التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5487 [ ص: 652 ] 23 - باب: ثياب الخضر

5825 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، أخبرنا أيوب، عن عكرمة، أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر. فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنساء ينصر بعضهن بعضا - قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها. قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء ومعه ابنان له من غيرها. قالت: والله ما لي إليه من ذنب، إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه. وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد رفاعة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإن كان ذلك لم تحلي له - أو لم تصلحي له - حتى يذوق من عسيلتك". قال: وأبصر معه ابنين فقال: "بنوك هؤلاء؟". قال: نعم. قال: هذا الذي تزعمين ما تزعمين؟! فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب". [انظر: 2639 - مسلم: 1433 - فتح 10 \ 281]


ذكر فيه عن عكرمة: أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، الحديث بطوله. وسلف في الطلاق وغيره .

وموضع الحاجة منه قول عائشة - رضي الله عنها - : (وعليها خمار أخضر) والثياب الخضر لباس أهل الجنة كما سلف.

قال تعالى: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق وكفى بهذا شرفا لها وترغيبا فيها.

[ ص: 653 ] وقال هشام بن عروة: رأيت على عبد الله بن الزبير مطرفا من خز أخضر ألبسته إياه عائشة .

وروى أبو داود حديثا عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت (عليه بردين أخضرين) .

وفيه: أن للرجل ضرب زوجته عند نشوزها عليه وإن أثر ضربه في جلدها، ولا حرج عليه في ذلك، ألا ترى أن عائشة - رضي الله عنها - قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لجلدها أشد خضرة من ثوبها، ولم ينكر عليها؟

وفيه: أن للنساء أن يطالبن أزواجهن عند الإمام بقلة الوطء، وأن يعرضن بذلك تعريضا بينا كالصريح، ولا عار عليهن في ذلك.

وفيه: أن للزوج إذا ادعي عليه بذلك أن يخبر بخلاف ويعرب عن نفسه، ألا ترى قوله (لرسول الله) - صلى الله عليه وسلم - : والله إني لأنفضها نفض الأديم. وهذه الكناية من الفصاحة العجيبة، وهي أبلغ في المعنى من الحقيقة.

وفيه: الحكم بالدليل؛ لقوله في بنيه: "لهم أشبه به من الغراب بالغراب". فاستدل بشبههما له على كذبها ودعواها.

فصل:

الزبير بفتح الزاي: قتل مع قومه يوم بني قريظة كافرا بعد أن سأل فيه عثمان فترك، فقال: كيف يعيش المرء دون ولده؟ فذكر ذلك عثمان

[ ص: 654 ] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: تركت ولده، فأخبره، فقال: كيف يعيش دون ماله؟ فذكره عثمان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: تركت ماله، فأخبره فقال: ما فعل بفلان وفلان؟ قيل: قتلوا. قال: فعلت الذي إليك، لا خير لي في الحياة. فقتل كافرا .

فصل:

قولها: (قالت: والله ما إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من جلبابها) يحتمل أن تريد: ما ينقم مني إلا أنه أعرض عني. ويحتمل أن تريد ما أنقم عليه ذلك، فإن كان جلدني ما أنقم عليه إلا إعراضه عني. قاله الداودي ، وزاد: يحتمل تشبيهها بالهدبة انتشاره وأنه لا يتحرك، أو أنه رقيق، فشبهته بالهدبة على التقليل والمبالغة، ويحتمل أن يكون رأت من رفاعة من الجماع ما يباعد من فعله هذا فوصفته بهذا; ولهذا يستحب نكاح الأبكار، لأنها تظن الرجال سواء، والثيب تعدم من الضعيف ما علمته من القوي وإن كان الثاني أقوى، فقد تقول: ثم من هو أقوى منه.

[ ص: 655 ] فصل:

وقوله: (أنفضها نفض الأديم)، فقد يكون بلغ جهده، وهو عندها قليل.

وقوله: ("وإن كان ذلك لم تحلي له - أو - لم تصلحي له") كذا في الأصول. وادعى ابن التين أن في سائر الأمهات "تحلين" وصوابه: تحلي، وأخبرها بذلك لعلها ترضى بالمقام.

وقوله: ("بنوك هؤلاء؟ " قال: نعم). عبر عن التثنية بالجمع، وذلك جائز. قال تعالى: إذ تسوروا المحراب وهما اثنان.

وقوله: ("لهم أشبه به من الغراب بالغراب") فيه دليل على الحكم بالقافة وهو الدليل كما أسلفناه.

وفيه أنه لم يقتص لها (منه) في الضرب; لقوله تعالى: واضربوهن أي: في شأنها، ولم يذكر أنه قضى في الأعراض بشيء، فلعله علم أن الكاذب منهما يرجع عن قوله إلى الحق.

التالي السابق


الخدمات العلمية