التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5532 5870 - حدثنا إسحاق، أخبرنا معتمر قال: سمعت حميدا يحدث، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان خاتمه من فضة وكان فصه منه. وقال يحيى بن أيوب: حدثني حميد، سمع أنسا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح: 10 \ 322]


وذكر عن حميد قال: سئل أنس - رضي الله عنه - : هل اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما؟ قال: أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل، ثم أقبل علينا بوجهه، فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه. قال: "إن الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها".

وعن حميد عنه أنه - عليه السلام - كان خاتمه من فضة وكان فصه منه. وقال يحيى بن أيوب: حدثني حميد، سمع أنسا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الشرح:

ابن مسافر هو: عبد الرحمن بن خالد بن مسافر أبو خالد الفهمي المصري (واليها مولى) الليث، من أفراد البخاري . وزياد هو ابن سعد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الخراساني البلخي، سكن مكة وكان شريك ابن جريج، ثم انتقل إلى اليمن ومات به .

[ ص: 56 ] وقد روي حديث أنس من طريق ثالث، (عن شعبة أخرجه ابن منجويه في كتاب "الخاتم" من حديث حجاج بن نصير عنه به بلفظ: نهاني) عن خاتم الذهب. وفي رواية: رأى على رجل خاتما من ذهب فأخذه فحذف به. ولابن شاهين في حديث ابن عمر: "هلاك أمتي في الذهب والحرير" .

ولابن منجويه: الذي وقع منه الخاتم رجل من الأنصار اتخذه عثمان على خاتمه .

وفي "علل أبي جعفر": ذهب يوم الدار، فلا ندري أين ذهب.

ولابن منجويه: هلك من يد معيقيب الدوسي.

وقوله: (تابعه إبراهيم) إلى آخره أخرجه أبو داود من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عنه أنه رأى في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ورق يوما واحدا، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبي وطرح الناس.

ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعيد، وشعيب بن أبي حمزة وابن مسافر كلهم قال: من ورق . وقال الإسماعيلي: حدثنا أبو يعلى، ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وبشر بن الوليد.

قال عبد العزيز: حدثني إبراهيم بن سعد فذكر: من ورق.

[ ص: 57 ] وحديث شعيب رواه عن الفضل بن عبد الله، ثنا عمر بن عثمان، ثنا بشر بن بشر بن شعيب بن أبي (حمزة) وحديث زياد رواه الإسماعيلي أيضا عن الحسن، حدثنا ابن عبد الله بن نمير وإسحاق بن منصور، ثنا روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن زياد.

وحديث ابن مسافر رواه الإسماعيلي (عن إبراهيم) عن إبراهيم بن موسى، أنا أبو الأحوص، ثنا ابن عفير، ثنا الليث عنه، وكلهم قال: من ورق.

قال الإسماعيلي: وحديث ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة. فإن ابن ناجية وموسى بن العباس أخبراني، عن أبي إسماعيل الترمذي، ثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر عن سليمان بن أبي عتيق وموسى عن الزهري.

قال الإسماعيلي: هذا الخبر إن كان محفوظا، فإن الأخبار عن يونس تدل على أنه - عليه السلام - لبس الخاتم، وكذلك روى ابن عمر. فينبغي أن يكون تأويله أنه اتخذ خاتما من ورق على لون من الألوان، وكره أن يتخذ الناس مثله، فلما اتخذوه رمى به حتى رموا به، ثم اتخذ بعد ما اتخذه ونقش عليه لما احتاج إلى الختم، وقوله للمتزوج: "التمس ولو كان خاتما من حديد" فيه دليل على استعمالهم خواتيم الفضة إلى أدناها.

قال: وقول البخاري: باب: فص الخاتم. وذكر فيه حديث أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه في أصبعه. ليس في الباب الذي ترجمه.

[ ص: 58 ] قلت: بلى; لأنه لا يسمى خاتما إلا إذا كان فيه فص، وإلا فهو فتخة.

وروي حديث الباب من طرق أخرى:

أحدها: من حديث ابن مسعود أنه - عليه السلام - نهانا عن خاتم الذهب .

ثانيها: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب .

