التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5751 6102 - حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا شعبة، عن قتادة: سمعت عبد الله - هو ابن أبي عتبة مولى أنس - عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه. [انظر: 3562 - مسلم: 2320 - فتح: 10 \ 513]


ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - : صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟! فوالله إني لأعلمهم بالله - عز وجل - وأشدهم له خشية".

وحديث أبي سعيد الخدري: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه.

وجه إيراده حديث عائشة - رضي الله عنها - وأنه خطب به أن هذا العتاب ولم يعين فيه فاعله، وكل ما جرى من عتاب يعم الجميع ولا يعين قائله، وهو من باب الرفق والستر كما أراد عمر حين أمر الناس كلهم بالوضوء يوم الجمعة وهو يخطب من أجل الرجل الذي أحدث بين يديه، الستر له والرفق به، وليس ذلك بمنزلة أمره له بالوضوء من بينهم وحده في الستر له بعد ذلك.

[ ص: 468 ] والعذراء: البكر، وتجمع على عذارى وعذاري وعذراوات.

والخدر: الستر.

قال ابن بطال: وإنما كان لا يواجه الناس بالعتاب، يعني على ما يكون في خاصة نفسه كالصبر على جهل الجاهل وجفاء الأعراب، ألا ترى أنه ترك الذي جبذ البردة من عنقه حتى أثرت جبذته فيه; لأنه كان لا ينتقم لنفسه. وهذا معنى حديث أبي سعيد، فأما إن انتهكت من الدين حرمة فإنه لا يترك العتاب عليها والتقريع فيها، ويصدع بالحق فيما يجب على منتهكها، ويقتص منه، وسواء كان حقا لله أو للعباد.

فإن قلت: فإن كان معنى حديث أبي سعيد ما ذكرت من أنه كان لا يعاتب فيما يكون في خاصة نفسه، فقد واجه بالعتاب في حديث عائشة وخطب به.

قلت: قد أسلفنا الجواب عنه وإنما فعل ذلك - والله أعلم - لأن كل رخصة في دين الله فالعباد مخيرون بين الأخذ بها والترك لها.

وكان - عليه السلام - رفيقا بأمته حريصا على التخفيف عنهم، فلذلك خفف عنهم العتاب; لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة، وقد ترك عتابهم مرة أخرى على ترك الرخصة وأخذهم بالشدة حين صاموا في السفر وهو مفطر، (وإن كان قد جاء في الحديث: "إن دين الله يسر" كما سلف) .

[ ص: 469 ] قال الشعبي: إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه - قلت: وهو حديث مرفوع صحيح - فليس ذلك دليلا على تحريم الأخذ بالعزائم; لأن ذلك لو كان حراما لأمر الذين خالفوا رخصته بالرجوع عن فعلهم إلى فعله. وفي حديث أبي سعيد الحكم بالدليل; لأنهم كانوا يعرفون كراهية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشيء بتغير وجهه، كما كانوا يعرفون قراءته فيما أسر به في الصلاة باضطراب لحيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية