التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5554 [ ص: 114 ] 65 - باب: إعفاء اللحى عفوا : كثروا وكثرت أموالهم.

5893 - حدثني محمد، أخبرنا عبدة، أخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى". [انظر: 5892 - مسلم: 259 - فتح: 10 \ 351]


ثم ذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى".

الشرح:

معنى ("انهكوا"): بالغوا في الأخذ منها من غير استئصال، وهو ثلاثي من نهك ينهك. ومعناه مثل "أحفوا"، وفي الحديث: "أشمي ولا تنهكي" . أي لا تبالغي.

[ ص: 115 ] قال صاحب "الأفعال" يقال: نهكته الحمى بالكسر نهكا: أثرت فيه، وكذلك العبادة . والتأثير غير الاستئصال.

وقوله: ("وأعفوا") قال الجوهري: عفا الشعر و (النبت) وغيرهما: كثر.

وذكر الآية: حتى عفوا أي: كثروا. قال: وعفوته أنا وأعفيته أيضا لغتان إذا فعلت ذلك به . فعلى هذا يقرأ: "واعفوا" موصولا ومقطوعا، وبالقطع قرأناه.

و ("اللحى") جمع لحية بكسر اللام مقصور. وقال الجوهري: وبضم اللام يريد من لحى مثل ذروة وذرى .

فصل:

وعلة توفير اللحية أن فيه جمالا للوجه وزينة للرجال، وجاء في بعض الخبر: إن الله تعالى زين بني آدم باللحى. ولأن الغرض بذلك مخالفة الأعاجم، وهذا ما لم يخرج بطولها عن الحد المعتاد فيقضي لصاحبها إلى أن يسخر به.

وسلف أن معنى: "أحفوا الشارب" قصها، وأن حلقها منهي عنه، هذا مذهب أهل المدينة وأكثر العلماء، وهو مروي عن جمهور الصحابة - رضي الله عنهم - .

وقال أبو حنيفة رحمه الله: هو مستحب.

[ ص: 116 ] ونقله ابن التين عن الشافعي أيضا فأغرب; قال: ودليلنا قوله - عليه السلام - : "ليس منا من حلق" ولأن فيه جمالا للوجوه وزينة، وفي حلقه مثلة.

قال الطبري: فإن قلت: ما وجه قوله: "أعفوا اللحى" وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إن ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر هذا الخبر تفاحش طولا وعرضا، وسمج حتى صار للناس حديثا ومثلا.

قيل: قد ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خصوص هذا الخبر، وأن من اللحية ما هو محظور إعفاؤه، وواجب قصه على اختلاف في السلف من قدر ذلك وحده; فقال بعضهم: حد ذلك أن يزداد على قدر القبضة طولا، وأن ينتشر عرضا فيقبح ذلك، فإذا زادت على قدر القبضة كان الأولى جز ما زاد على ذلك من غير تحريم منهم ترك الزيادة على ذلك.

وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى رجلا قد ترك تحت لحيته حتى كثرت فاتخذ يجذبها ثم قال: ائتوني بحلمتين، ثم أمر رجلا فجز ما تحت يده ثم قال: اذهب فأصلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع، وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل، وعن ابن عمر مثله.

وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يحدوا في ذلك حدا، غير أن معنى ذلك عندي: ما لم يخرج من عرف الناس، وهذا قدمناه، وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ من (طول) لحيته وعرضها ما لم يفحش الأخذ منها، وكان إذا ذبح أضحيته يوم النحر أخذ منها شيئا.

[ ص: 117 ] وقال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها ومن عرضها إذا كثرت وعلت كراهة الشهرة كالملبس .

والصواب أن قوله: ("أعفوا اللحى") على عمومه إلا ما خص من ذلك; وقد روي عنه حديث في إسناده نظر أن ذلك على الخصوص، وأن من اللحى ما الحق فيه ترك إعفائه، وذلك ما تجاوز طوله أو عرضه عن المعروف من خلق الناس، وخرج عن الغالب فيهم.

ألا ترى ما روى مروان بن معاوية، عن سعيد بن أبي راشد المكي، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كان - عليه السلام - يأخذ اللحية فما طلع على الكف (جزه) ، وهذا الحديث وإن كان في إسناده نظر فهو جميل من الأمر، وحسن من الفعل.

التالي السابق


الخدمات العلمية