وثالثها: من حديث عائشة - رضي الله عنها - : أهدى النجاشي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلية فيها خاتم من ذهب، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنه لمعرض عنه، ثم دعا ابنة ابنته أمامة فقال: "تحلي بهذا يا بنية" رواها ابن أبي شيبة .

رابعها: من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يد رجل خاتما من ذهب، فضرب يده بقضيب كان معه حتى رمى به . أخرجه ابن منجويه، وفي كتاب "الورع" لأحمد: اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما قال: "شغلني هذا عنكم منذ اليوم، أنظر إليه نظرة وإليكم نظرة" ثم رمى به .

ومن حديث جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتختم بخاتم من ذهب، فطفق الناس ينظرون إليه، فوضع يده اليمنى [ ص: 59 ] على خنصره، ثم رجع إلى البيت فرمى به. ولابن منجويه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن. جده، قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خاتم الذهب وخاتم الحديد. ولابن شاهين من حديث ميمون بن (سنباذ) عن عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعا: "من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة، ومن لبس الحرير منهم فكذلك" .

ولابن منجويه من حديث عمرو، عن طاوس قال: كان في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم من ذهب، فنظر إليه نظرة (وإليهم نظرة) ، ثم ألقاه فلم يلبسه.

ومن حديث حفص الليثي، عن عمران بن حصين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التختم بالذهب .

ولابن شاهين من حديث أبي هريرة مرفوعا: "من أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه (حلقة) من نار فليسوره سوارا من ذهب، ومن أحب أن يحلق حبيبه

[ ص: 60 ] حلقة من نار فليحلق حلقة من ذهب، ولكن عليكم بالفضة العبوا بها لعبا"
، ثم قال: كان في أول الإسلام يلبس الرجال خواتيم الذهب وغير ذلك، وكان الحظر قد وقع على الناس كلهم، ثم أباحه للنساء فقط، وصار ما كان على النساء من الحظر مباحا لهم، فنسخت الإباحة الحظر .

وترجم الحازمي: باب: لبس الخواتيم، وذكر عن محمد بن مالك قال: رأيت على البراء بن عازب خاتما من ذهب، فقال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما فألبسنيه وقال: "البس ما كساك الله ورسوله" (وقد أخرجه أحمد عن أبي عبد الرحمن، عن أبي رجاء، عن محمد بن مالك) .

ومن حديث إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عمه أنه رأى على سعد بن أبي وقاص خاتما من ذهب وعلى صهيب وعلى طلحة بن عبيد الله.

ثم ذكر أن هذا منسوخ بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - لبس خاتما من ذهب، ثلاثة أيام ثم رمى به، فلا ندري ما فعل.

ثم قال: وحديث البراء ليس إسناده بذلك، وإن صح فهو منسوخ; للأحاديث الثابتة.

فأما استعمال البراء للخاتم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدل على أنه لم يبلغه النهي، وكذلك (العذر) عن طلحة وسعد وصهيب .

[ ص: 61 ] قلت: ذلك عن البراء وهو راوي الحديث: نهينا عن سبع، وذكر منها خواتيم الذهب.

وقوله: إن حديث البراء ليس إسناده بذاك. ليس بجيد، فقد رواه علي بن الجعد، عن شعبة، عن أبي إسحاق بعلة من غير رفع، ورواه ابن منجويه في الخاتم، من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق: رأيت في يد البراء خاتم ذهب، فصه ياقوتة، (...)

وروى ابن أبي شيبة عن ابن نمير، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر قال: رأيت على البراء خاتم ذهب. وعن حذيفة أنه كان في يده خاتم ذهب فيه ياقوتة. وعن سماك بن حرب قال: رأيت على جابر بن سمرة خاتما من ذهب، ورأيت على عكرمة خاتم ذهب.

وعن ثابت بن عبيد قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتم ذهب.

وعن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد ، قالا: نزعنا من يد أبي أسيد خاتم ذهب حين مات، وكان بدريا.

وحدثنا مروان بن معاوية، عن أبي القاسم الأسدي، قال: سألت أنس بن مالك: أتختم بخاتم ذهب؟ قال: نعم .

