التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5640 5986 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه". [انظر: 2067 - مسلم: 2557 - فتح: 10 \ 415]


ذكر فيه حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن يبسط (له في رزقه) وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه". وحديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب .. " الحديث به سواء.

الشرح:

(حديث أنس تقدم في البيوع) .

("ينسأ") مهموز أي: يؤخر، والأثر هنا الأجل، وسمي الأجل أثرا; لأنه تابع للحياة وسابقها، ولعل معناه: إن مدة عمره، وإن قصرت يكون مثل من عاش زمانا لا يصل رحمه، لما أعطى الله نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لما تقاصرت أعمار أمته، وإن حملته على ظاهره احتجت إلى تأويل قوله تعالى: فإذا جاء أجلهم [الأعراف: 34] وقوله - عليه السلام - أن ابن آدم يكتب في بطن أمه أثره (أي) أجله ورزقه .

[ ص: 268 ] وروي عن كعب الأحبار أنه قال لما طعن عمر: لو دعا الله لزاد في عمره، فأنكر ذلك عليه المسلمون واحتجوا بالآية السالفة، وأن الله يقول: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب [فاطر: 11] وقيل: إنه يحكم أن عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو في كتابه ، فعلى هذا يكون الحديث على ظاهره; لأن صلة الرحم من الطاعة.

وعبارة الطبري أنه إن فعل ذلك به جزاء له على ما كان له من العمل الذي يرضاه فإنه غير زائد في علم الله شيئا لم يكن به عالما قبل تكوينه، ولا ناقص منه شيئا، بل لم يزل عالما بما في العبد فاعل وبالزيادة التي هو زائد في عمره بصلة رحمه، والنقص الذي هو بقطع رحمه من عمره ناقص قبل خلقه، لا يعزب عنه شيء من ذلك ، وقد سلف ذلك في كتاب البيوع في باب: من أحب البسط في الرزق.

فصل: فيما جاء في فضلها.

روى أبو موسى المديني في "ترغيبه" من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "بر الوالدين يزيد في العمر، والكذب ينقص الرزق" ثم قال: اختلف على عثمان

[ ص: 269 ] فيه، فرواه السري بن مسكين، عنه، عن أبي سهيل بن مالك، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

ورواه داود بن المحبر، عن عباد عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأبي سعيد ببعض معناه ، ورواه حماد، عن رجل غير مسمى، عن أبي صالح، عن جابر، وعن ابن عباس (يرويان) مسندا عن التوراة: "ابن آدم (اتق ربك) بر أبويك وبر والدتك وصل رحمك أمد لك في عمرك" الحديث .

وعن ابن عباس بسند عباسي مرفوعا: "إن صلة الرحم تزيد في العمر" .

[ ص: 270 ] وروى أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث في "سننه" من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عن علي بن حسين، عن أبيه، عن علي - رضي الله عنه - مرفوعا: "الصدقة بعشر، والصلة بثمانية عشر، وصلة الإخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين".

قال أبو موسى: وفي الباب عن ابن عمر ومعاوية بن حيدة وأبي أمامة وأم سلمة. وفي حديث زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه رفعه: "من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره" .

ومن حديث ثوبان مرفوعا: "لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين، ولا يزيد في الرزق إلا صلة الرحم" حديث غريب، والمشهور ما رواه أبو نعيم بإسناده إلى ثوبان مرفوعا: "لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بذنب يصيبه".

رواه غير واحد عن سفيان كذا رواه بعضهم عن أبي نعيم عن سفيان إلى ثوبان ، ويروى عن سالم بن أبي الجعد وراشد بن سعد، عن

[ ص: 271 ] ثوبان ، ذكر الزيادة في العمر من حديث محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال، وسأله عن قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت [الرعد: 39] قال: "هي الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصطناع المعروف وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء، يا علي، ومن كانت فيه خصلة واحدة من هذه الأشياء أعطاه الله هذه الثلاث خصال" .

وروي عن عمر وابن عباس نحوه من قولهما . ورواه الكلبي، عن أبي صالح، عن جابر بن رئاب وابن عباس مرفوعا ، ومن حديث عكرمة بن إبراهيم عن زائدة بن أبي الزناد، ثنا موسى بن الصباح، عن عبد الله بن عمرو يرفعه: "إن الإنسان ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد

[ ص: 272 ] الله في عمره ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فينقص الله عمره حتى لا يبقى فيه إلا ثلاثة أيام"
قال أبو موسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا بهذا الإسناد.

وعن علي مرفوعا: "من ضمن لي واحدة أضمن له أربعا: يصل رحمه يحبه أهله، ويوسع له في رزقه، ويزاد في عمره، ويدخله الله الجنة" حديث حسن من رواية أهل البيت، وروي عنه بلفظ: "من سره أن يبسط له في رزقه ويمد له في عمره فليصل رحمه" رواه غير واحد عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي - رضي الله عنه - ، ورواه أبو إسحاق

[ ص: 273 ] السبيعي
[عن حبيب] عن عاصم ، وقيل: عن أبي إسحاق عن عاصم نفسه .

وفي حديث الفرج بن فضالة، ثنا هلال بن جبلة عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في صفة بالمدينة فقال: "إنى رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه رد ملك الموت عنه"، وذكر حديثا طويلا ، حديث حسن جدا (ورواه عن

[ ص: 274 ] سعيد أيضا عمر بن ذر) وعلي بن زيد بن جدعان .

قلت: ورواه أبو زكريا في "تاريخ الموصل" من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب مختصرا.

ورواه الترمذي في "نوادره" من حديث عبد الرحمن بن عبد الله، عن ابن المسيب .

[ ص: 275 ] ورواه أبو نعيم في تاريخ بلده من حديث يحيى بن سعيد عنه بنحوه .

قال أبو القاسم الجوزي: ويعارضه حديث ابن مسعود وحذيفة بن أسيد "ثم يؤمر بأربع" منها "أجله" "فلا يزاد عليها ولا ينقص" .

والجمع بينهما أن الله إذا أراد أن يخلق (النسمة) (قال) : فإن كان منها الدعاء رد عنها كذا وكذا وإلا نزل بها كذا وكذا، وكذلك أجلها إن برت والديها فكذا وإلا فكذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص، ومثل ذلك ما في الحديث: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" .

وقال أبو الليث السمرقندي في "تنبيهه": اختلفوا في زيادة العمر، فقالوا: هو أن يكتب ثوابه بعد موته فكأنه زيد في عمره، وقال غيره: هو أن يرزق السهر من غير أرق فيعمل بطاعة الله فيها، وقيل: إنه في علم الله كذا إن فعل كذا، وفي اللوح المحفوظ كذا وكذا فإن فعل ما في علم الله زيادة على ما في اللوح وإلا فلا.

وقيل: هو أن يترك ولدا صالحا أو علما ينتفع به، وهذا رويناه في "معجم الطبراني" من حديث مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي [ ص: 276 ] مشجعة بن ربعي الجهني، عن أبي الدرداء مرفوعا: "إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها (وإنما) زيادة العمر ذرية صالحة يرزقها العبد يدعون له بعد موته فيلحقه دعاؤهم في قبره" .

ورواه ابن منده في "الأحوال والأمن من الأهوال" بإسناده من حديث جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا قال - عليه السلام - : "فذلك زيادة العمر".

وقال ابن الجوزي: المراد: الزيادة في العمر من سعة الرزق وصحة البدن، فإن الغنى يسمى حياة والفقر موتا.

وقيل: هو أن يكتب أجله مائة سنة، ويجعل تزكيته بعمر ثمانين فإذا وصل رحمه زاده الله في تزكيته فعاش عشرين سنة أخرى. وقيل: هو أن يبارك في أجله بتوفيق صاحبه لفعل الخير وبلوغ الأغراض فينال في قصر عمره ما لا يناله غيره في طويله.

وقال ابن فورك: معناه نفي الآفات والزيادة في الفهم والعقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية