التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5787 [ ص: 522 ] 6138 - حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". [انظر: 5185 - مسلم: 47 - فتح: 10 \ 532].


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث أبي شريح الكعبي، السالف في باب: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".

وأبو شريح: اسمه: خويلد بن عمر، وقيل غير ذلك، مات سنة ثمان وستين بالمدينة، وهو من بني عدي بن عمرو بن لحي، أخي كعب بن عمر.

ثانيها:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وسلف فيه أيضا، وكرره في الباب، وفي أحدهما أبو حصين: وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكاهلي الكوفي، مات سنة ثمان وعشرين ومائة.

ثالثها:

حديث أبي الخير - واسمه مرثد بن عبد الله اليزني، مات سنة (سبعين) - عن عقبة بن عامر أنه قال: قلنا يا رسول الله، إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن نزلتم

[ ص: 523 ] بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم".


وقد سلف الكلام على الضيف وجائزته. وما اختلف فيه من معنى الحديث هل اليوم والليلة جائزة داخلة في الثلاث؟ وإذا قلنا بدخولها، فهل هي قبل الثلاثة أو بعدها؟ وهل الجائزة حسن ضيافته يوم أو يعطى ما بعد الثلاث ما يجوز به مسافة يوم وليلة؟

وروى ابن سنجر أنه - عليه السلام - قال: "ليلة الضيف حق على كل مسلم واجبة، فمن أصبح بفنائه فهو له عليه دين إن شاء تركه أو اقتضاه" .

وقد سئل مالك عن: "جائزته يوم وليلة" فقال: يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة، قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره إلى ثلاثة أقسام: إذا نزل به الضيف أتحفه في اليوم الأول وتكلف له على قدر وجده، فإذا كان اليوم الثاني قدم إليه ما بحضرته، فإذا جاوز مدة الثلاثة كان مخيرا بين أن يستمر على (وثيرته) أو يمسك، وجعله كالصدقة النافلة.

فصل:

قوله: ("ولا يحل له أن يثوي عنده") وهو بفتح أوله وكسر الواو، والفتح في الماضي، ثوى إذا أقام، ثوى وأثويت (عنده بفتح أوله) لغة في ثويت أي: لا يقيم عنده بعد الثلاث.

وقوله: ("حتى يحرجه"). أي: يضيق صدره. (وأصل الحرج الضيق. وإنما كره له المقام عنده بعد الثلاث; لئلا يضيق صدره)

[ ص: 524 ] بمقامه فتكون الصدقة منه على وجه المن والأذى، فيبطل أجره، قال تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى [البقرة: 264].

فصل:

قوله: ("من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه") معناه: من كان إيمانه إيمانا كاملا، فينبغي أن يكون هذا حاله وصفته; فالضيافة من سنن المرسلين.

وقد سلف اختلاف العلماء في وجوبها، وأوجبها الليث بن سعد فرضا ليلة واحدة، وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما في يده، واحتج بحديث عقبة في الباب. وقال جماعة من أهل العلم: الضيافة من مكارم الأخلاق في باديته وحاضرته. وهو قول الشافعي. وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة. وقال سحنون: إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر . واحتج الليث أيضا بقوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [النساء: 148] أنها نزلت فيمن منع الضيافة، فأبيح للضيف لوم من لم يحسن ضيافته، وذكر قبيح فعله، وروي ذلك عن مجاهد وغيره. فيقال لهم: إن الحقوق لا يتضيف فيها بالقول وإنما يتضيف فيها بالأداء والإبراء، فلو كانت الضيافة واجبة لوجب عليهم الخروج إلى القوم مما لزمهم من ضيافتهم، وقوله: "جائزته يوم وليلة" دليل أن الضيافة ليست بفريضة، والجائزة في لسان العرب: المنحة والعطية. وذلك تفضل وليس بواجب.

[ ص: 525 ] وأما حديث عقبة فتأويله عند جمهور العلماء أنه كان في أول الإسلام حين كانت المواساة واجبة، فأما إذا أتى الله بالخير والسعة فالضيافة مندوب إليها.

التالي السابق


الخدمات العلمية