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن قال: رأيت في يد أنس خاتما من ذهب، فقال: عبد الرحمن شيخ كوفي ليس بالمشهور، روى عنه أبو معاوية الضرير وعبد الرحمن بن مغراء .

وروى ابن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن محمد بن إسماعيل قال: حدثني من رأى على طلحة بن عبيد الله وسعد،

[ ص: 62 ] وذكر ستة أو سبعة عليهم خواتيم الذهب .

فصل:

أما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خذ خاتمك لتنتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدا، وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلأن الخاتم محرم اللبس، والحرام يئول بصاحبه إلى النار، فهو كقوله تعالى: إنما يأكلون في بطونهم نارا [النساء: 10] وقوله: "إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" ، وربما نسب بعض الجهال هذا الرجل إلى التفريط وليس كذلك - كما نبه عليه ابن الجوزي - لأنه لا يخفى أن المحرم لبسه لا يحرم الانتفاع به، غير أنه يتعلق الإبعاد (بعين) الشيء، فخاف الرجل أن يكون هذا من ذاك الجنس مثل قوله في الناقة: "دعوها فإنها ملعونة" . وكما ورد في العجين من بئر ثمود.

فصل:

في حديث الخاتم تنبيه على منع إخراج القيم في الزكاة; لأنه ربما كان مراده بغير ما نص عليه، وكذلك إزالة النجاسة بالماء.

[ ص: 63 ] فصل:

لم يزد ابن بطال في "شرحه" على أن قال: التختم بالذهب منسوخ لا يحل استعماله; لنهي الشارع عنه، والذهب محرم على الرجال حلال للنساء ومن ترخص في التختم بالذهب من السلف لم يبلغه النهي والنسخ ، وهو كلام جامع.

فصل:

قال الطحاوي: اختلف الناس في تحلي الذهب للنساء، فروي عن عائشة أنه - عليه السلام - رأى عليها مسكتين من ذهب، فقال: "ألا أخبرك بأحسن من هذا لو نزعت هذين وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتيهما بزعفران كانتا حسنتين" .

وروى السرقسطي في "دلائله" عن موسى، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معمر بن سليمان الرقي ، عن خصيف ، عن مجاهد، عن عائشة - رضي الله عنها - أنه - عليه السلام - نهى عن لبس الحرير والذهب، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله، شيء (خفيف) - من الذهب يربط به المسك فقال: "لا اجعليه فضة وصفريه بشيء من الزعفران" .

وروي عن ربعي بن خراش، عن (امرأته) ، عن أخت لحذيفة بن

[ ص: 64 ] اليمان
قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويلكن يا معشر النساء، أما لكن في الفضة ما تتحلين به حتى تتحلين بالذهب، إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا إلا عذبت يوم القيامة" .

وروى ثوبان أن ابنة هبيرة جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يدها فتخ من ذهب أي: خواتيم كبار، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب يدها فأتت فاطمة فشكت إليها ما صنع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ثوبان: فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة وأنا معه، وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب، فقالت: هذه أهداها إلي أبو حسن، فقال: "يا فاطمة، أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - في يدها سلسلة من نار" ثم خرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة ، فاشترت بها غلاما فأعتقته فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار" .

وعن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله طوق من ذهب. قال: "طوق من نار"، قالت: يا رسول الله، سوار من ذهب. قال: "سوار من نار" قالت: قرطين من ذهب. قال: "قرطين من نار" قال: وعليها سواران من ذهب فرمت بهما،

[ ص: 65 ] وقالت: يا رسول الله، إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده، قال: "فما يمنع إحداكن أن تصنع قرطين من ورق ثم تصفرهما بالزعفران؟!"
.

وعن أسماء بنت يزيد أنه - عليه السلام - قال: "أيما امرأة تحلت قلادة من ذهب جعل في عنقها مثلها من النار يوم القيامة وأيما امرأة تحلت خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله يوم القيامة".

