التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5653 5999 - حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أترون هذه طارحة ولدها في النار؟". قلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها". [ مسلم: 2754 - فتح: 10 \ 426].


وقال ثابت عن أنس: أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله وشمه. وهذا سلف عنده مسندا .

ثم ذكر في الباب أحاديث:

أحدها:

حديث مهدي - وهو ابن ميمون - ثنا ابن أبي يعقوب - وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي البصري، من أفراد البخاري، عن ابن أبي نعم - وهو عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكوفي أبو الحكم، (قال: أبو نعيم) كان ابن أبي نعم يمكث خمسة عشر يوما لا يأكل، روى له الجماعة - قال: كنت شاهدا لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - ! وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هما ريحانتاي من الدنيا".

[ ص: 294 ] كذا هو "ريحانتاي" وهو الصواب، وذكره ابن التين بلفظ: ريحاني، (قال ابن بطال) : ريحانتاي .

والمعنى: أنه من رزق الله تعالى، وفي الحديث: الولد من ريحان الله ، والريحان الرزق معروف.

الثاني:

حديث عائشة - رضي الله عنها - : جاءتني امرأة ومعها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها، فقسمتها بين ابنتيها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته، فقال: "من بلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن، كن له سترا من النار".

يريد أن أجر القيام عليهن أعظم من أجر القيام على البنين، إذ لم يذكر مثل ذلك في حقهم، وذلك - والله أعلم - لأجل أن مؤنة البنات والاهتمام بأمورهن أعظم من أمور البنين; لأنهن عورات لا يباشرن أمورهن، ولا يتصرفن تصرف البنين.

وقوله: ("من بلي") هو بالباء المضمومة، كذا نحفظه، وذكره ابن بطال بالمثناة تحت، وكتبه في الحاشية بالموحدة .

[ ص: 295 ] الحديث الثالث:

حديث أبي قتادة في قصة أمامة وقد سلفت، وفيه: حملها على العاتق حتى في الصلاة، وقد سلف أنها كانت فرضا.

الحديث الرابع:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لا يرحم لا يرحم".

الخامس:

حديث عائشة - رضي الله عنها - : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتقبلون الصبيان؟! فما نقبلهم. فقال - صلى الله عليه وسلم - : "أو أملك أن (كان الله) نزع من قلبك الرحمة؟! ".

السادس:

حديث عمر - رضي الله عنه - : قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها فأرضعته، فقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ ". قلنا: [لا] وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها".

وقوله: (تحلب)، هو بفتح أوله، واللام مشددة أي تيسر للحلاب، ولا شك أن رحمة الصغير ومعانقته وتقبيله والرفق به من الأعمال التي [ ص: 296 ] يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله للأقرع بن حابس حين ذكر ما ذكر: "من لا يرحم لا يرحم"، فدل على أن تقبيل الولد الصغير وحمله والتحفي به مما يستحق به رحمة الله، ألا ترى حمله - عليه السلام - أمامة على عاتقه في الصلاة، وهي أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر - عليه السلام - بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها في الصلاة مما يضاد الخشوع المأمور به فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها في الصلاة، وفي فعله ذلك أعظم الأسوة لنا، فينبغي الاقتداء به في رحمة صغار الولد وكبارهم، والرفق بهم، ويجوز تقبيل الولد الصغير في سائر جسده.

وروى جرير عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بالحسن بن علي ففرج بين فخذيه وقبل زبيبته . وأما تقبيل كبار الولد وسائر الأهل فقد رخص في ذلك العلماء.

قال أشهب: سئل مالك عن الذي يقدم من سفره فتلقاه ابنته تقبله أو أخته أو أهل بيته، قال: لا بأس بذلك وهذا على وجه الرقة، وليس على وجه اللذة وقد كان - عليه السلام - يقبل ولده وبخاصة فاطمة، وكان الصديق يقبل عائشة، وقد فعل ذلك أكثر الصحابة، وذلك على وجه الرحمة .

[ ص: 297 ] وفي حديث ابن عمر من الفقه أنه يجب على المرء أن يقدم (تعليم) ما هو أوكد عليه من أمر دينه، وأن (يبدأ) بالاستغفار والتوبة من أعظم ذنوبه، وإن كانت التوبة من جميعها فرضا عليه، فهي من الأعظم أوكد، ألا ترى ابن عمر أنكر على السائل سؤاله عن حكم دم البعوض، وتركه الاستغفار والتوبة من دم الحسين، وقرعه به دون سائر ذنوبه لمكانته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية