخ قرآن بقرآن، وأن الأمر أولا كان يخير المصلي أن يولي وجهه حيث شاء بقوله: فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115] ثم نسخ باستقبال القبلة.

التاسعة: جواز النسخ بخبر الواحد، وهو ما مال إليه القاضي أبو بكر وغيره من المحققين، كما نقله القاضي عياض عنهم، واختاره الغزالي والباجي وأهل الظاهري، ووجهه أن العمل بخبر الواحد مقطوع به كما أن العمل بالقرآن والسنة المتواترة مقطوع به، وأبعد بعضهم فقال: النسخ به كان جائزا في زمنه، وإنما منع بعده.

والمختار كما قال الغزالي: وقوع نسخ السنة المتواترة بالآحاد عقلا [ ص: 102 ] لو تعبد به وسمعا في زمانه - صلى الله عليه وسلم - بدليل قصة قباء، وأما بعده فممنوع بإجماع الصحابة على أن خبر الواحد لا يرفع قاطعا.

العاشرة: أن من لم يعلم بفرض الله، ولم تبلغه الدعوة، ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره، فالفرض غير لازم له، والحجة غير قائمة عليه.

وقد اختلف العلماء فيما حكاه القاضي فيمن أسلم في دار الحرب أو أطراف بلاد الإسلام حيث لا يجد من يستعلمه الشرائع، ولا علم أن الله فرض شيئا من الشرائع، ثم علم بعد ذلك هل يلزمه قضاء ما مر عليه من صيام وصلاة لم يعلمها؟

فذهب مالك والشافعي (في آخرين) إلى إلزامه، فإنه قادر على الاستعلام والبحث والخروج إلى ذلك، وذهب أبو حنيفة أن ذلك يلزمه إن أمكنه أن يستعلم فلم يستعلم وفرط، وإن كان لا يحضره من يستعلمه فلا شيء عليه. قال: وكيف يكون لله فرض على من لم [يعلم] بفرضه.

التالي السابق


الخدمات العلمية