قال أبو جعفر: أما حديث عائشة فقد جاء عنها ما يدل على نسخه وأنها كانت تحلي بنات (أخيها) الذهب، وكانت أم سلمة تكره ذلك وتنكره إذ لا يصح أن تكون عائشة فعلت ذلك بعد ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسكتين إلا بعد وقوفها على تحليل ذلك لهن ولأمثالهن بعد تحريمه عليهن .

قلت: في البخاري: وكان على عائشة - رضي الله عنها - خواتيم ذهب; وأما حديث فاطمة فهو من أحسن ما روي في تحريم لبس الذهب على النساء غير أنه يحتمل أن يكون نسخه ما ذكرنا كما نسخ حديث عائشة.

وأما حديث ربعي فلا يصح; لأنه لم يسمعه من أخت حذيفة وإنما حدث به عن امرأته وهي لا تعرف، ولا يحتج بمثلها في هذا الباب.

وحديث أبي هريرة لا يحتج بمثله فيه أبو زيد وهو مجهول.

[ ص: 66 ] وحديث أسماء لا يحتج به أيضا; لأنه إنما رواه عنها محمود بن عمرو، وهو غير معروف ; قلت: وثقه ابن حبان .

وحديث ثوبان منقطع إذ يرويه عنه أبو سلام ممطور عند النسائي، ولم يسمع منه كما قاله ابن معين وغيره، وابنة هبيرة هذه اسمها هند، كما ذكره أبو موسى المديني.

وروى ثابت السرقسطي، عن أحمد بن شعيب، ثنا حاجب بن سليمان، ثنا (ابن أبي داود) ، ثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنه - عليه السلام - دخل عليها، وقد علقت في عنقها شعائر من ذهب فأعرض عنها، قالت: فقلت: يا رسول الله ألا تنظر إلى زينتنا؟ فقال: "عنها أعرضت" ثم قال: "وما على إحداكن لو اتخذت قرطين من فضة ثم صبغتهما بزعفران فيكون كأنه ذهب؟ ".

ولابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث النعمان بن راشد، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن (أبي) ثعلبة الخشني قال: جلس رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده خاتم من ذهب، فقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده بقضيب، فقال: قال أبي: هذا خطأ، إنما هو كما رواه يونس، عن الزهري، عن أبي إدريس عن رجل له صحبة قال: جلس رجل .. الحديث .

[ ص: 67 ] قال الطحاوي: وقد احتج بعض من ذهب إلى إجازة تحلي النساء بالذهب بما روي عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرا في يمينه وذهبا في شماله ثم قال: "هذان حرامان على ذكور أمتي وحلال لإناثها".

قال: وهو حديث فاسد الإسناد; لأن أهل الثقة يروونه عن رجل من همدان - يقال له: أفلح - عن عبد الله بن زرير عن علي.

وأفلح هذا رجل مجهول ليس هو أبو علي الهمداني وهو أبو علي لا يعرف; لأن أبا علي اسمه حسين بن شفي .

قلت: أفلح هذا معروف، وروى عنه جماعة منهم بكر بن سوادة. وقال العجلي: مصري، تابعي، ثقة .

وقوله: أهل الثقة إلى آخره: ليس بجيد; لأن أبا داود والنسائي روياه عن قتيبة بن سعيد، عن ليث - يعني: ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب; فقال: عن أبي أفلح الهمداني، عن ابن زرير .

وعند النسائي أيضا من حديث عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن أبي أفلح به ، وعنده عن رجل من همدان - يقال له: أبو أفلح - عن ابن زرير به، وعنده عن ابن أبي الصعبة واسمه (...) عن رجل من

[ ص: 68 ] همدان - يقال له: أفلح - عن ابن زرير به .

قال النسائي: وحديث ابن المبارك أولى بالصواب إلا قوله: عن أفلح، فإن أبا أفلح أولى بالصواب .

ورواه ابن ماجه من حديث عبد العزيز عن أبي الأفلح الهمداني عن ابن زرير ، فالصواب في اسمه غير ما ذكره

وقوله: (حسين بن شفي) صوابه: ثمامة بدل حسين.

وروى السرقسطي في "دلائله" من حديث حازم بن محمد الغفاري، عن أمه حمادة بنت محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قالت: سمعت عمي يقول: أدركت أم ليلى وكانت من المبايعات وفي يدها مسكتان من ذهب.

ثم قال الطحاوي: وقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق غير هذا الطريق: أن الحرير والذهب حرام على ذكور أمته حلال لإناثهم - جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - ، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاصي وزيد بن أرقم وعقبة بن عامر وأبو موسى. وقد روي في إباحة الحرير للنساء عن علي وعمر، فلا يعارض ما تواتر من هذه الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يخالفها ولم تتواتر تلك الروايات.

فرع:

قد أسلفنا أن في حل الافتراش لهن خلافا بخلاف الأواني.

وفي "قنية" الحنفية: النساء فيما سوى الحلي من الأكل والشرب والادهان والتعوذ، وفي الذهب والفضة بمنزلة الرجل في الكراهة;

[ ص: 69 ] لعموم الأثر، بخلاف الحرير فإنه يحل لهن افتراشه والجلوس عليه ونحوه، ولا خلاف في هذا بين الأئمة.

فصل:

قال الطحاوي: روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن لبوس الخاتم إلا لذي سلطان. والمعنى في هذا أن الخواتم لم تكن من لباس العرب ولا يستعملونه، يوضحه أنه - عليه السلام - لما أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر قيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما، فاتخذه لحاجته إليه، وكذلك في حديث أبي ريحانة: "إلا لذي سلطان" لحاجة السلطان إليه، ومن احتاج إلى المكاتبة أو إلى ختم قاله جاز له أيضا، ولما اتخذه - عليه السلام - اتخذه الناس .

قلت: دعواه أن الخاتم لم يكن من لباسهم عجيب، فهو اسم عربي، وكانت العرب تستعمله، ووقع في ذلك ابن التين أيضا، وقال: إنه من زي العجم.

قال ابن بطال: والنهي (ورد) من حديث أبي ريحانة ولا حجة فيه لضعفه .

فصل:

في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - لما اتخذ الخاتم من فضة لبسه إلى أن مات، وحديث أنس - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - نبذ خاتم الورق، هو معدود عند العلماء من أوهام الزهري; لأن المنبوذ دائما هو خاتم الذهب.

[ ص: 70 ] رواه عبد العزير بن صهيب وثابت البناني وقتادة عن أنس، وهو خلاف ما رواه الزهري عنه فوجب القضاء للجماعة على الواحد إذا خالفها مع ما يشهد للجماعة من حديث ابن عمر. قال المهلب وقد يتأول للزهري ما ينفي الوهم عنه، وإن كان الوهم أظهر، وذلك يحتمل أن يكون - عليه السلام - لما عزم على إطراح خاتم الذهب اصطنع خاتم الفضة; لأنه لا يستغني عن الختم على الكتب للعمال إلى البلدان وأجوبتهم وقواد السرايا، فلما لبسه أراد الناس ذلك اليوم أن يصطنعوا مثله، فطرح عند ذلك خاتم الذهب، فطرح الناس خواتيم الذهب . وما ذكره ليس بظاهر.

فصل:

قال أبو داود: لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده .

فصل:

في فصه: روى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس قال: كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورق، وكان فصه حبشيا ولا تضاد فكان له واحد من فضة وآخر فصه حبشي. وكذا قال الخطابي: كان له خاتمان أحدهما فصه منه كراهية التزين ببعض الجواهر التي تميل إليها النفوس، وكان فص الآخر حبشيا، وذلك مما لا بهجة له ولا زينة.

(قلت: وفي "الطبراني الكبير" عن معيقيب قال: كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديد ملوي عليه فضة .

[ ص: 71 ] ثم روى أنه كان لخالد بن سعيد وأخذه منه) .

وروى أنه تختم بفص عقيق.

فصل:

التختم في اليسار واليمين، ورجح أصحابنا اليمين، وهو الأشهر والمستفيض.

وقد روى حماد بن سلمة الحديث الأول وزاد بعد قوله: (وكأني أنظر إلى وبيص خاتمه): (ورفع يده اليسرى).

قال أحمد بن خالد: هذا جيد في التختم في اليسار، وهو كان آخر فعله، وأصل التختم في اليسار.

