التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5506 5844 - حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرتني هند بنت الحارث، عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل وهو

[ ص: 15 ] يقول: "
لا إله إلا الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات، كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة".
قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها. [انظر: 115 - فتح: 10 \ 302]


ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر - رضي الله عنه - عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وقد سلف في النكاح واضحا في باب موعظة الرجل ابنته ، وفي آخره: فدخلت فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه مرفقة من أدم حشوها ليف وإذا أهب معلقة وقرظ.

وحديث هند بنت الحارث، عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل وهو يقول: "لا إله إلا الله، ماذا أنزل الليلة من (الفتنة) ، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات، كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة". قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها. وسلف أيضا ، والمرفقة كالوسادة وأصله من المرفق كأنه استعمل في مرفقته واتكأ عليها.

وكان - عليه السلام - ينام على الحصير حتى تؤثر في جنبه، ويتخذ من الثياب ما يشبه تواضعه وزهده في الدنيا; توفيرا لحظه في الآخرة، وقد خيره الله بين أن يكون نبيا ملكا، وبين أن يكون عبدا (ملكا) فاختار الثاني إيثارا للآخرة على الدنيا وتزهيدا لأمته فيها، ليقتدوا به في أخذ البلغة من الدنيا إذ هي أسلم من الفتنة التي تخشى على من فتحت عليه زهرة الدنيا،

[ ص: 16 ] ألا ترى قوله: "ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن"، وقرن عليه الفتنة بنزول الخزائن، فدل أن الكفاف في الأمور عن الدنيا خير من الإكثار وأسلم من الغناء.

فإن قلت: حديث أم سلمة لا يوافق معنى الترجمة، قيل: بلى، وذلك أنه - عليه السلام - حذر أهله وجميع المؤمنات من لباس دقيق الثياب والواصفة لأجسامهن; لقوله: "كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة".

وفهم منه عقوبة لابسه أن يعرى يوم القيامة على رءوس الأشهاد وقام الدليل، من ذلك أنه - عليه السلام - حض أزواجه على استعمال خشن الثياب الساترة لهن حذرا أن يعرين في الآخرة، ألا ترى قول الزهري: (وكانت هند)، إلى آخره، وإنما فعلت ذلك; لئلا يبدو من سعة كمها شيء من جسدها فيكون، وإن كانت ثيابها غير واصلة لجسدها داخلة في معنى كاسية عارية، ولم يتخذ الشارع ولا أزواجه من اللباس إلا الساتر لهن غير الواصف يوصف كان يعلم السلف، وهو موافق للترجمة.

فصل:

والأهب: جمع إهاب، عن سيبويه .

قال الجوهري: الإهاب الجلد ما لم يدبغ، والجمع: أهب على غير قياس مثل: أدم وأفق وعمد، قال: وقد قالوا: أهب بالضم، وهو قياس .

[ ص: 17 ] وقال القزاز في "جامعه": الإهاب الجلد مدبوغا وغير مدبوغ.

قال: وفي الحديث وفي السير: أيضا عطنة، فسماها أهبا، وهي قد غطيت، وفيه إذا دبغ الإهاب فقد طهر، فسماه إهابا قبل الدباغ، والقرظ بفتح القاف والراء: ورق السلم يدبغ به الأدم.

والأراك المذكور في أوله: شجر الحمص، الواحدة: أراكة.

والوصيف: الخادم غلاما كان أو جارية، كما قاله الجوهري، يقال: وصف الغلام إذا بلغ الخدمة، فهو وصيف بين الوصافة.

قال ثعلب: وربما قالوا للجارية: وصيفة .

وقوله: (وتقدمت إليها في أذاه) قال ابن التين: هو بالياء عند أبي الحسن على أنه ممدود. وصوابه: قصره، وكذلك عند أبي ذر.

والمشربة: الغرفة.

والأدم - بفتح الدال - جمع أديم، مثل: أفيق وأفق.

فصل:

وقوله: ("ماذا أنزل الليلة من الفتنة") (يريد) ماذا قدر أن يكون بها.

وقوله: ("من يوقظ صواحب الحجرات") قال سحنون: أي أيقظوا النساء كي يسمعن الموعظة، وقيل: كي يصلين عند نزول الآفات وخوف الفتن، كقوله في الكسوف: "فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة" .

[ ص: 18 ] وقوله: ("كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة")، قيل: كاسيات من نعم الله لا يشكرن الله تعالى فهن عاريات من جزاء الشكر يوم القيامة، وقيل: يلبسن ثيابا رقاقا تصف ما تحتها فهن كاسيات في الظاهر عاريات في الحقيقة، ومعنى عارية: أي من الأجر.

وقال الداودي: كاسيات يلبسن ما لا يحل (لهن) ، وعاريات: تحشر عريانة فإن رحمت كسيت وإلا بقيت عريانة في النار.

التالي السابق


الخدمات العلمية