وروى أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - كان يتختم في يساره. وقال أبو داود: وقال ابن إسحاق وأسامة عن نافع بإسناده: في يمينه .

وكان ابن عمر والحسن يتختمان في يسارهما .

وقال مالك: أكره التختم في اليمين وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه، فكيف تريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل، قيل له: أفنجعل الخاتم في اليمين للحاجة نذكرها؟ قال: لا بأس بذلك. وكان ابن عباس وعبد الله بن جعفر يتختمان في اليمين .

[ ص: 72 ] وقال عبد الله بن جعفر: كان - عليه السلام - يتختم في يمينه. رواه حماد بن سلمة، عن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر .

وقال البخاري: هذا أصح شيء روي في هذا الباب ذكره الترمذي .

وفي "علل ابن أبي حاتم" عن أبيه: أما اتخاذه خاتما من فضة، وليس فيه محمد رسول الله فهو صحيح، وأما قول من قال: كان يلبسه في شماله فلا أعلم أحدا رواه، إنما رواه عباد بن العوام، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وروى بعضهم عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عنه - عليه السلام - والحفاظ يروونه عن سعيد، عن أنس (عن) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون أنه لبس في يساره .

وقال في موضع آخر: سألت أبي عن تختم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يمينه أصح أم يساره؟ قال: في يمينه الحديث أكثر ولم يصح هذا ولا هذا .

قلت: روينا عن ابن سعد بأسانيد جيدة من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ذهب، فكان يجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه في يمينه .

[ ص: 73 ] ومن حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه - عليه السلام - كان يتختم في يمينه، وقبض والخاتم في يمينه.

(قلت: وروي أنه كان يتختم في يساره، فإذا تطهر حوله إلى يمينه) .

وروى ابن منجويه (في "الخاتم" من حديث أنس قال: لبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم فضة في يمينه فصه حبشي فجعل فصه مما يلي باطن كفه) .

وعن عبد الله بن جعفر أنه - عليه السلام - كان يتختم في يمينه .

وعن أنس أيضا أنه - عليه السلام - كان يتختم في يمينه .

ورواه ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن جعفر، وزاد (أن) ابن جعفر كان يتختم في يمينه . ولأبي داود من حديث علي - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - كان يتختم في يمينه. ومن حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك .

قال علي بن العبد: كان أبو داود لا يقرأ هذا الحديث ثم قرأه بعد علي.

[ ص: 74 ] ومن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - كان يتختم في (يمينه) .

وفي شرف النبي - صلى الله عليه وسلم - التصنيف الكثير.

روي عن علي وابن عباس وأبي جعفر وابن عمر وأنس وجابر وغيرهم - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - كان يقول: "اليمين أحق بالزينة من اليسار".

ولابن أبي شيبة من حديث (أبي) الصلت بن عبد الله بن نوفل قال: رأيت ابن عباس وخاتمه في يمينه.

ولا أحسب إلا أنه ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان يلبسه.

ومن حديث المختار بن سعد قال: رأيت محمد بن علي يتختم في يمينه .

فصل:

لأبي داود بإسناد جيد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : لما اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخاتم من الفضة ونقش فيه: محمد رسول الله قال: "لا ينقش أحد على نقش خاتمي" ، وقد أخرجه البخاري من حديث

[ ص: 75 ] أنس كما سيأتي .

ولأبي داود: وأمر إنسانا أن لا يتم خاتمه مثقالا ونهاه عن التختم بالحديد .

وبه صرح الخطابي .

وفي رواية: كان له - عليه السلام - خاتم حديد ملوي عليه فضة .

قال التيفاشي في "نزهة الألباب": خاتم الفولاذ مطردة للشيطان، لا سيما إذا لوي عليه فضة بيضاء، فكأنه أراد تعليم أمته بهذا.

فصل:

لابن منجويه عن إبراهيم أنه - عليه السلام - قال: "من تختم بالياقوت الأصفر لن يفتقر، والزمرد يتقي الفقر" وقال: "من لبس العقيق لم يقض له إلا بالذي هو أسعد فإنه مبارك، وصلاة في خاتم عقيق بثمان صلاة" ولا أصل لذلك.

ومن حديث أبي هشام الرفاعي، عن حفص، عن جعفر عن أبيه قال: كان نقش خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العزة لله.

وعن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج خاتما إليهم، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسه فيه تمثال أسد .

قال معمر: فرأيت بعض أصحابنا غسله بالماء ثم شرب ذلك الماء.

[ ص: 76 ] ولابن سعد: قال ابن سيرين: كان في خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بسم الله، محمد رسول الله .

وقال أبو العالية: كان نقشه: أصدق الله. ثم ألحق الخلفاء بعد: محمد رسول الله .

ومن حديث محمد بن عمرو بن عثمان أن معاذا لما قدم من اليمن حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها قدم وفي يده خاتم ورق نقشه: محمد رسول الله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما هذا؟ " فقال: يا رسول الله، إني كنت أكتب إلى الناس فأفرق أن يزاد فيها أو ينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به. قال: "وما نقشه؟ " قال: محمد رسول الله. فقال - عليه السلام - : "آمن كل شيء من معاذ" ثم اتخذه رسول الله فختم به .

وفي (ابن) إسحاق عن سعيد أن خالد بن سعيد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده خاتم له، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما هذا؟ " قال: اتخذته. فقال: "اطرحه إلي". فطرحه فإذا هو حديد ملوي على فضة فقال: "ما نقشه؟ " قال: محمد رسول الله. فأخذه - عليه السلام - فلبسه، فهو الذي كان في يده .

وفي حديث عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي، عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاصي حين قدم من الحبشة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال

[ ص: 77 ] له: "ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟ " فقال: حلقة يا رسول الله قال: "فما نقشها؟ " قال: محمد رسول الله. فأخذه فتختم به، فكان في يده حتى قبض - صلى الله عليه وسلم - ثم في يد الصديق - رضي الله عنه - .. الحديث .

وروى (ابن سعد) من حديث عطاف بن خالد، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن ابن المسيب قال: ما تختم رسول الله حتى لقي الله، ولا أبو بكر حتى لقي الله، ولا عمر حتى لقي الله، ولا عثمان (حتى لقي الله، - رضي الله عنهم - ) ، ثم ذكر ثلاثة أخر من الصحابة .

فصل:

قال الخطابي: وقد كره للنساء أن يتختمن بالفضة; لأن ذلك من زي الرجال، فإن لم يجدن ذهبا فليصفرنه بالزعفران أو نحوه ، ولا يسلم له ما ذكره من الكراهة.

فصل:

الفص - بفتح الفاء وحكي كسرها - : واحد الفصوص، ونسب الجوهري إلى العوام الكسر ، وإنما جعل الفص مما يلي الكف; لأنه أبعد من الزينة، ونص عليه القاضي حسين من أصحابنا، والرافعي في: الوديعة.

[ ص: 78 ] فصل:

قوله: (ونقش فيه محمد رسول الله) هذا هو المعروف، ونقل ابن التين عن الشيخ أبى محمد قيل: فيه زيادة: لا إله إلا الله في أوله، وكان نقش خاتم مالك: حسبي الله ونعم الوكيل .

فصل:

الخاتم - بفتح التاء وكسرها - وختام وخاتام وخيتام وختم، فهذه ست لغات. والجمع خواتيم .

فصل:

ذكر المرزباني في "الكتاب المفصل": رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار خاتم فضة فصه منه فاستحسنه، فقال: هو لك يا رسول الله فتختمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستبطن فصه، فاتخذ الناس خواتيم وأظهروا فصوصها، فقال - عليه السلام - : "وقد فعلوا! ما أنا بلابس خاتما بعدها" فوضعه في بيته فضاع، فبينا يعلى عنده إذ طلب الخاتم ليختم به كتابا فلم (يقدر) عليه، وفي أصبع يعلى بن أمية خاتم مفضض عليه محمد رسول الله، فقال يا رسول الله خذه، فدعا حنظلة، فقال: "عليك هذا الخاتم، فاحتفظ به والزمني ولا تفارقني" فبذلك وضع على حنظلة اسم الكاتب.

التالي السابق


الخدمات العلمية